بدعم من فرنسا ودول إفريقية، الملك محمد السادس يراهن على “دبلوماسية دينية” في مواجهة التطرف في إفريقيا

الملك محمد السادس في خطابه يوم 19 سبتمبر في باماكو عاصمة مالي حيث يمكن اعتبار ذلك الخطاب منعطفا في تدشين الدبلوماسية الملكية

بدأ الملك محمد السادس يتحول الى أكبر مدافع عن الإسلام السني في وجه الحركات السلفية والشيعية في القارة الإفريقية وخاصة غربها، ويأتي خطابه الأخير الموجه منذ أيام الى القمة الفرنسية-الإفريقية حول السلم والأمن ليؤكد هذا الرهان على هذا التوجه. وهذه الدبلوماسية المرحب بها من طرف أنظمة في إفريقيا الغربية وفرنسا قد تحمل معها مستقبلا بعض الانعكاسات السلبية منها سباق ديني والتشكيك في التدخل في الشؤون الداخلية.

وفي خطابه الذي وجهه الى هذه القمة التي جرت يومي الخميس والجمعة الماضيين في باريس، أكد الملك “إن الحفاظ على السلم والاستقرار والأمن في المنطقة رهين بصيانة الهوية الثقافية والحوزة الدينية التي مكنت شعوبها من العيش بتناغم على مدى قرون عديدة”.

ويضيف في خطابه “لقد أخذ المغرب على عاتقه حماية الإسلام السني الذي يدعو إلى الاعتدال والتسامح والانفتاح، والذي اعتنقته شعوب المنطقة عبر تاريخها، معتمدا في ذلك على الوشائج الروحية العريقة التي تربطه ببلدان منطقة الساحل وعلى مؤسسة إمارة المؤمنين، علاوة على تجربته الناجحة في مجال إصلاح الحقل الديني”.

ولا يعتبر مضمون الخطاب جديدا بل يؤشر ويؤكد على رهان المغرب على ما يمكن تسميته “بالدبلوماسية الدينية” وتوجد محطات مهمة تبرز هذا التوجه.

وتاريخيا، ارتبطت تجمعات إسلامية سنية وصوفية في غرب إفريقيا بالمغرب، وهو ارتباط يعود الى عهد السلاطين السابقين ومنذ بداية نشر  المرابطين للإسلام في منطقة إفريقيا الغربية. ولكن المؤسسة الملكية حاليا تراهن على الدبلوماسية الدينية في مواجهة الإسلام المتطرف وخاصة المرتبط بجماعات مثل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.

ويمكن الحديث عن ثلاث محطات هامة في استراتيجية الملك محمد السادس نحو “دبلوماسية ملكية”. المحطة الأولى تتجلى في التوتر الذي اندلع مع موريتانيا على خلفية تساهل نواكشوط مع سياسة إيران الشيعية في هذا البلد. إذ لم يتردد المغرب في قطع العلاقات مع طهران بعدما رصد محاولتها نشر التشيع في المغرب علاوة على نزاع البحرين وإرضاء واشنطن والرياض وفق وثيقة لوكيلكس.

وتتجلى المحطة الثانية في عدم التردد في دعم فرنسا والانخراط في مخططاتها الحربية بالتدخل في مالي خلال بداية السنة الجارية للقضاء على تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي. وإضافة الى الدعم العسكري المعلن وغير المعلن، قام بالرهان على تكوين 500 من الأئمة الماليين للحفاظ على المذهب السني المالكي في هذا البلد. وكان الملك قد رفع شعار مواجهة التطرف في خطابه يوم مراسيم تنصيب الرئيس الجديد لمالي إبراهيم كيتا يوم 19 سبتمبر الماضي. وتأخذ هذه الدبلوماسية أهميتها من تجاوز الملك لبعض الأعراف بعدم حضوره في مراسيم تنصيب الرؤساء، ولكن هذه المرة خرج عن هذه القاعدة.

أما المحطة الثالثة فهي إرسال جنود الى جمهورية إفريقيا الوسطى منذ أيام والتي تعيش توترا حقيقيا بسبب الرعب التي تزرعه جماعة “سليكا” الإسلامية التي شاركت في الانقلاب العسكري خلال مارس الماضي، وقد تحول هذه الجمهورية الى ملجإ جديد للحركات الإسلامية المتطرفة. ويتم تغييب هذا المعطى في تدخل فرنسا والمغرب في هذه الجمهورية.

وترحب بعض الدول الإفريقية بهذا النوع الجديد من الدبلوماسية “الدبلوماسية الدينية” خاصة السنغال ومالي والنيجر نسبيا، كما تعتبرها فرنسا بمثابة دبلوماسية واقعية من التطرف. ولكن في الوقت نفسه، تشعل فتيل حرب التسابق الديني بين المغرب والجزائر وإن كانت الأخيرة لا يمكن أ، تساير المغرب في هذه الحرب بسبب افتقارها لموز دينية وعمق تاريخي، كما تدفع  بعض الأئمة وبعض الجماعات الى اعتباره  بمثابة تدخل في الشؤون الدينية.

مقال سابق في ألف بوست حول رصد الدبلوماسية الدينية

الملك محمد السادس يلمح الى الانتصار على القاعدة في مالي في خطابه خلال مراسيم تنصيب الرئيس الجديد إبراهم كيتا

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password