استقبل الرئيس الأمريكي باراك أوباما مساء 22 نوفمبر الملك محمد السادس في البيت الأبيض، وهي الزيارة التي انتظرها الرأي العام المغربي باهتمام بالغ بسبب ما يعتبره “خذلان الصديق الأمريكي” للمغرب في نزاع الصحراء. وقد مرت الزيارة في ظروف عادية، وقد تكون حققت هدفا رئيسيا وهو انتزاع “حياد إيجابي” لواشنطن ، لكنها فشلت في التواصل بشكل مثير.
تراجع في البروتوكول
وبروتوكوليا، لا تشكل الزيارة قفزة نوعية لأنها اقتصرت على استقبال أوباما للملك محمد السادس لمدة قاربت ساعة ونصف بينما الزيارات السابقة للملك في عهدي الديمقراطي بيل كلينتون والجمهوري جورج بوش تميزت بغذاء أو عشاء رسمي وخطابات رسمية أبرزت وقتها صلابة العلاقات الثنائية.
وكان بيل كلينتون يحمل تعاطفا قويا للمغرب، كما أن الرئيس الجمهوري جورج بوش أعطى دفعة قوية للعلاقات لأنه كان يعتبر المغرب وقتها نموذجا للأنظمة الملكية علاوة على الخدمات التي قدمها المغرب في مكافحة الإرهاب ومنها خدمات خرقت القانون الدولي.
وغاب التعاطف وتراجعت الأجندة الثنائية في عهد الرئيس باراك أوباما، وهذا ما يفسر عدم توجيه البيت الأبيض دعوة الى الملك في الولاية الأولى لباراك أوباما، والاكتفاء بمراسيم بروتوكولية بسيطة للغاية لا تبرز أهمية المغرب كشريك لواشنطن وكأول دولة اعترفت “بالعم سام”. ولم ينشر موقع البيت الأبيض الجمعة والسبت اي نص صغير حول الزيارة، كما أنه لم ينشر ولو صورة للقاء الملك وأوباما.
أجندة اللقاء
وكان البيت الأبيض قد أكد في بيان سابق له أن اجتماع باراك أوباما مع الملك سيتناول القضايا الاقتصادية والإصلاحات السياسية في المغرب وبعض القضايا الدولية ومنها تلك التي لها ارتباط بالعنف والتطرف، في إشارة الى ما يجري في منطقة الساحل الصحراوي بسبب تواجد تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي.
وقبل لقاءه بالملك، عقد باراك أوباما اجتماعا مع وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس وفيل غوردون منسق سياسة البيت الأبيض في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والخليج العربي خاصة هذا الأخير الذي مهد له أجندة المواضيع بحكم أن المغرب يدخل ضمن انشغالاته الدبلوماسية.
ونشرت وكالة المغرب العربي للأنباء البيان المشترك للزيارة الذي تضمن عدد من المواضيع التي جرت معالجتها وعلى رأسها مواضيع كلاسيكية مثل التعاون الثنائي ودعم الإصلاحات الديمقراطية والرؤية المشتركة لعدد من الملفات الدولية.
الصحراء: الحكم الذاتي وحقوق الإنسان
تعتبر الصحراء الملف الذي يشكل محور الزيارة بالنسبة للمغرب في ظل الموقف الأمريكي الذي كان غير ودي للرباط في مجلس الأمن الدولي خلال أبريل الماضي عندما أرادت واشنطن تكليف قوات المينورسو بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء.
وقبل لقاء أوباما والملك محمد السادس، أدلى الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني بتصريحات حول مبادرة الحكم الذاتي بأنها “جادة وواقعية وذات مصداقية وتابع الناطق في تعليقه حول هذه المبادرة أنها “تمثل الخطة سبيلا يمكن ان يحقق تطلعات الشعب الصحراوي بإدارة اموره بسلام وكرامة”.
