إنَّ مسألة النزعة الانفصالية الكتلانية شديدة التعقيد بحيث تتشابك خيوطها وسط حِراك قائم بإسبانيا يعد انفجاره مُمكنا للغاية و امكانية انفلات الأمور به و خروجها عن نطاق السيطرة في أية لحظة واردا جدا، إلا أنه فيما يهُم التخمينات المُستقبلية، فيُرتقب، بعد دراسة نقاط القوة و الضعف عند الأطراف المعنية، إبرام صفقة سياسية بهدف احتواء الأزمة، يتم بموجبها، التراجع عن النوايا الانفصالية و إجراء تعديلات دستورية، مُتعلقة بالأقاليم، ملائمة مع العصر و متجاوبة مع تفاعلاته.
إلا أنَّ الأكيد هو أن الأمور ستكون صعبة للغاية و جميع الامكانيات واردة بما فيها الافتراضية الانفصالية، و ذلك بتوفر الشروط الذاتية و الموضوعية و امتدادات الأمر إلى الخارج و توفر مستلزمات الضرورة الانفصالية أكثر فأكثر. فحتى الاستطلاعات الكثيرة و الاستقراءات المختلفة تخدم النزعة الانفصالية و لا تصب في صالح النداءات الوحدوية، و بناء عليه، فوحدة إسبانيا اليوم لم تعد بعيدة عن امكانية التجزئة، إذا تمكنت القومية الكتلانية من انفصالها عن المملكة الإسبانية.
فأحدث استطلاعات الرأي بالمحافظة الكتلانية كشفت رغبة %60 من سكان المحافظة بالاستقلال عن المملكة الإسبانية و إقامة دولة جديدة قائمة الذات، و بالعودة إلى استطلاعات سابقة فهذه النسبة (%60 ) رفعت من أعداد الكتلان الراغبين و الداعمين لفكرة إقامة دولة مستقلة بنسبة 5%. بدوره، هدَّد رئيس المحافظة الكتلانية أرثور ماس بإعلان دولة من جانب واحد، مِمَّا أثار حفيظة رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي و ابدائه لمعارضته لخطورة ماس بقوله بجلسة بالبرلمان بأن “استفتاء كتالونيا اللا دستوري يعد بمثابة خط أحمر لن يسمح به”.
أمَّا فيما يهم الأرجحية الواردة للغاية، فصيغة تنفيد المطالب القومية و التراجع عن الحملة الانفصالية، تُعد الأكثر ورودا باعتبارها تسوية اعتدالية، خصوصا و أنَّ بقاء المُحافظة الكتلانية بإسبانيا أو إعلان الدولة الـكتلانية المُستقبلة عن المملكة الإسبانية أصبح على ما يبدو، باستحضار المعرفة الشمولية للإشكالية، رهينا أكثر فأكثر بتزويد المُحافظة بالمُخصصات المالية المطلوبة و تنفيذ احتياجاتها الاصلاحية كاملة و مطالبها السياسية و مُستلزماتها الاقتصادية الواجبة و اللازمة غير منقوصة.
فبالعودة إلى الأرجحية الانفصالية عن اسبانيا، المُمكنة و الغير المُستبعدة بتاتا، فإن هذا الميلاد الجديد، ربَّما لدولة جديدة، إذا لم تقم المحكمة الدستورية الاسبانية بنسف رغبة القومية الكتلانية، سيكون بداية نهاية اسبانيا، لا سيَّما و أنَّ المُحافظة الكتلانية تُساهم سنويا بما مُعدله تقريبا %10 من ناتجها المحلي أو ما يناهز بالأرقام 22 مليار يورو نقدا في خزينة الدولة الاسبانية، و غالبا ما تتم العديد من المشاريع الانمائية بإسبانيا على حسابها، بحسب العديد من قيادات النزعة الانفصالية.
