أقدمت الحكومة الإسبانية على منح وسام لوزير الداخلية المغربي محمد حصاد، وهو الوسام الثاني لمسؤول أمني في المغرب بعد مدير المخابرات المدنية عبد اللطيف الحموشي. ويبقى المثير هو تخصيص مدريد أوسمتها للأمنيين المغاربة وكأن المغرب تحول الى “دركي اسبانيا”، عكس فرنسا التي تركز كثيرا على المثقفين والسياسيين.
وباقتراح من وزير الخارجية الإسباني، مانويل غارسيا مارغايو، خصت حكومة مدريد الوزير المغربي حصاد بوسام من درجة “الصليب الأكبر للاستحقاق المدني” في اجتماعها ليوم الجمعة 4 سبتمبر، وجرى نشر خبر الوسام في الجريدة الرسمية يوم 5 سبتمبر الجاري.
وفي الوقت ذاته، جرى منح الوسام في عملية قريبة من السرية، ذلك أن اسبانيا تجنبت الاعلان عنه رسميا ولم ترسل أي بيان الى وسائل الاعلام تجنبا للجدل السياسي على شاكلة ما جرى في الوسام الذي كان قد جرى منحه السنة الماضية الى مدير المخابرات المغربية عبد اللطيف الحموشي الذي يشغل الآن كذلك منصب الشرطة الوطنية. وتسبب وقتها في احتجاج بعض الفرق البرلمانية.
وقد يتكرر السيناريو نفسه هذه المرة، وإن كان على المستوى الاعلامي، حيث انتقدت جريدة دياريو الرقمية منذ يومين منح الوسام الى الوزير المغربي واستعرضت ما اعتبرته خروقات في حق المهاجرين عند الأسوار التي تفصل بين المغرب ومدينتي سبتة ومليلية المحتلتين. وطالبت الجريدة من وزارة الداخلية توضيحات حول أسباب منح الوسام، إلا أن الوزارة لم ترد حتى الآن على الاستفسارات. وكان عنوان جريدة دياريو “اسبانيا تمنح وساما لوزير داخلية المغرب الذي يتعرض لانتقادات بسبب خروقات حقوق الإنسان”. والمثير أن الاعلام الرسمي المغربي بدوره تجنب الحديث عن هذا الوسام، عكس ما كان يفعل في الماضي.
ويتم منح الوسام للمواطنين الإسبان، وهو ما ينص عليه البند الأول من القانون المنظم للوسام، بينما ينص البند الثاني على إجراءات منحه للأجانب، ويقول في هذا الصدد: “يمكن منح الوسام الى أشخاص حاملين للجنسية الأجنبية شريطة أن يكونوا قد قدموا خدمات هامة أو تعاونا يصب في مصلحة البلاد (اسبانيا)”.
والمثير في هذا الوسام أنه جاء باقتراح من وزارة الخارجية بدل وزارة الداخلية الإسبانية، ويحدث هذا لأول مرة في تاريخ هذا الوسام الذي اعتادت دبلوماسية مدريد منحه للدبلوماسيين الأجانب والمواطنين الإسبان، لكن هذه المرة لمسؤول أمني مغربي.
ولا يمكن فصل تصور وزير الخارجية الإسباني لسبتة ومليلية عن اقتراحه حصاد لهذا الوسام. ويعتبر هذا الوزير أشد المدافعين عن اسبانية سبتة ومليلية، وهدد المغرب سنة 2013 بقطع العلاقات إذا طالب بسبتة ومليلية، وكان ذلك في حضرة الوزير المنتدب في الخارجية يوسف العمراني.
وعلى ضوء هذا، فأبرز الخدمات التي قدمها محمد حصاد هو مكافحة الإرهاب وأساسا الهجرة السرية بما فيها بناء سور حول مليلية لمنع تسلل المهاجرين، ويحدث هذا لأول مرة، إذ كان المغرب يرفض بناء أي سور. وقام الوزير بقبول المهاجرين المطرودين من سبتة ومليلية تطبيقا لاتفاقية سنة 1992 بين البلدين، علما أن السلطات المغربية في الماضي كانت ترفض بشدة قبول المهاجرين بسبب عدم اعترافها بسيادة اسبانيا على المدينيتن، وحدث العكس مع حصاد.
وإذا كان المسؤولون الإسبان ينتقلون للمغرب كلما كان هناك خطر يحذق بالمواطنين المغاربة، فوزير الداخلية المغربي محمد حصاد لم يسبق له أن طرح مع مدريد ملف التشدد الإداري الإسباني تجاه المغاربة بشأن تجديد بطاقة الإقامة والشغل.
وعكس الدول الأوروبية الأخرى التي تفسر منح أوسمة تحت مبرر خدمة العلاقات الثنائية، فحكومة مدريد تركز فقط على ما تعتبره خدمة مسؤولين مغاربة لمصالح اسبانيا.
ومقارنة مع فرنسا، فهي تمنح أوسمة كثيرة للمغاربة وتشمل مثقفين وسياسيين ومسؤولين حكوميين، وهي أوسمة لا تحمل أسماء دينية، بينما تقتصر أوسمة حكومة اسبانيا على المسؤوليين الأمنيين وكأنها ترى في المغرب “دركي الحدود الجنوبية”. وكان المسؤولون المغاربة في الماضي يرفضون مثل هذه الأوسمة، لكن الآن يحصل العكس.