البيان المشترك أبرز تفهم واشنطن للحكم الذاتي ولكنه جرى استحضار حقوق الإنسان التي تهتم بها الإدارة الأمريكية وتشكل نقطة اختلاف بين المغرب وواشنطن. وجاء في فقرة البيان المشترك الذي نشرته وكالة المغرب العربي للأنباء ” وأكد الرئيس أن الولايات المتحدة تدعم المفاوضات التي تشرف عليها الأمم المتحدة، بما فيها عمل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة كريستوفر روس، وناشد الأطراف العمل من أجل إيجاد حل سياسي. وأكد القائدان، مجددا، تشبثهما المشترك بتحسين ظروف عيش ساكنة الصحراء، والعمل سوية على مواصلة حماية حقوق الإنسان و النهوض بها في المنطقة”.
وعليه، كيف يمكن رؤية الموقف الأمريكي من الصحراء على ضوء الزيارة هل بحماس الماضي أم برغماتية الواقع خاصة بعد خطاب الملك في افتتاح البرلمان يوم 11 أكتوبر الماضي والمسيرة الخضراء يوم 6 نوفمبر الجاري؟
عمليا، لا يشكل الموقف الأمريكي أي جديد، فهو يعكس الموقف الكلاسيكي الذي سبق للإدارات الأمريكية السابقة أن أعربت عنه بثناءها على الحكم الذاتي وبشكل أكثر سواء في عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الابن أو وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون.
ويؤكد مصدر عليم بالسياسة الأمريكية الخارجية ومنها تجاه شمال إفريقيا لجريدة ألف بوست الرقمية “الموقف الأمريكي كلاسيكي حيث ترى الإدارة الأمريكية على لسان الناطق باسم البيت الأبيض أن الحكم الذاتي يمكن أن يساهم في الاستقرار ولكنها تشترط قبول الطرف الآخر له، ولهذا واشنطن كالعادة ترحب بالحكم الذاتي ولكنها، أمميا لا تعتبره بديلا عن تقرير المصير”.
ويتابع المصدر “البيت الأبيض شدد على حقوق الإنسان، ولا ننسى أنه من صناع القرار الأمريكي هناك مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ووزير الخارجية جون كيري وفيل غوردون الملكف بالشرق الأوسط والمغرب العربي وهم من المتشددين في حقوق الإنسان”. ويبزر هذا المصدر أن “الملك محمد السادس من خلال زيارته قد يكون حقق الحياد الإيجابي لواشنطن في النزاع، أي لن تكرر في مجلس الأمن طلب تكليف قوات المينورسو مراقبة حقوق الإنسان لكنها لن تتردد في إعادة الطلب وسط مجلس الأمن لو وقع تراجع في الحقوق في مدن الصحراء”. وتشديد البيان المشترك على حقوق الإنسان هو رسالة من واشنطن حول هذا الموضوع الذي تهتم به.
التواصل: غياب التواصل وضعف اهتمام الإعلام
كالعادة، تبقى نقطة ضعف المؤسسة الملكية والمغرب عموما هو العجز الواضح في التواصل. إذ لم ينجح الديوان الملكي في تهيئة الأجواء الإعلامية لزيارة الملك للولايات المتحدة، واقتصر الأمر على مقالات في مواقع رقمية أمريكية هامشية للغاية بعضها مرتبط بمغاربة، بينما لم تتطرق أكبر جريدة أمريكية في العالم وهي نيويورك تايمز للزيارة ولو بخبر صغير، بينما اقتصرت الواشنطن بوست على قصاصة محدودة لوكالة أشوسايسد برس. ولم تعطي قنوات التلفزيون مثل سي إن إن وفوكس نيوز اهتماما للزيارة. وظهرت مقالات في بعض المنابر الإعلامية المؤثرة مثل كريستيان ساينس مونتر تنتقد المغرب على خلفية الصحراء، وأخرى تشيد بالمغرب مثل مقال في “أوسا توداي”.
وبدوره يساعد الملك محمد السادس في فشل التواصل، إذ يرفض عقد ندوات صحفية أمام الصحفيين، وكان موقف المغرب سيكون أقوى لو عقد الملك ندوة صحفية مع أوباما وتحدث الرئيس الأمريكي عن الحكم الذاتي.
في الوقت ذاته، يساهم الديوان الملكي في هذا فشل التواصل بسبب إقصاءه الصحافة المغربية من حضور الزيارة لتغطيتها، واقتصر الأمر على وكالة المغرب العربي للأنباء، واعتمدت الصحافة المغربية قصاصات الوكالات الكبرى مثل فرانس برس وأشوسيسد برس.