قال الملك محمد السادس في خطابه من مدينة العيون بمناسبة الذكرى الأربعين لعيد المسيرة الخضراء بأن الحكم الذاتي هو أقصى ما يمكن للمغرب تقديمه في المفاوضات الحالية حول الحل النهائي لنزاع الصحراء. وهذا التعهد سيجعل المفاوضات المقبلة بين المغرب وجبهة البوليساريو مستحيلة مما قد يدفع الأمم المتحدة الى استراتيجية جديدة.
وتضمن الخطاب الملكي شقا سياسيا وشقا حقوقيا وشقا اقتصاديا. ويحاول الملك تقديم أجندة المستقبل للعمل في هذا الشأن والتي لا يمكن عزلها عن الصراع الدولي بين المغرب وجبهة البوليساريو بدعم من الجزائر.
الشق الاقتصادي:
وجاء في الشق الثالث بنهاية اقتصاد الربيع، وهي نقطة شدد عليها في خطابات سابقة، ولكنه لم يحصل أي تقدم حتى الآن في هذا المجال، وهو من عناصر التوتر في الصحراء بحكم اتهامات الشباب للدولة المغربية بتفضيل صحراويين على آخرين، ويستدلون برخص الصيد والرمال ضمن امتيازات أخرى.
ويبقى الجديد هو التعهد بربط الدولة المغربية الصحراء بمحيطها الإفريقي، واستثمار الموارد الطبيعية للصحراء في الصحراء نفسها. ويقول الخطاب ” وهنا نؤكد على مواصلة استثمار عائدات الثروات الطبيعية، لفائدة سكان المنطقة، في إطار التشاور والتنسيق معهم”.
وهذه الفقرة من الخطاب تأتي للرد على جعل جبهة البوليساريو من موارد الصحراء عنصرا هاما في استراتيجيتها لتشديد الحصار على المغرب دبلوماسية أمام المنتظم الدولي. ومن أبرز عناوين هذه المعركة تلك التي دارت وسط الاتحاد الأوروبي حول اتفاقية الصيد البحري أو حول رخص التنقيب عن النفط.
ولم يحدد الملك الميزانية المقبلة التي تنوي الدولة استثمارها في الصحراء، وجرى الحديث عن استثمار 140 مليار درهم، لكنه رقم خيالي لأنه يشكل نصف ميزانية المغرب لسنة كاملة و13% من الناتج الإجمالي الخام. وهناك حديث عن سبعة ملايير يورو خلال السنوات المقبلة، لكنه من الصعب الحفاظ على هذا الرقم، وإذا جرى تنفيذه سيكون على حساب مناطق أخرى من المغرب.
الشق الحقوقي
ومن العناصر الأخرى التي يواجهها المغرب في الحرب الدبلوماسية دوليا بينه وبين جبهة البوليساريو، حرب حقوق الإنسان التي تسببت للمغرب في قلق كبير خلال السنوات الأخيرة. ويعتبر خطاب حقوق الإنسان الأبرز في استراتيجية البوليساريو بل وتعدى مطالب تقرير المصير خلال السنوات الأخيرة وسجلت فيها تقدم على حساب المغرب. وهو ما جعل وزراء خارجية المغرب ينتقدون كثيرا البوليساريو بتركيزها على الحقوقي بدل السياسي.
واستحضر الملك هذا الجانب في خطابه من خلال الثناء الكبير على المجلس الوطني لحقوق الإنسان “المجلس الوطني لحقوق الإنسان، ولجانه الجهوية، كمؤسسة دستورية، للدفاع عن الحقوق والحريات وحمايتها، يقوم بكل استقلالية، بمعالجة أي تجاوز، في إطار الحوار والتعاون مع السلطات العمومية، والهيآت الجمعوية، والمواطنين”.
ولعل ما غاب عن الملك ومستشاريه في صياغة الخطاب وخاصة نقطة الشق الحقوقي، هو إبداء نوع من التضامن مع ضحايا الفيضانات التي اجتازت مخيمات تندوف منذ ثلاثة أسابيع. فالدولة المغربية تعتبر الصحراويين هناك “محتجزين”، ومنطق التضامن كان يتطلب إشارة تضامن في الظروف التي يعانون منها حاليا جراء الفياضانات التي أتت على معظم البنيات التحتية خاصة في ظل تضامن الكثير من الدول والهيئات.
الشق السياسي
ويبقى أهم شق بحكم انتظار الجميع ما سيقدمه الملك لثلاثة أسباب ، الأول وهو الذكرى الأربعين للخطاب، توجيهه الخطاب من مدينة العيون، وأخيرا مرحلة التوتر التي وصل إليها الملف.
وتحدث الملك في الخطاب عن “الجهوية المتقدمة والحكم الذاتي” قائلا ” وبإقدامه على تطبيق الجهوية، والنموذج التنموي، فإن المغرب يريد أن يعطي حظوظا أوفر، لإيجاد حل نهائي، للنزاع المفتعل حول وحدتنا الترابية.. وهكذا، قدمنا مبادرة الحكم الذاتي للأقاليم الجنوبية ، التي شهد المجتمع الدولي، بجديتها ومصداقيتها. وكما قلت في خطاب المسيرة الخضراء، للسنة الماضية، فإن هذه المبادرة هي أقصى ما يمكن للمغرب أن يقدمه”.
من خلال هذا التأكيد، يفتح الملك مواجهة مع الأمم المتحدة مثل المواجهة التي فتحتها جبهة البوليساريو. فإذا كانت الأخيرة تؤكد على تقرير المصير، فالمغرب يؤكد على الحكم الذاتي. وبهذا، لا يلتزم لا المغرب ولا البوليساريو بتوصية الأمم المتحدة بالتفاوض بدون شروط مسبقة.
وسياسيا دائما، خفت لهجة الملك هذه المرة تجاه الصحراويين الذين يؤمنون بتقرير المصير. ولم يعد يتحدث عن الخيانة بقدر ما تحدث عن متعاطفين مع أطروحة العدو. وتقول الجملة الهامة ” أما الذين ينساقون وراء أطروحات الأعداء ويروجون لها، رغم قلتهم، فليس لهم مكان بيننا”. وهذا التخفيف لا يرفع من التوتر عكس ما كان قد ورد في خطاب سابق “فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة”.
عزيزي (ة) القارئ (ة): ساهم في نشر ألف بوست في شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك