موقف الغرب المتناقض من رئاسيات فنزويلا والجزائر

صورة مركبة للعمل الجزائري والفنزويلي والتظاهرات

فنزويلا والجزائر، بلدان يشهدان توترا على مستوى الرئاسة، ويتخذ الغرب موقفين مختلفين، الضغط الكبير، بل المقاطعة بالنسبة للأول والتساهل والترقب بالنسبة للثاني. وينبني الموقفان لا على مطالب الشعب بشأن الديمقراطية والحرية، بل ما يشكله البلدان في السياسة الدولية حاليا.
ومنذ 23 يناير الماضي تعيش فنزويلا توترا حقيقيا، بعدما أعلن رئيس البرلمان خوان غوايدو نفسه رئيسا مؤقتا بدل الرئيس المنتخب نيكولا مادورو، بينما تعيش الجزائر توترا، بسبب قرار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تمديد الرئاسة إلى أجل غير مسمى بمبرر الإعداد للندوة الوطنية.
في الحالة الأولى، الشعب منقسم على نفسه، طرف يؤيد الرئيس مادورو، وطرف آخر يرغب في رحيله ويراهن على خوان غوايدو، وتشهد مدن البلاد، خاصة العاصمة كاراكاس مسيرات ضخمة لكل من الجانبين. لكن ما يحصل في الجزائر العكس، إذ خرجت غالبية الشعب ضد العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، وكانت مسيرات الجمعة الماضية تاريخية، وتعد ضمن الأكبر في تاريخ البلاد، وفي العالم العربي والقارة السمراء لصالح المطالبة بالديمقراطية ورحيل بوتفليقة.
وتلتزم روسيا والصين في الحالة الفنزويلية موقفا يدعم الرئيس مادورو، لأنه شريك استراتيجي، وتبرهن على مواقفها من خلال منع الولايات المتحدة الانفراد بقرارات مجلس الأمن المناهضة لكاراكاس، بينما تلتزم الصمت في الحالة الجزائرية. وتدرك في الحالة الأولى أن أي تغيير في فنزويلا سينعكس سلبا على مصالح موسكو وبكين، أما التغيير في الجزائر فلن يكون له تأثير يذكر على مصالحيهما، إذ ستستمر السياسة الخارجية في محور بكين وموسكو، كما سيستمر الجيش يميل لشركاء الشرق البعيد. وعلاقة بالغرب الذي يرفع علم القيم والحرية، فهو يتخذ مواقف متناقضة في حالة الجزائر وفنزويلا. فقد بادر الغرب برمته الى الاعتراف بالرئيس المؤقت خوان غوايدو وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على نظام مادورو تصل الى خنق الشعب الفنزويلي والحيلولة دون استيراد المواد الغذائية الكافية ومواد أخرى، وهو المدرك بأن القيادات لا تتأثر بالحصار، والتجارب على ذلك كثيرة. فقد حاصرت واشنطن كوبا لعقود ومازالت تحاصرها، ولم يسقط النظام الشيوعي، كما حاصرت نظام صدام حسين ولم يسقط إلا بالحرب سنة 2003، ولم تسقط نظامي إيران وكوريا الشمالية بالعقوبات والحصار حتى الآن. ولم يكن موقف دول الغرب، خاصة فرنسا والولايات المتحدة واضحا، فقد رحبت بالتظاهرات ولكن في الوقت ذاته صفقت للإجراءات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة بدون مطالبته بالرحيل، على الأقل هذا ما صدر عن باريس، بينما الدول الغربية الأخرى تلتزم الصمت والترقب. والموقف الغربي المزدوج من فنزويلا والجزائر يعود الى أسباب متعددة كلها رهينة بعوامل جيوبولتيك، أي الأرباح والخسائر المترتبة عن كل ملف.

في الملف الفنزويلي، اتخذ الغرب موقفه بالاعتراف بغوايدو رئيسا مؤقتا في محاولة منه للقضاء على النظام اليساري، الذي أقامه الرئيس السابق هوغو تشافيز، وهو النظام نفسه الذي يبني عليه مادورو رئاسته وشرعيته وإن كان بأخطاء أقل بكثير من الراحل تشافيز، إذ ترغب الولايات المتحدة في القضاء على الأنظمة اليسارية في أمريكا اللاتينية، وقد نجحت في البرازيل والأرجنتين والإكوادور، ولم يبق لها سوى فنزويلا وبوليفيا لاستعادة حديقتها الخلفية التي فقدتها منذ نهاية التسعينيات. في الوقت ذاته، القضاء على نظام مادورو هو حرمان روسيا من التموقع العسكري في أمريكا اللاتينية، في وقت يشهد فيه العالم سياسة البحث عن قواعد عسكرية، لاسيما من طرف روسيا والصين. كما يعني القضاء على نظام مادورو حرمان الصين من استغلال أكبر احتياطي للبترول في العالم، وهو الفنزويلي. وتعد الصين الدولة المنافسة للولايات المتحدة لزعامة العالم خلال العقود المقبلة، ونظرا لافتقارها للمواد الأولوية، ترغب واشنطن الحد من سيطرتها على هذه الموارد، خاصة البترول.
والأمر يختلف في حالة الجزائر، فرغم انحيازها التاريخي لروسيا، يعتبر الغرب الجزائر دولة معتدلة في سياستها الخارجية. ويتعامل الغرب بحذر مع تطورات الجزائر، ويتجنب الضغط على النظام مخافة انهياره وحدوث الأسوأ كما حدث مع ليبيا، كما يتجنب بضغطه على الجزائر استفزاز المؤسسة العسكرية صاحبة النفوذ والحسم في هذا البلد، وهناك مقولة شهيرة حول الجيش الجزائري «كل الدول لديها جيش، أما الجيش الجزائري فله دولة». ولا ترغب أوروبا في وقت تعاني منه من سياسة الغاز الروسية، أن تضيف عدوا جديدا يتحكم في صنبور الغاز للقارة العجوز من الجنوب، بحكم أن الجزائر تعتبر مصدرا رئيسيا للغاز لكل من فرنسا وإيطاليا واسبانيا والبرتغال.
ويقول مدير الاستخبارات الإسبانية السابق خورخي ديسكايار، في مقال رأي له في جريدة «أوبنيون دي مالقا» الاثنين من الأسبوع الجاري، إن الوضع في الجزائر حساس، فتنظيم القاعدة على الحدود الجزائرية الجنوبية، وكل اضطراب حقيقي سيؤدي الى موجة من الهجرة لا سابقة لها. وهاجس الهجرة يتحكم في كل القرارات الأوروبية خلال العقد الأخير، لاسيما بعد الربيع العربي. وهكذا، الغرب يرفع قيم وشعارات الحرية، لكن تبقى العوامل الجيوبولتيكية هي التي تقرر نوعية المواقف المتخذة في ملف أو آخر، وإن كانت الملفات متشابهة، وذلك بسبب هيمنة المصالح على القيم.

Sign In

Reset Your Password