دعا الرئيس الأمريكي باراك أوباما الى قمة بين الولايات المتحدة والدول الإفريقية ستنعقد يومي 6 و7 غشت المقبل في واشنطن. وهذه القمة ذات أبعاد استراتيجية رئيسية تبرز أهمية القارة مستقبلا بفضل مواردها الطبيعية ولهذا تسمى “قارة المستقبل” في الدراسات المهتمة بالمستقبليات. ويشارك المغرب في القمة، ويبقى التساؤل، ما هو دوره وهل يشكل مخاطبا رئيسيا ضمن الدول الإفريقية وهل سينعكس ذلك إيجابا على ملف الصحراء.
وسيحضر هذه القمة الرئيس الأمريكي وزعماء 47 دولة إفريقية باستثناء التي تعيش وضعا غير مستقر سياسيا مثل مصر وجمهورية إفريقيا الوسطى. في الوقت ذاته، يستبعد أن يكون البيت الأبيض قد وجه دعوة الحضور الى جبهة البوليساريو، فرغم عضويتها كدولة في الاتحاد الإفريقي إلا أن عدم اعتراف واشنطن بها سيحول دون حضورها.
اهتمام أمريكي وسط منافسة عالمية
ويأتي الاهتمام الأمريكي بالقارة السمراء في ظل التقارير التي تشير الى اعتبارها قارة المستقبل بفضل الثروات الطبيعية التي تتوفر عليها والهامة لمستقبل الصناعة العالمية. وصرح مقربون من الرئيس أوباما هذا الأسبوع أن الهدف هو تطوير العلاقات التجارية مع القارة وتشجيع الديمقراطية ودعم الأمن والاستقرار في إفريقيا وهو برنامج جرى تسطيره سنة 2012 والآن بدأ ينتقل الى التطبيق.
وتأتي القمة في ظل منافسة على القارة السمراء من طرف دول مثل روسيا وإيران والبرازيل وأساسا الصين التي حققت السنة الماضية قرابة مائة مليار دولار في التبادل التجاري. وتعتبر هذه القمة منافسة حقيقية للاتحاد الأوروبي وخاصة دولة فرنسا التي لديها نفوذ قوي في عدد من الدول وتتولى حاليا التدخل العسكري من أجل الاستقرار كما يجري في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى. واهتمت وسائل الاعلام الفرنسية بشكل ملفت للغاية بهذه القمة اعتقادا منها أن فرنسا هي الدولة التي قد تفقد الكثير بسبب المنافسة مستقبلا في القارة.
وكان “المعهد الفرنسي للدراسات الدولية”، وهو معهد يوجه دبلوماسية فرنسا في الكثير من الأحيان قد حذّر في دراسات متعددة طيلة السنوات الماضية من المنافسة التي تجري حاليا حول القارة الإفريقية بسبب الموارد الطبيعية الهائلة التي سيتم استثمارها مستقبلا.
ماذا سيجني المغرب من القمة الأمريكية-الإفريقية؟
وتهتم صحافة القارة السمراء بهذه القمة، وتبرز كتابات متعددة في دول مثل السينغال وغانا وساحل العاج وليبيريا وكينيا أهمية القارة، بينما تحذّر صحافة جنوب إفريقيا من التنافس على القارة الذي قد يجعلها عرضة للتدخلات السياسية الخارجية شبيهة بما كان يحدث في الماضي مع اختلاف الوسائل فقط.
واهتمت الصحافة المغربية بالقمة ولكن من زاوية ضيقة للغاية وهي عودة الملك محمد السادس الى البيت الأبيض وسيكون ذلك في في ظرف أقل من سنة بعد زيارته خلال نوفمبر الماضي، علما أن الديوان الملكي وكعادته لم يفصح عن حضور الملك من عدمه.
