ألبير كامو.. يقسّم المثقفين الجزائريين

الكاتب الفرنسي الشهير ألبير كامو

ليس ألبير كامو الكاتب الفرنسي الوحيد الذي ولد على أرض جزائرية وعاش فيها وتميزت مواقفه بالتذبذب من ثورتها واستقلالها، لكنه الأكثر إثارة للجدل بنصوصه ومواقفه أثناء حياته وبعد رحيله الذي يدخل عامه الرابع والخمسين.

صاحب رواية “الطاعون” التي يأخذ عليها الجزائريون أنها اعتبرتهم آدميين من الدرجة الثانية، ورواية “الغريب” التي تحدث فيها عن تشظيه بين الجزائر مسقط رأسه وفرنسا مسقط انتمائه الحضاري؛ يبدو أنه لا يتعب من استفزاز المثقفين الجزائريين، والتأكيد على أن هويته هي اختلافهم عليه.

فما أن يشير أحدهم إلى جزائريته، أو يجرّده منها حتى تندلع السجالات التي تتخذ أحيانا من صاحب نوبل للأدب عام 1957 وسيلة للتعبير عن ذاكرة جزائرية مجروحة، لم يستطع نصفُ قرن من الاستقلال أن يرممها.

نقاش مفخخ

ويرى الدكتور محمد نور الدين جباب، أن هذه النقاشات التي وصفها بالمفخخة، لا تبتعد عن إرادة أطراف سياسية رسمية في الجزائر العاصمة وباريس، في استغلال ظاهرة كامو لتمييع النقاش بعدم طرح الأسئلة الجوهرية المتعلقة بالماضي الاستعماري لفرنسا.

ودلل أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر على رأيه، بالقافلة التي دعت إليها أطراف من البلدين، بمناسبة مرور خمسين عاما على رحيل كامو، والتي كان مقررا لها أن تجوب الساحل الجزائري، وتضم شخصياتٍ ثقافية جزائرية وفرنسية، لتقديمه كرمز للتسامح والذاكرة المشتركة، غير أن مناهضة نخبة من المثقفين والسياسيين أدت إلى إلغائها.

وأضاف جباب في حديث للجزيرة نت “لا يستطيع ناقد -مهما كبر شأنه- أن يفضح النزعة الاستعمارية والعنصرية المبثوثة في نصوص ألبير كامو مثلما فعل إدوارد سعيد في كتابه الثقافة والإمبريالية”.

ويقول أستاذ الأدب المقارن بجامعة بجاية لونيس بن علي “إن “مارسيو” بطل رواية “الغريب” كان يعتبر الجزائر أرض الشمس، في مقابل اعتبار باريس مدينة الرماد”، في إشارة من بن علي إلى الإرث الأدبي الكولونيالي في الجزائر.

وقد ظهرت في السنوات الأولى للاستعمار حركة أدبية سماها مؤرخو الأدب الجزائري الحديث أمثال “جون ديجو” أدبَ الشمس، وهو ذلك الأدب الذي كتبه روائيون وشعراء فرنسيون أعجبوا بالأرض الجديدة، فكتبوا عن دفئها وعن شمسها أمثال “غي دو مو باسون” و”أندريه جيد” وفي الفن التشكيلي “إيتيين دينيه” و”دولاكروا”.

الغريب

وختم صاحب كتاب “تفاحة البربري” تصريحه للجزيرة نت بقوله “إن كامو الجزائري هو ذلك الذي ينتمي إلى هوية جزائرية مستنبتة في ظرف تاريخي خاص، وحبه للجزائر هو جزء من الولاء للمشروع الكولونيالي القائم على أن الجزائر قطعة من فرنسا، أما الجزائريون أو (العرب) فليسوا إلا الطاعون”.

وجددت الرسالة التي بعثها الشاعر والباحث أحمد الدلباني إلى الناقد عبد القادر رابحي الجدلَ في المشهد الثقافي الجزائري حول صاحب “الغريب”، معتبرا إياه أنه حاكم كامو أخلاقيا، بينما يجب أن يكون الخلاف سياسيا.

وقال صاحب “مأدبة المتاهة” إن كامو وقف إلى جانب الإنسان لا النظرية. وحتى إن كان سارتر قد سحَر الكثيرَ من الجزائريين بمواقفه الرَّاديكالية البطولية، وبمُعارضته الشجاعة لمنظومة العنصرية الكولونيالية، فإن ذلك يجب ألا ينسي الجزائريين أنه خرج من رحم المنظومة الفكرية الثورية في تلوينها الماركسي، وهي ذاتُ المنظومة النظرية التي جعلتهُ يسكتُ عن الانتهاكات الستالينية في بلدان أخرى.

ويرى الدلباني أن كامو لم يكن ثوريا وصاحب فكر انقلابي، لكنه كان يريدُ إصلاح اللحظة لا الانقلاب عليها، وذلك باسم قيم العدالة والكرامة الإنسانية، وباسم حبّه للجزائر التي ظل يعتبرُها بلادَه الأثيرة.

هواجس الجيل الجديد

من جهته ثمّن الشاعر والناقد عبد القادر رابحي تجدد هذا النقاش، واعتبره ضروريا لترتيب الإشكالات وفق الأولويات التي يراها كل مثقف من زاويته بالنظر إلى حاجة المجتمع الراهنة.

وأدرج رابحي ما جرى بينه وبين أحمد دلباني من نقاش حول شخصية ألبير كامو وحول أدبه ودوره في بناء رؤية ثقافية كولونيالية، وموقفه من الثورة الجزائرية، في باب ما ينتاب الجيل الجديد من هواجس فكرية ومعرفية تطمح إلى بناء رؤية ثقافية جزائرية غير ممسوخة.

وقرأ الكاتب ياسين سليماني هذه السجالات بين المثقفين الجزائريين، بخصوص كامو على أنها فشل للنخبة المثقفة في الجزائر، في تنقية تناولاتها الفكرية والثقافية من شوائب السياسة، مستنكرا أن يقوم كاتب معروف مثل رشيد بوجدرة بدعوة الدولة والأسرة الثورية إلى منع نصب تمثال لألبير كامو في مسقط رأسه بالشرق الجزائري.

ودعا صاحب “أنا الملك أتيت” إلى إعادة النظر إلى كامو من زاوية الإبداع لا الصراع، “فما تركه من إرث أدبي يجب أن يُقرأ في سياقه التاريخي والإنساني، حتى لا ندخل إلى المستقبل بصراعات الماض

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password