حرص رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران طيلة شهر رمضان، الذي انتهت أيامه أمس الخميس بالمغرب، على حضوره شخصياً الكثير من الجنائز، وتشييع العديد من الموتى، وإلقاء خطابات سياسية ومواعظ دينية في مقابر مختلفة، إلى حد أن البعض اعتبره حقق رقما قياسيا في حضور الجنائز.
وظهر بنكيران، قبل أيام قليلة، في إحدى المقابر لتشييع جنازة فتاة مغربية توفيت جراء مرضها المزمن الذي لازمها طيلة حياتها، وفي مقابر أخرى لتشييع جنازات شخصيات سياسية ورياضية. كما حضر للترحم على قبور موتى قضوا في سنوات خلت.
الواعظ والسياسي
وحضر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران تشييع جنازة شابة، تدعى فاطمة الزهراء العلوي، في مقبرة “الصديق” بضواحي العاصمة الرباط، والتي توفيت في شهر رمضان، بسبب مضاعفات مرض مزمن كانت تتعايش معه منذ ولادتها بصبر أثنى عليه بنكيران.
ودعا بنكيران، واقفا على رأس قبر الفتاة، الحاضرين بلغة الواعظ إلى أن يعرفوا ربهم ويتعرفوا عليه، حيث قال “إن الله لم يخلقنا لكي يعذبنا أو يشقينا، بل خلقنا لنعرفه ونتعرف على خلقه ونعمه، ودعا إلى عبادته، وجعل السعادة المطلقة في عبادته”.
وقبل مشاركته في تشييع تلك الفتاة، حضر بنكيران إلى مقبرة عبدالله بن حسون بمدينة سلا، حيث شيع أحد أعضاء حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو الحزب الذي يفاوضه بنكيران في المرحلة الراهنة لترميم الأغلبية الحكومية بعد استقالة وزراء حزب الاستقلال.
وكانت هذه الجنازة، مثل حضوره للترحم على قبر مؤسس حزبه الدكتور عبدالكريم الخطيب في مقبرة الشهداء بالرباط، فرصة لرئيس الحكومة ليبعث برسائل سياسية إلى مختلف الجهات، منها تأكيده على “وفاء حزبه للملكية”، متمنياً أن “تجتاز البلاد ما تبقى من المراحل الصعبة بعيدا عن أي خطر وفتنة”.
رسائل من المقابر
تعليقاً على الحرص الملحوظ لرئيس الحكومة على حضور جنائز مختلف الشخصيات والأفراد من شتى الطبقات الاجتماعية، قالت الدكتورة ابتسام العوفير، الباحثة في علم الاجتماع، إن المقبرة تشكل مكانا له رمزية خاصة في ذهنية المغاربة والمسلمين بصفة عامة.
وتابعت العوفير، في تصريحات لـ”العربية.نت”، إن الكلام الذي يقال عند القبور، وهي المنازل الأولى التي يسكن فيها الناس بعد انقضاء مسارات حياتهم، غالبا ما يُؤخذ بالجد ويُنظر إليه بأنه حديث صادق، لكونه يُقال في مكان ذي قدسية معينة عند الكثيرين في المجتمعات الإسلامية.
ومن ثَمَّ، تستخلص الباحثة، بأن الظهور المتكرر لرئيس الحكومة في تشييع الجنائز بالمقابر قد يدل على رغبته في إضفاء طابع الصدق على ما يبعثه من خطب ورسائل مقصودة، حتى تصل إلى من يعنيهم الأمر بفعالية وتأثير أكبر”.
إلى ذلك، أردفت العوفير أن بنكيران رجل تواصل بامتياز، ويدرك أهمية إطلاق التصريحات والخطب من المقابر”، مشيرة إلى أنه “تارة يرتدي جبة الفقيه الواعظ ليذكر المواطنين بمرجعية حزبه الإسلامية، وتارة يلبس زي السياسي الذي يستغل كل فرصة متاحة لإيصال رسائل إلى خصومه قبل أصدقائه”.