ترى الأستاذة الجامعية المغربية زهور كرام أن النقد الأدبي مسؤولية تاريخية وحضارية وأن الناقد مسؤول عن “تحصين الإبداع من التسيب” فلم يعد عمله هو الوساطة بين المبدع والقارئ بوصف العمل الأدبي وكتابة انطباعات وإصدار أحكام عنه وإنما على النقد أن يقدم قراءة تحليلية تضع النص الأدبي في سياقه الحضاري.
وتقول إن من مهام الناقد أيضا “أن يحصن الأدب من لعبة السوق وأن يحمي الأدب من الدخول في المزاد السياسي أو جره إلى مستنقع السياسة. النقد هو فعل التفكير… وعندما يكون النقد متطورا في مجتمع فإنه يعبر عن انتصار المجتمع للفكر والتحليل والمنهجية انطلاقا من ذاكرة الأدب.”
وتشدد على أن الاستهانة بالمسؤولية الحضارية للنقد الأدبي هي استهانة بالكتابة الإبداعية “التي هي خزان للمعنى الوجودي للشعوب” وأن الخطاب النقدي الجدير بالقراءة حاليا هو القادر على إنتاج الأسئلة من النصوص الأدبية.
وترى أن النقد العربي حاليا مطالب أكثر من أي مرحلة سابقة باليقظة لاعتبارين.. أولهما أن المناخ الثقافي في زمن التكنولوجيا “خلق نوعا من النقد الذي ينبني على المحاباة والمجاملة والاهتمام بالكاتب أكثر من الكتابة على حد تعبير القصاص المغربي أحمد بوزفور” أما الاعتبار الثاني فهو أن الحاضر العربي يتطلب التفكير العلمي وتنشيط العقل أملا في تجاوز “التباس اللحظة دون التفريط في ذاكرة الرواية والأدب بشكل عام.”
وزهور كرام قاصة وروائية وناقدة مرموقة لها حضور بارز في المشهد الثقافي العربي بدراسات منها (السرد النسائي العربي.. مقاربة في المفهوم والخطاب) و(ربات الخدور.. مقاربة في القول النسائي العربي والمغربي) و(لأدب الرقمي.. أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية).
كما شاركت في عضوية لجان تحكيم جوائز عربية منها جائزة سلطان العويس الثقافية في دبي 2004 والجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) في أحدث دوراتها (2014) والتي فاز بها العراقي أحمد سعداوي عن روايته (فرانكشتاين في بغداد) بعد التنافس مع خمس روايات هي (طشاري) للعراقية إنعام كجه جي و(تغريبة العبدي المشهور بولد الحمرية) للمغربي عبد الرحيم لحبيبي و(طائر أزرق نادر يحلق معي) للمغربي يوسف فاضل و(الفيل الأزرق) للمصري أحمد مراد و(لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة) للسوري خالد خليفة.
وتقول زهور كرام لرويترز في مقابلة إن الجوائز لا تخلق الجودة وإن “العمل الجيد جيد بدون جائزة” فأحيانا تعلي بعض الجوائز من شأن أعمال لا قيمة لها “وهذا راجع إلى التحكيم” ولهذا يظل النقد سبيلا وحيدا “لخلق مناخ صحي لانتعاش الكتابة والقراءة معا”.
وتضيف أن الجوائز في أوروبا تلعب دورا مهما في تنشيط القراءة عندما تفوز رواية أو مجموعة قصصية لأن للفرد هناك تقاليد في القراءة ولأن دور النشر تجيد تقريب العمل الجيد إليه. وفي المقابل لا تؤدي الجوائز الأدبية العربية -على الرغم من زيادة عددها- إلى انتعاش عملية القراءة بدليل استمرار الحديث عن أزمة القراءة في العالم العربي.
ولكنها تفسر الاهتمام العربي بجائزة البوكر بأنها تمنح لعمل واحد وليس لمشروع الكاتب كله وتخصص لجنس أدبي هو الرواية التي تستهوي شبابا وشعراء ونقادا وتحضر بقوة في المشهد الثقافي العربي وتحقق تراكما كبيرا كميا ونوعيا وتحظى “باهتمام معرفي إضافي لكونها ذات علاقة بنيوية بالتحولات الاجتماعية والتاريخية ولهذا فإن الرواية العربية ترافق اللحظة التاريخية التي تعيشها المجتمعات العربية حاليا.”
وترى أن الجدل المصاحب لكل دورة لجائزة البوكر العربية سيظل قائما “وهو مسألة صحية تسهم في الرفع من شأن الجائزة مهما كانت طبيعة الجدل” الذي يدفع الجمهور إلى قراءة 16 رواية بلغت القائمة الطويلة وهي روايات تصلح مادة للبحث في مسار تطور الرواية العربية واستثمار هذه المادة في أسئلة نقدية تطرحها الروايات عن مجتمعاتها.
وتصف تجربتها في لجنة التحكيم قائلة إن عضوا في مجلس أمناء الجائزة كان يشارك في الاجتماعات ولكنه “لا يتدخل في النقاش. لا يوجه. إنما دائما يذكر اللجنة بعدم استحضار البعد الجغرافي أو اسم الروائي أو دار النشر أو المرأة الروائية أو المواضيع.. هذه مسائل محظورة في عمل اللجنة. التركيز يكون فقط على الرواية وحدها. في غالب الأحيان لم نكن ننتبه إلى اسم الروائي… الذي كان سائدا في عملنا ومهيمنا هو النقاش النقدي الذي كان يصل أحيانا إلى إعادة اكتشاف خصوبة الجنس الروائي.”
وتضيف “أفتخر أني كنت في لجنة اشتغلت بموضوعية علمية وارتقت بالسؤال النقدي إلى درجة عالية. أتمنى أن نتجاوز التصورات السائدة حول مفهوم الجغرافيا لأنها تصورات.. تربك الموضوعية… لسنا في حرب أو مباراة كرة إننا في مقام الإبداع وسلطة التخييل ولا بد أن نستثمر من هذا المقام لغته ومعجمه وأفقه الجمالي. إذا لم نتجاوز سؤال الجعرافيا فإننا سنظل مع كل دورة للجائزة نحوم حول الجائزة دون أن ندخل إلى جوهرها. لأن الجائزة كل سنة سيواجهها سؤال الجغرافيا” الذي تصفه بأنه غير إبداعي.
وتقول زهور كرام إن الرواية من أكثر الأنواع الأدبية تطورا وتجددا “فهي قادرة على تطويع أساليبها وطرقها لكي تكون في مستوى لحظة التحولات” وإن بعض الروايات لا تجد قبولا إلا بمضي الوقت ويحتاج الأمر إلى تراكم أعمال غير تقليدية خارج النمط السردي المألوف والسائد وإن الجوائز تسهم في إثارة الانتباه إلى الطرق الجديدة في الكتابة.