بعد الاحتشام في التعاطي مع ملف كريس كولمان الذي سرب وثائق حساسة للدولة المغربية في حساب تويتر وإن كانت أغلبها صادرة عن الدبلوماسية، بدأت منابر تتعاطى مع هذا الحدث من خلال أطروحات تفيد بأن المستهدف قد يكون مدير المخابرات العسكرية ياسين المنصوري أو انتماء مسرب الوثائق للخارجية نفسها، وبالتالي الحديث عن عملية انتقام.
والجهة التي تتخفى وراء لقب “كريس كولمان 24” في حساب تويتر تقوم يوميا بتسريب وثائق بعضها سري للغاية ، وصدرت حتى الآن ردود الفعل التالية التي تعطي المصداقية لعملية التسريب وهي: اعتراف صحفي ينسق مع جهاز قومي استخباراتي في ملف الصحراء بتعرض حسابه البريدي للاختراق، اعتراف وزير الخارجية صلاح الدين مزوار بتعرض بريد الوزيرة المنتدبة في الخارجية امباركة بوعيدة للاختراق.
علاوة على هذا الاعتراف، تقوم الاستخبارات المغربية، وفق معطيات متسربة من الخارجية نفسها، بمراجعة شاملة لكل من يكون قد استعمل القن السري للخارجية وكذلك المخابرات العسكرية، وتطرح كذلك هل تم سرقة حاسوب مسؤول مغربي كبير في الاستخبارات كانت الوثائق في حاسوبه. وهذا يعني التركيز على احتمال وقوع تسرب داخلي دون استبعاد جهات أجنبية مع التركيز على الجزائر وفرنسا.
وعلاقة بالتسرب الداخلي، ظهرت أطروحتان، الأولى نشرتها هسبريس وتفيد باحتمال قيام شخص من وزارة الخارجية المغربية بتسريب هذه المعطيات بحصوله على القن السري لقاعدة البيانات. ونقلت المعطى عن مصدر تابع للخارجية. وبالتالي تحضر هنا فرضية الانتقام.
وتذهب فرضية أخرى في الاتجاه نفسه مع الاختلاف في المصدر والجهة المستهدفة، ويتعلق بيومية أخبار اليوم التي اعتمادا على التفسيرات والتحليلات توحي بأن الجهة المسؤولة عن التسريب قد تكون تستهدف مدير المخابرات العسكرية ياسين المنصوري بحكم أنه أول مدني يترأس جهازا عسكريا. وهنا تحضر كذلك فرضية الانتقام سواء من داخل الجهاز أو من جهاز آخر.
وفي الحالتين، فتفسير هسبريس من جهة وتفسير أخبار اليوم الذي يتحدث عن دوافع انتقامية يكشف في الوقت نفسه مستوى آخر وهو أن الخيانة وقعت في صفوف الخارجية والأجهزة، وهذا يضرب في الصميم أسطورة التماسك التي توحي بها الخارجية والمخابرات.
وتلتزم الدولة المغربية الصمت رسميا حتى الآن عما أصبح يعرف ب “وكيليكس المغربية”، فهي لم تصدر أي بيان. وأمام هذا بدأت التساؤلات تتضاعف حول الأمن القومي الرقمي في البلاد لاسيما في ظل ارتفاع الحديث عن اقتناء المغرب برامج متطورة للغاية خاصة بشبكة الإنترنت لحماية أمنه القومي الرقمي ومكافحة الإرهاب والتجسس على النشطاء الحقوقيين والسياسيين.
وتعتبر فرضية حدوث تسريب داخلي من وزارة الخارجية أو جهات استخباراتية مغربية أمرا صعبا ولكن غير مستبعد، بحكم أن الوثائق التي وضعها كولمان في تويتر متعددة المصادر وتعود الى تواريخ مختلفة آخرها بداية أكتوبر الماضي. بعض هذه الوثائق من حسابات بريدية خاصة ولأشخاص لا تجمعهم علاقة بالخارجية بل بأجهزة أخرى أو مجرد مقربين من العائلة الملكية. وحول المثال الأخير، فقد جرى تسريب ليلة الخميس في تويتر وثائق تتعلق بتحويلات مالية في باريس وأسهم في شركة في نيويورك لمقربين من العائلة الملكية لا يمكنها أن تكون ضمن أرشيف وزارة الخارجية.
في الوقت ذاته، تمتد عملية التسريب من سنة 2007 الى 2 أكتوبر الماضي، ويتعلق الأمر بوثائق وحسابات بريدية، وهذا الامتداد الزمني لسبع سنوات، يؤكد أن القرصنة قد تكون بدأت منذ مدة طويلة وليس قبل بدء النشر.
في غضون ذلك، يقوم خبراء أو قراصنة الإنترنت بالبحث عن هوية كولمان، وتتعدد التفسيرات والتحاليل، علما أن كولمان أعلن هويته السياسية بأنه “متعاطف مع القضية الصحراوية” ومؤيد لجبهة البوليساريو.
بعض التحاليل التقنية التي حصلت عليها ألف بوست لما يعرف بالبيانات الوصفية METADATA للوثائق المنشورة في تويتر تؤكد وجود “كولمان” في المغرب ويتحرك في دائرة صغيرة من مكان الى آخر وفق تحديد الموقع الثلاثي، ويستغل شبكات الإنترنت ويفي لأشخاص آخرين بعد قرصنة القن السري للبث وكذلك بعض أنظمة الإبحار الذكية مثل “تور” TOR لتفادي أي عملية رصد، وهو نظام الإبحار الذي تجد حتى وكالة الأمن القومي الأمريكي NSAصعوبة في رصد مضمون مراسلات من يستعمله، فكيف بدولة مثل المغرب تقتني أنظمتها من الخارج ومن دول لا تصل الى مستوى الولايات المتحدة.
ووفق المعطيات المتوفرة الآن، تكون فرضية جهة داخلية مسؤولة عن التسريب من باب الانتقام أو التعاطف مع الصحراويين واردة للغاية، وبالتالي قد تكون الدولة بدأت تمهد من خلال تأكيد بتسريب داخلي لاعتقال من تعتقد أنه كولمان أو على الأقل ممارسة الضغط النفسي عليه لوقف التسريبات مخافة من انكشاف هويته، لاسيما وأنها ضغطت على مواقع التخزين دولية للملفات لإغلاق حسابه.
لكن في الوقت نفسه، هذه المصادر تؤكد أنه لا يمكن التقليل من ذكاء كولمان، فإيحاءه بالبث من المغرب قد يكون للتمويه فقط، فهو من جهة يؤكد خبرته في التخفي وتغيير موقع البث، وفي الوقت ذاته، يتلاعب بالمخابرات المغربية ومخابرات دولية التي تريد رصده. وإذا كان التحليل التقني يوحي بأنه في المغرب نظريا، فتعاليق كولمان في تويتر نفسه توحي بأنه في فرنسا. وكل المعطيات تؤكد أنه لا يتعلق بمواطن مغربي.
ويبقى المعطى الرئيسي هو عدم نجاح المخابرات المغربية في التعرف على هوية كولمان بعد شهرين من بث الوثائق في شبكة الإنترنت، وهنا يطرح سؤال الكفاءة حول قوة الأجهزة المغربية وكفاءتها في تسيير ملف الصحراء كذلك.