حزبان يطالبان حكومة اسبانيا بالاعتذار للمغاربة بسبب الحرب الكيميائية في الريف

صورة مركبة لحرب الريف وعلاف تايم الخاص بمحمد بن عبد الكريم الخطابي

تقدم كل من حزب اليسار الجمهوري الكتالاني وحزب جميعا من أجل كتالونيا “جونتس” بمقترح ينص على طلب إسبانيا العفو والاعتذار عن الجرائم التي اقترفتها في شمال المغرب إبان العشرينيات من القرن الماضي، عندما استعملت الغازات السامة الكيميائية ضد ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي. وكانت الدولة المغربية قد أعلنت منذ سنوات فتح هذا الملف مع مدريد، ولكن بدون أخبار لاحقاً.
وأوردت وكالة أوروبا أمس الأحد، تسجيل الحزبين هذا المقترح أو مشروع قانون في أشغال لجنة السياسة الخارجية لمجلس النواب. وعلاوة على طلب الاعتذار، يطالب الحزبان بضرورة تعاون إسبانيا مع السلطات والمجتمع المغربي لإنجاز تحقيق حول استعمال الغازات السامة وتأثيرها على الحياة في شمال المغرب.
وعلل الحزبان المقترح بأنه إنساني وسياسي يدخل ضمن خانة الإنصاف، وأضافا أن منطقة شمال المغرب وبالضبط الأماكن التي تعرضت للقصف بالغازات السامة ما بين سنتي 1925 و1926 في الريف، تسجل أعلى مستويات مرض السرطان في الماضي وفي الوقت الراهن. ويعتبران ضرورة طلب الحكومة الإسبانية الحالية الاعتذار من المغرب، وسيكون الاعتراف بهذه الجريمة تشريفاً لذاكرة الضحايا. وكان الباحث المغربي مصطفى بنشريف، قد تناول في بحثه الذي صدر في كتاب بعنوان “الجرائم الدولية وحق الضحايا في جبر الضرر: حالة حرب الريف”، الصلة بين الحالات المرتفعة للسرطان في الريف والغازات السامة التي ألقيت في المنطقة إبان حرب الريف. وعملياً، تفيد المعطيات الرسمية المغربية بأن المنطقة التي تسجل أعلى نسب السرطان في المغرب هي منطقة شمال البلاد، وبالضبط الريف في الشمال الشرقي.
ويتضمن الاقتراح الحزبي المعروض على لجنة الخارجية في برلمان إسبانيا ضرورة التعاون لتعويض منطقة الريف وما لحقها من دمار وأمراض جراء استعمال هذه الأسلحة من طرف إسبانيا، خاصة بتعاون مع دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا.
وإضافة إلى وجودهما في البرلمان الإسباني، يشكل الحزبان الحكومة الائتلافية التي تحكم في إقليم كتالونيا وعاصمة برشلونة، وكان البرلمان الإقليمي قد صادق في مناسبات كثيرة على قرارات تدعو إلى هذا الاعتراف. كما سبق للحزبين رفقة أحزاب أخرى من بلد الباسك، بتقديم مقترحات في هذا الشأن. وعادة ما كانت أحزاب مثل الحزب الاشتراكي والحزب الشعبي يرفضانها، والآن ينضم إليهما حزب فوكس المتطرف، الذي على شاكلة اليمين المتطرف الفرنسي يعتبر الوجود الإسباني في الريف قضية حضارية ولا يعترف نهائياً بهذه الجرائم.
وكان المجتمع المغربي وخاصة في الريف، هو السباق إلى طرح ملف استعمال إسبانيا للغازات السامة ضد ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي للقضاء عليها، وكان ذلك بتنسيق مع فرنسا. وكانت إسبانيا قد تعرضت لسلسلة من الهزائم في شمال المغرب، أبرزها ما يعرف في التاريخ الإسباني بـ”الكارثة”، أي تتعدى الهزيمة الحربية، بعدما فقد الجيش الإسباني خلال أيام قليلة بعد منتصف يوليوز 1921 أكثر من 13 ألف من قواته، ولاسيما في المعركة الشهيرة “أنوال”. وتعرضت فرنسا لاحقاً إلى هزيمة كبيرة سنة 1925 على يد الثورة الريفية في معركة “ورغة” على مشارف مدينة فاس. وأدركت فرنسا أن تقدم ثورة الخطابي قد يعني نهاية وجودها في شمال إفريقيا. وكانت الحرب ضد الريف ابتداء من سنة 1925 باستعمال أكثر من 400 ألف جندي من طرف فرنسا وإسبانيا ولاحقاً استعمال الغازات السامة، وشارك طيارون أمريكيون ضمن ما يسمى “مجموعة لافاييت” في ضرب الريف بالغازات السامة جواً.
ويتناول المؤرخ المغربي مصطفى المرون في كتابه المعنون بـ”التاريخ السري للحرب الكيميائية ضد منطقة الريف وجبالة 1921-1927″ والصادر سنة 2016، هذا الحدث التاريخي المأساوي، ويبرز في الفصل “السم الذي نزل من السماء”، الرقعة الجغرافية التي كانت مسرحاً للقصف، وهي منطقة جبالة شمال غرب المغرب، ومنطقة الريف في الجهة المقابلة شمالاً كذلك. ويتطرق إلى تقنيات قصف الغازات السامة التي انطلقت أول الأمر بواسطة قطع المدفعية، لتتطور لاحقاً إلى استخدام الطيران في عمليات القصف الجوي لإلحاق أكبر نسبة من الخسائر ضمن صفوف المقاتلين والسكان المدنيين. وهنا تجدر الإشارة إلى أنها المرة الأولى في تاريخ الحروب يتم استخدام الطيران في عمليات إلقاء الغازات السامة على المدنيين.
ومازالت إسبانيا تشهد جدلاً سياسياً وثقافياً وتاريخياً عن أحداث الماضي، ومنها الحرب الأهلية التي وقعت ما بين سنتي 1936-1939، وأصدرت الحكومات اليسارية قرارات تحت اسم “الذاكرة” بمعالجة ملفات الماضي، ومنها تعويض الضحايا والبحث عن المفقودين. ودائماً يحضر المغرب في هذا النقاش، فمن جهة، يطرح مغاربة وإسبان ضرورة فتح ملف غازات الريف وتعويض الضحايا. ومازالت مدريد متخوفة من هذه الخطوة رغم قبول جزء من الرأي العام بمعالجتها، بل وكذلك قوى سياسية مثل الأحزاب القومية وحزب بوديموس. وكانت أول مواجهة للحرب الأهلية قد وقعت في شمال المغرب الذي كان تحت الاستعمار الإسباني، حيث انتقلت القوات العسكرية لتنفيذ الانقلاب والمشاركة في الحرب الأهلية. وتوجد مقابر جماعية لإسبان ومغاربة في شمال المغرب مثل ضواحي مدينة تطوان، لكن المغرب لم يسمح بالتنقيب، كما أن إسبانيا تتجنب الموضوع، وهذا الأخير يبقى حاضراً في أجندة المجتمع المدني في كلا البلدين.
وتعد حرب الريف من ضمن الإشكاليات التي تحضر دائماً في إطار محاربة الأحكام المسبقة، ولكن لم تسجل الحكومتان في الرباط ومدريد تقدماً في هذا المسلسل حتى الآن.

Sign In

Reset Your Password