ويبقى التساؤل، هل تشكل القمة ربحا دبلوماسيا واستراتيجيا هاما للمغرب؟ معطيات الواقع تسمح برؤى متعددة أكثر من أجوبة دقيقة. واستنادا الى هذه المعطيات، يمكن الميل الى القول بعدم جني المغرب نتائج إيجابية بل قد تحمل انعكاسات سلبية على مصالحه في ملف نزاع الصحراء.
في هذا الصدد، تعتبر واضنطن المخاطب الرئيسي في إفريقيا هو الاتحاد الإفريقي الذي لا ينتمي إليه المغرب بسبب عضوية البوليساريو كدولة. وفي المقابل، تصنف الدبلوماسية الأمريكية المغرب ضمن شمال إفريقيا والشرق الأوسط أو العالم العربي. ولديها أجندة في إفريقيا تختلف عن أجندة العالم العربي. ومن ضمن الأمثلة، لم يسبق لأي وزير خارجية أمريكي أن زار عاصمة إفريقية (غير عربية) وانتقل بعدها الى الرباط بل يأتي دائما من عاصمة عربية، ولاحقا لا ينتقل الى أي عاصمة إفريقية، وهذا يبين اختلاف الأجندة. ولهذا، عندما يتحدث البيت الأبيض عن إفريقيا لا يحتسب دول شمال القارة ومنها المغرب. وعندما يتحدث البيت الأبيض عن زيارة رئيس أمريكي الى إفريقيا مثل زيارة أوباما خلال يونيو الماضي يتم التركيز اختيار دول إفريقيا السوداء وليس دول شمال إفريقيا.
دول الاتحاد الإفريقي ستشارك في القمة مع الولايات المتحدة بأجندة تتضمن القضايا التي تعتبرها رئيسية ومنها التنمية والمشاركة في القرارتا الدولية والاستقرار السياسي، وهنا يدخل ملف نزاع الصحراء الذي يعتبر من القضايا الخمس الرئيسية في الاتحاد الإفريقي. ويخضع الاتحاد الإفريقي لهيمنة الدول الأنغلوفونية علاوة على نيجيريا والجزائر. وهذه الدول هي الأكثر شراسة ضد المغرب في ملف الصحراء. ويبقى المثال البارز هو تدخل رؤسائها في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال نهاية سبتمبر وبداية أكتوبر الماضيين، حيث طالبوا بتفعيل استفتاء تقرير المصير وبدأت أصوات تطالب بعزل المغرب. وكان دبلوماسيون أمريكيون قد أبلغوا المغرب أنه لا يمكن في وقت يشهد العالم خرائط جيوسياسية جديدة قائمة على نسج تحالفات جديدة التضحية بالعلاقة مع الاتحاد الإفريقي من أجل دولة واحدة، المغرب، على خلفية ملف نزاع الصحراء.
وفي جانب آخر، تعتبر فرنسا نفسها الخاسر الأكبر من هذه القمة بحكم وجود تناغم بين لندن وواشنطن في كل الملفات الدولية، ولهذا لن تتأثر مصالح بريطانيا في القارة السمراء من هذه القمة. وستعمل فرنسا على الحفاظ على مصالحها في القارة السمراء مما قد يؤدي بها الى منافسة علنية وصامتة مع الولايات المتحدة، لاسيما وأن إفريقيا هي آخر معقل لباريس للحفاظ على حضورها الدولي. وعليه، سيجد المغرب نفسه مضطرا الى التحالف مع طرف والتقليل من التحالف مع الآخر. ونظرا لأهمية فرنسا للمغرب أكثر بكثير من الولايات المتحدة، فقد تميل الرباط الى باريس دون تعليق آمال على القمة الأمريكية-الإفريقية. وفي هذا الصدد، ليس من المستبعد غياب الملك محمد السادس عن القمة لاسيما وأن إدارة باراك أوباما ستكون قد بقيت لها أقل من سنتين وسـتأتي إدارة جديدة قد تكون بقيادة هيلاري كلينتون التي تتعاطف مع المغرب أو بقيادة الحزب الجمهوري الذي يتفهم ملفات المغرب أكثر من الجمهوريين.