تحتضن مدينة طنجة من 4 الى 10 أبريل المقبل مؤتمرا دوليا حول الموريسكيين بعنوان “المؤتمر الدولي أعقاب الأندلسيين المهّجرين والمنصّرين في المغرب واسبانيا والبرتغال” من تنظيم مؤسسة الشريف الإدريسي ونادي اليونيسكو طنجة وبمشاركة عدد كبير من المؤرخين والباحثين من المغرب وفرنسا واسبانيا وهولندا ومصر والبرتغال.
ومن ضمن الأسماء المشاركة في هذا اللقاء هناك محمود إسماعيل من جامعة عين شمس والحاجة أمبارو من المركز الإسلامي في فالنسيا التي ستتطرق الى النقص الحاصل حول الموريسكيين المنصرين، والدكتور مصطفى مشيش العلمي والدكتور محمد الخطابي الذي سيعالج التأثير العربي الإسلامي في أمريكا اللاتينية عبر شبه الجزيرة الإبيرية.
ومن ضمن المداخلات الأخرى “الموريسكيون في غرب البرتغال، قراءة عامة حول أقلية إثنية” للبرتغالي فيرناندو خوسي ماضوس بيسانيا وكذلك أعقاب المسلمين المهجرين ببلاد الريف، بصمات من تاريخ مبتور” للدكتور أحمد الطاهري رئيس مؤسسة الشرف الإدريسي والمنظم للقاء. وتلقي الباحثة المختصة في ترميم المآثر الأندلسية “ذاكرة أعقاب الموريسكيين الشفوية في المغرب”.
ويهدف المؤتمر الى الوقوف على آخر الأبحاث العلمية في مجال التاريخ حول الموريسكيين ولاسيما بعد تنصيرهم وتهجيرهم نحو عدد من المناطكق ومنها المغرب، ومن شأن هذا المؤتمر تقديم معطيات جديدة تجيب على الغموض المستمر في الكثير من جوانب التاريخ الموريسكي.
فكرة المؤتمر
شكل الأندلسيون المُنصّرون بالسّيف المعروفون في الوثائق الإسبانية والدراسات الأجنبية ـ طمْسًا لأصولهم الأندلسية ـ بـ “الموريسكيين”، موضوعا لآلاف الدراسات والأبحاث التي تندرج ضمن تاريخ إسبانيا الحديث. ومن المعلوم أن قسما كبيرا من أولئك الأندلسيين قد تعرّضوا للتهجير القسري من وطنهم فاستقروا بالمغرب حيث ظلوا إلى اليوم محتفظين بأنسابهم الأصلية. وبرغم مكانتهم في نسيجه المجتمعي ودورهم في بلورة مظاهر من حياته الثقافية والفنية، لم تحظ صورتهم بما تستحقه من بيان ضمن صفحات تاريخ المغرب الحديث.
ويبدو أن الوقت قد حان لتجاوز العوائق الفكرية التي كانت وراء إغراق هذا الموضوع في التجاذبات الموروثة عن ظلمات القرون الماضية والشروع مجتمعين مغاربة وإسبانا وبرتغاليين في إعادة صياغة هذا الفصل المؤلم من تاريخنا المشترك وفق قواعد البحث العلمي المتعارفة. وهو المشروع الذي انطلق سنة 2009 بحلول المائوية الرابعة لطرد الأندلسيين من مملكة بلنسية التي اتخذتها مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية والمركز الثقافي الإسلامي ببلنسية بالتعاون مع جامعة بلنسية وهيئات أخرى محطة للتأمل، من خلال تنظيم مؤتمر دولي ببلنسية.
إلا أن القضايا الشائكة المرتبطة بهذه الحقبة من تاريخ المغرب وإسبانيا والبرتغال، لم تعد تحْتَمِل ـ في ظل انفراجات عصرنا ـ التقوقع ضمن زاوية نظر منفردة. من ثَمّ أهمية انعتاق الأقلام من التحزب والتظافر أو ما إلى ذلك من الأهواء وطنية كانت أم عقائدية لتتكاثف مجتمعة على خدمة المعرفة التاريخية. من ثَمّ فكرة إنشاء كرسي مغربي إسباني وبرتغالي مشترك للدراسات الأندلسية التي اقتُرِحَت سنة 2011 في سياق اتفاقية تعاون بين مؤسسة الإدريسي وكلية الآداب بجامعة تطوان، دون أن تفلح بعد في رؤية النور. وما أن تبلورت أولى التصورات التي تعالج الموضوع من وجهة نظر أخرى حتى لقيت صدى واسعا في أوساط المختصين وعموم المهتمين، عبر المائدة المستديرة التي شاركت مؤسسة الإدريسي في تنظيمها ضمن مهرجان تطوان الدولي التاسع عشر لسينما البحر الأبيض المتوسط.
حقيقة أن أعقاب الأندلسيين المُنَصّرين الذين ظلوا مقيمين بشبه جزيرة إيبيريا قد اضطروا إلى الانسلاخ قسْرا عن هويتهم الأندلسية تحت طائلة محاكم التفتيش، من ثَمّ الصعوبات الجمّة التي تواجه أية محاولة لانتشال أنسابهم من غياهب النسيان. أما إخوانهم المهجّرين إلى المغرب فقد ظلت سلاسل أنسابهم متعاقبة بعدد من كبريات المدن التاريخية ومتلاشية في كثير من البوادي المغربية. وهو الموضوع الذي انهمكت مجموعات البحث المتفرعة عن المبادرات السابقة في معالجة ما ترسّب في أعماق مجتمعاتنا المتجاورة من أنسجة حية. وهو ما تمخض عن جملة من النتائج التي نعرضها ضمن هذا المؤتمر الدولي الذي تحتضنه مدينة طنجة حاضرة بحر المجاز الواصلة بين العدوتين.
الدكتور أحمد الطاهري
أستاذ التعليم العالي ورئيس مؤسسة الإدريسي المغربية الإسبانية