مع تدهور العلاقات المغربية-الفرنسية، يزداد رهان الرباط على تطوير العلاقات مع مدريد وتحويلها الى حليف استراتيجي خاصة في ظل توتر علاقات المغرب مع باقي الجيران. ويزداد الرهان بعدما استطاعت اسبانيا الفوز بمعقد عضو غير دائم العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو المنصب الذي ستشغله ابتداء من يناير المقبل.
وكانت اسبانيا قد أصبحت الشريك التجاري الأول للمغرب ابتداء من سنة 2011، واستمر الإيقاع سنتي 2012 و2013، وتساهم الدولة المغربية في هذا الوضع التجاري بتشجيع اسبانيا، علما أن الأمر يتعلق بمبادلات تجارية وليس استثمارات. وتتزامن هذه التطورات مع تدهور العلاقات بين الرباط وباريس خلال سنة 2014 على خلفية ملفات قضائية يتابع فيها القضاء الفرنسي مدير المخابرات المغربية بتهمة فرضية التعذيب لفرنسيين من أصول مغربية.
في الوقت ذاته، لا تجمع المغرب بباقي جيرانه علاقات متميزة فقد صار التوتر مع الجزائر بنيويا، وطال التوتر مع موريتانيا، حيث دخل سنته الثالثة وبدون مؤشرات انفراج في العلاقات الثنائية. ولتفادي صفة الجار المزعج، أصبح المغرب يتساهل دبلوماسيا مع اسبانيا في الكثير من الملفات ويحافظ على عدم نشوب أي توتر.
ومن أهم الملفات التي يتساهل فيها المعرب مع اسبانيا هو تجميده للمطالب الترابية والسيادية في سبتة ومليلية المحتلتين، حيث غاب الملف نهائيا عن خطابات المسؤولين ومنهم الملك محمد السادس، علما أن الملك كان قد تعهد في نوفمبر 2007، تاريخ زيارة ملك اسبانيا السابق خوان كارلوس الأول للمدينتين، بشن هجمة دبلوماسية في المحافل لاستعادة المدينتين، وما حصل هو الصمت.
في الوقت ذاته، يقدم خدمات في محاربة الهجرة السرية ومنها بدء قبول المهاجرين الذين يتسللون الى سبتة ومليلية، علما أنها في الماضي لم يكن نهائيا يقبل بذلك.
وسيزيد المغرب من الرهان على اسبانيا بعدما ستحتل مقعدا غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ابتداء من يناير المقبل. وتعتبر اسبانيا قوة استعمارية سابقة في الصحراء، حيث تستشيرها الأمم المتحدة في البحث عن هذا الملف.
وكانت اسبانيا قد احتلت مقعدا في المجلس سنة 2003-2004، وأقنعت وقتها الإدارة الأمريكية بعدم فرض مخطط جيمس بيكر الذي كان ينص على حكم ذاتي لمدة أربع سنوات في الصحراء والانتقال لاحقا الى استفتاء تقرير المصير. وكان المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة وقتها هو وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر. ومن المنتظر تبني اسبانيا موقفا معتدلا في نزاع الصحراء والمتمثل في عدم التخلي عن موقفها الكلاسيكي هو دعم تقرير المصير ولكن دون فرض اي حل على المغرب.
وبهذا، تجد اسبانيا نفسها لأول مرة منذ عقود شريكا رئيسيا للمغرب على المستوى التجاري والسياسي نتيجة تدهور العلاقات بين باريس والرباط. ولم ينجح المغرب وفرنسا حتى الآن في إيجاد صيغة مقبولة للتصالح بينهما.
وتاريخيا، لم يسبق للمغرب أن احتفظ بعلاقات جيدة مع باريس ومدريد في وقت واحد، فإذا ساءت مع باريس، كما حدث سنة 1965 بعد اختطف المهدي بن بركة، وأزمة كتاب “صديقنا الملك لجيل بيرو سنة 1991، يراهن المغرب على مدريد. وإذا ساءت مع مدريد، وهي في أغلب الأحيان باردة ومتوترة، يعمل المغرب على تبني علاقات ممتازة مع فرنسا.