فبالإضافة إلى الامكانية السابقة، هناك سيناريوهات مُمكنة أيضا. منها امكانيات واقعية و احتمالات تفاؤلية و سيناريوهات تشاؤمية. فمثلا، هناك احتمالية الاصطدام بين الأطراف المعنية. بعبارة ثانية، هناك امكانية اعلان الحكومة المستقلة الكتلانية من جانب واحد للدولة الكتلانية المستقلة و السيادية، نكاية في اسبانيا و استثارة لمشاعرها، إذا كانت النتائج مُؤيدة للطموحات الانفصالية، و بناء عليه، اعتراف مدريد، السلطة المركزية، مُكرهة، بالنتائج، استجابة للأمر الواقع.
فزيادة إلى المصادمة، هناك امكانية بلوغ الصيغة التوافقية، الواقعية و البراغماتية، و ذلك بانتصار المصلحة الثنائية بين مدريد، بصفتها السلطة المركزية، و برشلونة، بوصفها النزعة الانفصالية. فيما معناه، امكانية التوصل إلى تحقيق نوع و صيغة من الرضا المُتبادل بين الأطراف، يحُدُ من التوتر الكبير و التصعيد الخطير، مع امكانية استمرار الأجواء المشحونة و التهديدات و التهديدات المتبادلة إلى أن تنقلب موازين القوة أو أن تنضج الظروف أكثر للعملية الانفصالية الكتلانية.
أمَّا إذا استمرت الضغوطات الانفصالية بالتصعيد و اكتفت السلطات المركزية بالتهديد و الوعيد، فهناك احتمالية إجراء استفتاء مشترك بين الأطراف المعنية ربَّما بإشراف من المؤسسات الأوروبية ذات الأدوار التحكيمية، إذا تمت استشارتها أو ربَّما بمبادرة منها إذا عبرت عن استعدادها للوساطة أو بطلب من الأطراف الاحتكام إليها. فحتى و إن كانت افتراضية مُستبعدة، بسبب تحذيرات و تهديدات اسبانيا و تصميمها على منع الاستفتاء، فإنَّها أرجحية غير مُستحيلة البتة.
هناك أيضا امكانية المفاوضات الثنائية المباشرة بين الدولة الاسبانية و قيادة القومية الكتلانية من دون رعاية أطراف ثالثة. إذا تحققت هذه الأرجحية، يُرتقب أن يتم الخروج منها بتسوية ثالثة، غير تصور النزعة الانفصالية لقضيتها القومية و غير تصور السلطة المركزية لمسألة السيادة الترابية عليها، بحيث يُرتقب اختتامها بانتزاع النزعة الانفصالية امتيازات كمية و نوعية و كيفية و وضعية اعتبارية، حصرية و استثنائية بإسبانيا تميزها كثيرا عن كافة المقاطعات الاسبانية.
أمَّا إذا تشنجت الأجواء المشحونة أصلا بين الأطراف مُنذ القدم، فإنَّ بداية الحديث عن تقسيم اسبانيا واردة، و ذلك إذا تحققت الرغبة الانفصالية الكتلانية التي ستوقظ نار الفتنة، و تطالب بذلك النزعة الانفصالية الباسكية بدورها بحقها في رغبتها الاستقلالية عن المملكة الاسبانية و هكذا دواليك. افتراضية تفرضها بقوة ظروف غياب التسويات السلمية و الحضارية البديلة و تزايد المطالبة بأحقية الكيانات الأقلية، اقليما و قاريا، و استفادتها من تبدلات خارطة العالم الجديد.
أمَّا إذا تطورت الأمور دوليا، بتزايد أصوات القوميات المُتصاعدة أصلا، فإنَّ مصير المُحافظة الكتلانية، سيكون حتما و بالضرورة، قدر نظيراتها بالعالم. فإذا كانت هذه النزعات قادرة على التمسك بمطالبها و الاستناد في مرافعاتها عن قضاياها إلى أوراق مُؤثرة، فإمَّا بلوغها أهدافها الانفصالية و تحولها إلى كيانات ذات سيادة و استقلالية، و إمَّا نيلها مكسب “الإمارة المُستقلة” و تبعيتها للاتحاد الأوروبي سياديا و حكوميا و تشريعيا و قضائيا، و دفاعيا و أمنيا لحلف الناتو.
