لأول مرة يتنافس أمريكيان من أتباع الدين اليهودي، على أصوات الحزب الديمقراطي، لمنازلة الرئيس الحالي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية للوصول إلى البيت الأبيض في نوفمبر المقبل.
بيرني ساندرز ومايكل بلومبيرغ، عمدة مدينة نيويورك السابق، والميلياردير الذي دخل السباق متأخرا، وبشكل يثير التساؤلات حول نوايا قيادة الحزب في الالتفاف على مدحلة ساندرز التي يبدو أن ما من أحد يستطيع وقفها. وقد بدأت ماكينة إعلام الحزب الجمهوري وأنصاره من المنظمات الصهيونية والسلفيين الأنجليكيين باتهام ساندرز، بأنه يساري وراديكالي واشتراكي وشيوعي. لقد ذهبت الرعونة بجون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق، أن يصرح أنه لو نجح ساندرز في الانتخابات فإنه سيعين إلهان عمر وزيرة للخارجية، وكأن ذلك جريمة أو انتهاك للدستور.
توقعات ثلاثة
دعني أتوقع أن ساندرز مرشح الحزب الديمقراطي، إذا نجح في الفوز في الانتخابات الأولية يوم الثلاثاء الكبير 3 مارس المقبل، التي يتنافس فيها سبعة مرشحين ديمقراطيين على أصوات أنصار الحزب في 14 ولاية أمريكية مرة واحدة، يصل عدد الوفود التي سترسلها هذه الولايات لمؤتمر الحزب لاختيار المرشح الرئاسي في مدينة ميلواكي، في يوليو المقبل إلى 1344 مندوبا. ومن بين تلك الولايات فلوريدا وألباما وميسسبي وأوكلاهوما وجورجيا ولويزيانا وغيرها. وفي غالب الأحيان من يفوز في الانتخابات الأولية في الثلاثاء الكبير، يكون هو مرشح الحزب الديمقراطي للتنافس مع مرشح الحزب الجمهوري على منصب الرئيس.
ودعني أقدم قراءة ثانية وأقول، إن المرشح الأفضل حظا لهزيمة ترامب هو بيرني ساندرز، خاصة إذا اختار نائبا للرئيس من الوسط الديمقراطي المحافظ، من ولايات الجنوب، ليعدل الصورة الراديكالية المنمطة عنه. فكافة استطلاعات الرأي الآن تظهر تفوقا واضحا لساندرز على ترامب، وآخرها جاء قبل يومين، ويظهر أن النسبة 51 لصالح ساندرز مقابل 43 لترامب. وقد أجري لحد الآن 60 استطلاع رأي في الولايات المتحدة بين الرجلين تفوق ساندرز فيها كلها. والتوقع الثالث إذا نحج ساندرز في ضمان ترشيح الحزب الديمقراطي، وهزم ترامب فسيطرأ تغير جذري على سياسة أمريكا الداخلية أولا، والخارجية ثانيا، لأن ساندرز سيعترف بأن برنامجه الانتخابي الراديكالي، هو الذي أوصله للبيت الأبيض، وأن لديه تفويضا قويا خاصة من الأجيال الشابة، للقيام بتغييرات جذرية ليس لصالح الأثرياء واللوبيات الأجنبية، بل لصالح الناس العاديين والفقراء والأقليات. وسأحاول في هذا المقال أن أقدم للقراء العرب فكرة عن المرشح/ الظاهرة ساندرز، وبرنامجه الانتخابي وبعض مواقفه الداخلية والخارجية ومدى التفاف العرب والمسلمين حوله.
