تعتبر بريطانيا من الدول الأكثر تشددا مع المغرب في نزاع الصحراء المغربية، وهو تشدد يحتد مع مرور الوقت وخاصة خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وقد يكون هذا التشدد علاوة على احترام لندن تقرير المصير مرتبط بإخلال المغرب لاتفاق سري بين لندن والرباط مفاده ضرورة تحرك المغرب في ملف سبتة ومليلية المحتلتين كلما طرحت مدريد ملف استعادة صخرة جبل طارق.
اتفاق سري بريطاني-مغربي
وحصلت جريدة القدس العربي على ملعومات من مصدر سياسي أوروبي يفسر الموقف البريطاني المتشدد مع المغرب في الصحراء بسبب المستعمرات المتواجدة في مضيق جبل طارق، وهي الصخرة وسبتة ومليلية.
ويؤكد هذا المصدر وجود اتفاق قديم بين الرباط ولندن مفاده إعادة لندن الى مدريد صخرة جبل طارق شريطة نجاح المغرب في تحريك ملف المدينتين سبتة ومليلية اللتين تحتلهما اسبانيا.
وعمليا، كلما كانت اسبانيا تضغط على بريطانيا لفتح مفاوضات سياسية حول مستقبل السيادة في جبل طارق كان المغرب يستحضر ملف سبتة ومليلية. وجاء في وثيقة للخارجية البريطانية نشرتها جريدة ذي تيلغراف خلال يناير الماضي أن ملك اسبانيا خوان كارلوس أخبر السفير البريطاني في مدريد ريتشارد بيرسون في بداية الثمانينات تجميد ملف المطالبة بصخرة جبل طارق خوفا من ضغط المغرب في ملف سبتة ومليلية.
وفي الوقت ذاته، كانت بريطانيا دائما من المتحفظين على إدماج سبتة ومليلية في الفضاء الأوروبي، معللة ذلك باعتبارهما مستعمرتين وقد يتسبب ذلك في توتر مع المغرب الذي هو شريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي.
وتاريخيا، كانت الصحافة البريطاني هي الأعنف مع المغرب كلما اندلعت أزمة بين المغرب واسبانيا حول ملف سبتة ومليلية، كما أنها تطالب بإعادة المدينتين الى المغرب عندما تطرح اسبانيا نزاع جبل طارق. وتعتبر الصحافة البريطانية الأكثر انتقادا لإسبانيا خلال انفجار أزمة جزيرة ثورة في يوليو 2002، كما تبنت نفس الصارمة مع مدريد خلال زيارة ملك اسبانيا خوان كارلوس الى سبتة ومليلية خلال نوفمبر 2007.
وكان المغرب يحترم الاتفاق حتى بداية سنوات العقد الماضي عندما كان دبلوماسيون من حقبة الملك الراحل الحسن الثاني في دواليب الخارجية المغربية، لكن خلال لاسنوات اللاحقة جرى خرق الاتفاق. ورغم الفترات التي كان يمر منها ملف الصحراء، لم يصمت الملك الحسن الثاني على ملف سبتة ومليلية.
المغرب يصمت في سبتة ومليلية ولندن ترد في الصحراء
وكانت بريطانيا في المقابل تؤيد تقرير المصير في نزاع الصحراء الغربية ولكن بدون حماس بل شأنها شأن الكثير من الدول الأوروبية، غير أن هذا الوضع تغير خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وكان الرأي السائد هو احترام البريطانيين لتقرير المصير، وعمليا يوجد هذا الاحترام إلا أن لندن رفعت من حدة موقفها.
ويعود السبب، وفق المعلومات التي حصلت عليها القدس العربي، الى غضب لندن من الرباط لتجميد ملف المطالبة بسبتة ومليلية رغم تحريك مدريد لصخرة جبل طارق. وجمد المغرب المطالبة بالمدينتين خلال الثلاث سنوات بشكل مثير ولم يسبق له أن قام بهذا في تاريخ العلاقات مع جاره الشمالي سوى إبان الاستعمار عندما كان المغرب فاقد لحريته وقراره (1912-1956).
وكانت لندن تجد في تحريك المغرب لملف المدينتين تخفيفا عليها أمام المنتظم الدولي عندما تطالب مدريد بصخرة جبل طارق. وصعّدت حكومة مدريد من لهجتها الدبلوماسية مؤخرا في مطالبها بصخرة جبل طارق بعدما ضمنت هدوء الجبهة المغربية، أي عدم مطالبة الرباط بسبتة ومليلية.
ويعود صمت المغرب في سبتة ومليلية الى الاعتقاد بدعم اسبانيا له في ملف الصحراء، وهي القوة الاستعمارية التي كانت في الصحراء.
لندن تتحول الى ناطق باسم البوليساريو
ونتيجة الموقف المغربي، وخلال الثلاث سنوات الأخيرة، تحولت بريطانيا الى شبه ناطق بمصالح جبهة البوليساريو وسط الاتحاد الأوروبي. وهناك عدد من الإجراءات التي أقدمت عليها، فقد عارضت اتفاقية الصيد البحري بسبب مياه الصحراء، وتطالب بحذف منطقة الصحراء من أي اتفاقية تبادل حر بين المغرب والاتحاد الأوروبي، كما تحولت الى مصدر قلق للمغرب في مجلس الأمن خلال معالجة نزاع الصحراء، وتبعث وفود حقوقية سواء رسمية أو برلمانية الى الصحراء لتقييم حقوق الإنسان. وكان النائب البريطاني في البرلمان الأوروبي تشارلز تانوك هو الذي قام بتحرير تقرير يدين المغرب في الصحراء حقوقيا، وصادق عليه البرلمان الأوروبي منذ شهور.
وكانت وثيقة أمريكية كشف عنها ويكليكس قلق فرنسا سنة 2010 من التوجه الجديد لبريطانيا في الصحراء وخاصة في ملف حقوق الإنسان. وفي الوقت ذاته، اصبح ملف الصحراء يحضر بقوة في البرلمان البريطاني، وسجل خلال لاسنة الأخيرة سواء من حيث الأسئلة أو التقارير الحقوقية أكثر مما سجله خلال 15 سنة الأخيرة.
التشدد البريطاني مرشح للتصعيد
ووعيا بالموقف البريطاني المتشدد، راهن الملك محمد السادس على ابنت عمه سفيرة في لندن، مستعيدا تقليد الأمراء السفراء الذي كان الملك الحسن الثاني قد نهجه في الستينات. ولم يحالف الحظ الأميرة السفيرة بحكم رفض رفض لندن تليين مواقفها السياسية في الصحراء.
وتفيد كل المعطيات بتشدد في سياسة بريطانيا، فهذه الأخيرة قد قبلت استفتاء تقرير المصير في اسكوتلندا التي ليست محل نزاع في الأمم المتحدة، وهذا سيجعلها أكثر راديكالية في ملف الصحراء.
مقالات ذات صلة
بريطانيا تريد تقليص مدة المينورسو
المغرب يتهم نائبا بريطانيا بالفوضى في الصحراء
تقرير بان كيمون يحرج فرنسا في الاتحاد الأوروبي ويميل الى بريطانيا