قامت الإدارة الأمريكية بتهميش كل الدول العربية في القمة من أجل الديمقراطية، حيث لم تستدعي أي دولة باستثناء العراق للمشاركة. ويبقى التهميش المثير هو ما تعرضت له دول شمال إفريقيا وخاصة تونس والمغرب، إذ لم يتم استدعاءها عربيا ولا إفريقيا ويعود ذلك الى الانقلاب في تونس ثم الاختلاف بين واشنطن والرباط حول قضايا حقوقية خلال الشهور الأخيرة.
وستنظم واشنطن قمة الديمقراطية يومي 8 و9 ديسمبر المقبل، وحددت ثلاث أهداف وهي مواجهة الاستبداد، معالجة ومحاربة الفساد ثم الدفاع عن حقوق الإنسان. ويأتي هذا، تماشيا مع توجه الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن التي ترغب في تعزيز الديمقراطية في العالم. وكان بايدن قد تعهد بتعزيز الديمقراطية في العالم خلال حملته الانتخابية. وجرى توجيه دعوة الحضور الى دول والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وترى واشنطن أن الممارسة الديمقراطية في العالم تراجعت بسبب جائحة الكوفيد حيث طغت أساليب الاستبداد والتحكم ثم بسبب سياسة الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب الذي تساهل كثيرا مع الدكتاتوريين. وتعتبر الإدارة الجديدة ضرورة قيام الولايات المتحدة بزعامة التجديد الديمقراطي في العالم.
وتقول الورقة التقديمية المنشورة في الموقع الرقمي للبيت الأبيض “بالنسبة للولايات المتحدة، تشكل القمة فرصة للإستماع والتعلم والتعهد رفقة مجموعة كبيرة من الفاعلين الذين يبقى دعمهم والتزامهم أساسا لتجديد الديمقراطية عالميا”.
وجرى توجيه الدعوة الى معظم دول الاتحاد الأوروبي باستثناء هنغاريا التي تميزت بممارسات غير ديمقراطية مؤخرا، ثم معظم شركاء الولايات المتحدة في العالم وجرى استبعاد تركيا رغم عضويتها في الحلف الأطلسي، وذلك بسبب انتنقاد بايدن للرئيس طيب رجب أردوغان حول عدم احترام الديمقراطية.
واهتم المراقبون بالعالم العربي والقارة الإفريقية لأنها من المناطق التي مازالت تبحث عن مسارها الديمقراطي، وبالتالي فإن توجيه واشنطن الدعوة الى دولة معينة هو اعتراف أمريكي بتطورها الديمقراطي أو إرساء دعائم حقيقية تقود الى الديمقراطية. وتمت دعوة عدد من الدول الإفريقية مثل جنوب إفريقيا والسينغال والنيجر ونيجيريا وكينيا والكونغو وأنغولا للمشاركة في القمة.
في هذا الصدد، لم يتم استدعاء أي دولة عربية باستثناء العراق، حيث ترى واشنطن أنه رغم غياب الاستقرار الأمني، تشهد تطورا ديمقراطيا. والغياب العربي لافت الانتباه خاصة في حالة دول شمال إفريقيا التي تشهد تجارب سياسية متقدمة ومجتمعا مدنيا قويا وتعدد الأحزاب مقارنة مع دول الخليج العربي التي بالكاد بدأت بعض دولها تشهد تجربة الانتخابات. ولم يتم استدعاء المغرب وتونس وموريتانيا والجزائر وليبيا. ويبقى الغياب البارز هو المغرب وتونس، وهو غياب مضاعف عربي وإفريقي في آن واحد.
وكانت تونس تحظى بالاستدعاء في مختلف المنتديات بكونها أرست دعائم قد تنتهي بها الى ديمقراطية مقبولة جدا، ولكن الانقلاب الذي نفذه الرئيس قيس سعيد خلال يوليوز/تموز الماضي بإعلان حالة الاستثناء وتعطيل عمل البرلمان، جعل الغرب يمارس ضغوطا على تونس ويضعها في خانة الدول التي تراجعت فيها الديمقراطية. وعمليا، ضغطت واشنطن في مناسبات متعددة على تونس ومنها اتصالات هاتفية أجراها وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع قيس سعيد لإعادة الحياة السياسية الديمقراطية، وبالتالي لا يمكنها استدعاء تونس للمشاركة تماشيا مع المنطق.
ويعد المغرب شريكا رئيسيا للولايات المتحدة في مجالات أبرزها التعاون العسكري، لكن الإدارة الأمريكية أعربت عن قلق بشأن المس بالحريات، وطرحت مع الرباط في عدد من المناسبات وآخرها خلال زيارة وزير الخارجية المغربية ناصر بوريطة الى واشنطن بداية الأسبوع الجاري مشكل التطور الديمقراطي من واجهة حقوقية وإعلامية. ويمكن اعتبار عدم استدعاء المغرب هو بمثابة رسالة تنبيه ديمقراطي.
ولا تعيش ليبيا أجواء ديمقراطية، كما أن موريتانيا سجلت تراجعا بسبب تعطل الحوار السياسي في البلاد، ولم يتم استدعاء الجزائر لأن واشنطن لا ترى فيها بوادر ديمقراطية رغم الانتخابات خاصة بعد التضييق على الحراك الديمقراطي.
وتفيد مختلف تقارير الجمعيات الحقوقية سواء الوطنية أو الدولية بتراجع الممارسة الديمقراطية في شمال إفريقيا بشكل ملفت إبان جائحة فيروس كورونا.
والمثير أن الولايات المتحدة اعتادت تهميش دول شمال إفريقيا في كل المبادرات، إذ لا تحظى بالزيارات الأولى لوزير الخارجية الأمريكي، ولا يزورها أي رئيس أمريكي، وكانت الزيارة الرئاسية الوحيدة خلال أواخر الخمسينات للمغرب عكس ما يحدث مع بعض الدول الإفريقية أو الخليج العربي. وفي المقابل، تبدي واشنطن اهتماما أكبر بدول إفريقية أخرى، ومن عناوين ذلك أن وزير الخارجية قام خلال الشهر الجاري بزيارة الى دول إفريقية وهي السينغال ونيجيريا وكينيا ولم يزر أي دولة في شمال إفريقيا.
ويأتي اهتمام واشنطن ببعض الدول الإفريقية لأنها جادة في مسارها الديمقراطي، وتأتي في ترتيب أفضل بكثير من دول شمال إفريقيا في تقارير تهم حرية التعبير التي تنجزها منظمة مراسلون بلا حدود أو في تقارير تصنيف الدول ديمقراطيا مثل تقارير المركز التابع لمجلة إيكونوميست. ومن ضمن الأمثلة، تفوق السينغال على دول مثل المغرب والجزائر وتونس في ترتيب حرية التعبير لمنظمة مراسلون بلا حدود لسنة 2021، حيث احتلت المركز 49 عالميا متقدمة بدرجات كبيرة عن تونس في المركز 73 والمغرب في 136 والجزائر في المركز 146.