التعريف بأفكار وبرامج ساندرز
في تغريدة على شبكة تويتر يوم الأحد الفائت، أعلن السناتور ساندرز أنه لن يحضر مؤتمر الإيباك السنوي، الذي يصب حصريا لصالح السياسات الإسرائيلية المتطرفة. كتب يقول: «للشعب الإسرائيلي الحق في العيش بسلام وأمن. وكذلك الشعب الفلسطيني». وأضاف «ما زلت قلقا بشأن المنصة التي توفرها إيباك لقادة يعبرون عن التعصب، ويعارضون الحقوق الأساسية للفلسطينيين. لهذا السبب لن أشارك في مؤتمرهم». وتابع ساندرز، «كرئيس، سأدعم حقوق كل من الإسرائيليين والفلسطينيين، سأفعل كل ما هو ممكن لإحلال السلام والأمن في المنطقة». فردت عليه منظمة «إيباك»: «السناتور ساندرز لم يحضر مؤتمرنا قط، وهذا واضح من خلال تعليقه الشائن».
هذا يعطيك فكرة عن مواقف ساندرز من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولكن ليس لهذا السبب سينتخب ساندرز، بل لبرامجه الداخلية المتعلقة بالصحة والتعليم، والحد الأدنى للأجور، والتسامح واحترام الأقليات والمهاجرين. يرفع ساندرز أربعة شعارات تستطيع أن تجمع حولها ملايين الناخبين: دراسة جامعية للجميع، تأمينا صحيا للجميع، فرصة عمل للجميع وعدالة للجميع. هكذا بكل بساطة. فلو كنت من الأقليات أو العنصر النسائي، أو الطلاب، أو المثليين، أو السود أو العاطلين عن العمل، ستجد ما تبحث عنه، تعليما وعملا وتأمينا صحيا وعدالة. إن آخر ما يفكر فيه ساندرز هو كونه يهوديا، فهو يبحث عن مجتمع يسوده الوئام، بعد أن مزقه ترامب وأطلق فيه غول العنصرية، التي ما فتئت تحصد أرواح السود والمسلمين والمثليين واليهود والمهاجرين. وإذا أصر الحزب على ترشيح بلومبيرغ كونه معتدلا أكثر وأقرب إلى الاتجاه العام في الحزب، فإن هذه وصفة أكيدة لإعادة ترامب أربع سنوات أخرى سنبقى بما تحمله من عواقب كارثية.
يرى ساندرز أن الاقتصاد الأمريكي يخدم الأغنياء والأقوياء فقط، وقد بلغت أعداد الأثرياء ثراء فاحشا أرقاما غير مسبوقة في عهد ترامب. فهو مؤمن بزيادة الضرائب على الأغنياء، وإعفاء الفقراء من العديد من الضرائب، ورفع الحد الأدنى للأجور، وضمان إمكانية أن يذهب كل طالب /طالبة إلى الجامعة، وألا يثقل بالديون لسنوات طويلة، بل يطالب بإعفاء جميع الطلاب من ديونهم التي تصل إلى 1.6 تريليون دولار. كما يعد في حالة فوزه أن يزود كل إنسان بتأمين صحي يشمل الأسنان والسمع والبصر والصحة العقلية والرعاية البيتية لكبار السن، وألا يدفع الفرد أكثر من 200 دولار سنويا على الأدوية. كما يعد أن يتم تحويل الطاقة إلى 100% طاقة خضراء وتوفير 20 مليون وظيفة لحل مشكلة أزمة المناخ.
إذن لهذه الأسباب يلتف الناس حول ساندرز، وليس للسياسة الخارجية فحسب، على أهميتها بالنسبة للعرب والمسلمين. ومقارنة مع بلومبيرغ فالمرشحان يختلفان في كل شيء، خاصة الموقف من العرب والمسلمين والسود والأقليات والمهاجرين. لقد أرسل بلومبيرغ الأجهزة الأمنية في مدينة نيويورك للتجسس على العرب والمسلمين، وأرسل العيون إلى المقاهي والمطاعم والمساجد والكنائس وتجمعات الجالية. العرب والمسلمون هنا لا يرون فرقا كبيرا بين بلومبيرغ وترامب، في طريقة التعامل معهم.
سياسة ساندرز الخارجية
ترتكز سياسة ساندرز الخارجية على الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والدبلوماسية والسلام، والإنصاف الاقتصادي. وسيسمح للكونغرس بإعادة تأكيد دوره الدستوري في إعلان الحرب حصريا، بحيث لا يستطيع أي رئيس شن تدخلات عسكرية غير دستورية في الخارج. كما أنه يرى نفسه، مثله مثل معظم أبناء الشعب الأمريكي، الذي لا يريد حربا لا نهاية لها. وسيعمل على إنهاء الدعم الأمريكي للتدخل الذي تقوده السعودية في اليمن، والذي تسبب في أسوأ كارثة إنسانية في العالم.
وكما أسلفنا حول موقفه من فلسطين وإسرائيل، القائم على دعم حق إسرائيل في العيش بسلام وأمن، لكنه يعطي الحق نفسه للفلسطينيين ليقيموا دولتهم المستقلة، فلا يجوز أن يكون العدل من نصيب الإسرائيليين وحرمان الفلسطينيين من الحق نفسه. لقد وعد ساندرز بحل النزاع بطريقة منصفة ومتوازنة، وبطريقة تتفق مع القانون الدولي. كما وصف ساندرز رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه «عنصري»، وأدرج إسرائيل ضمن أسوأ منتهكي حقوق الإنسان في العالم، بل ذهب بعيدا في تحد واضح للمؤسسات الصهيونية، حين صرح بأنه سيعيد النظر في موضوع إعادة السفارة الأمريكية إلى تل أبيب، ما أرسل إشارة ساخنة إلى إسرائيل ومريديها في الولايات المتحدة وبدأوا يرسمون الخطط للإطاحة به.
أصوات العرب والمسلمين
لكل تلك الأسباب التف العرب والمسلمون حوله، وأعلنوا في العديد من البيانات والمهرجانات، أن مرشحهم الرئاسي هو بيرني ساندرز. وقد بدأت حملات التأييد وجمع التبرعات، وفرز المتطوعين للعمل في حملته. وأصبح العديد من الناشطين يعملون معه بشكل دائم مثل اللبناني جيمس زغبي، رئيس المعهد العربي الأمريكي، والناشطة الفلسطينية ليندا صرصور، من الرابطة العربية الأمريكية، والكوميدي المشهور عامر زهر. كما أعلن وائل الزيات المدير التنفيذي لمنظمة إنغيج باك، المتخصصة في دعم المرشحين المتسامحين مع المسلمين، تأييده لساندرز. وانضمت إلى تأييده منظمة «كير» أو مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية، والتجمع الإسلامي لأمريكا، ولجنة مناهضة التمييز. كما أن هناك تجمعا للمؤسسات الفلسطينية يضم نحو 26 منظمة، يعمل الآن على إصدار بيان التأييد لساندرز، قد يصدر قبل صدور هذا المقال.
قبل أربع سنوات، وضع الأمريكيون العرب في ميشيغان بيرني ساندرز في المقدمة، فقد أظهرت استطلاعات الرأي في ديربورن، أن العرب صوتوا بنسبة 3-1 لصالح ساندرز على هيلاري كلينتون في الانتخابات التمهيدية لمرشحي الحزب الديمقراطي 2016. يعيش حوالي 400000 عربي في جميع أنحاء ميشيغان. لقد فاز ساندرز في الولاية بـ 17000 صوت. إذن العرب هم الذين وضعوه في ذاك الموقع. فأصوات العرب والمسلمين في بعض الولايات، خاصة المتأرجحة حاسمة، مثل فلوريدا وأوهايو وويسكنسون ونيوجرزي، وقد تكون تلك الأصوات على قلتها هي بيضة القبان التي ستعدل الموازين. أتذكرون انتخابات 2000 في ولاية فلوريدا؟ فلو صوت ألف عربي إضافي لفاز فيها آل غور ضد جورج بوش، وربما كتب بعدها التاريخ بصورة مغايرة.