هُناك أيضا، امكانية استمرارية حروب الاستنزاف السرية و العلانية بين النزعة الكتلانية، الانفصالية، و الدولة الاسبانية، الوحدوية، إذا فشلت جميع الفرضيات و التسويات الممكنة، بحيث يُنتظر استرار المُحافظة الكتلانية شوكة في حلق الدولة الإسبانية، لتتطور بذلك الأمور إلى الأسوأ، لتصبح الاشكالية الكتلانية، السلمية و الحضارية، تحديا حقيقيا و اشكالية مُعقدة، و عليه استمرار التشنجات و الأزمات و الاتهامات و التهديدات المتبادلة، إلى أن تنفجر الأمور من تلقاء نفسها.
أمَّا إذا قاربت الدولية الإسبانية النزعة الانفصالية بمنهجية عنيفة تُسفر عن شعورها بالمهانة، فإنَّ الأخيرة ستأخذ مُنعطفا آخر، مُغايرا و خطيرا، و بناء عليه، فإنَّ امكانية تحولها إلى أكثر راديكالية في خطاباتها و مطالبها واردة، و بذلك يبدأ مسار جديد بينها و بين السلطة المركزية بمساندة من النزعة الباسكية إلى درجة انتزاعها لحقوقها. إلا أنَّ الحاسم الأكبر سيكون بالتأكيد ما قد يسفر عنه استفتاء تقرير مصير المُحافظة الاسكتلندية، المُزمع إجرائه يومه الثامن عشر من شتنبر 2014.
فرُبَّما بعد مُرور ما يقرب من أربعين سنة من اعتماد نظام الحكم الذاتي المعمول به بالمُحافظة الكتلانية، و بإسبانيا عموما مند 1978 و خصوصا بعد تعديله سنة 2006، حلَت اليوم، ساعة الصفر لتقرير المصير بالمُحافظة الانفصالية. فإذا انفصلت المقاطعة الكتلانية عن المملكة الاسبانية، فالأخيرة، المُنهكة أصلا بسبب تداعيات الأزمة الاقتصادية، ستصبح ضعيفة قياسا بما كانت عليه مع المُحافظة الانفصالية، و العالم بدوره سيشهد ميلاد الكثير من الكيانات الاثنية الجديدة.
أما الأجهزة الاستخباراتية، المخولة لها حماية اسبانيا، فإنها مغلولة أيديها و حائرة من أمرها، بالرغم من مباشرتها سرا و علانية لتحركات استقطابية فاشلة و قيامها بمناورات احتوائية يائسة. فاليوم تقف موقف المحتار من أمره، تتخبط بين الارتباك و الاستسلام لواقع اللايقين بتعبير علماء النفس المُتخصصين في إدارة الحروب و تدبير الازمات، بمعنى افتقارها لخارطة طريق للإمساك بزمام الأمور و بالخيط الرفيع بما يؤمن تطويق الأمر و احتوائه من دون خروجه عن السيطرة.
أمَّا الطَّامة العظيمة، فكانت على الأرجح، ارتكاب خطيئة بالغة الفداحة مند بداية تدبير هذه الأزمة، باعتبارها أزمة كان من المفروض تدبيرها استخباراتيا و ليس ديبلوماسيا، خصوصا و أنَّ هذا الصنف من المواقف و الأزمات، المُتعلقة، بالضرورة، باحتواء النزعات الانفصالية، غالبا ما يتم تدبيرها، لا سيَّما عند الشعور بالتحد و التَّعنُّت، باللجوء إلى الغريزة الثأرية بدلا من التفكير في المُقاربة الالتفافية، القادرة على احتواء هكذا أزمات بكُلفة قليلة المغارم و كثيرة المغانم.