عندما تتوهم الدولة العميقة أنها قد تسيطر على الصحافة الرقمية عبر اعتقال علي أنوزلا/د.حسين مجدوبي

ملصق تضامني مع علي أنوزلا

يشهد ملف الزميل علي أنوزلا مدير النشر في النسخة العربية للجريدة الرقمية لكم تطورات تتجاوز ما هو قضائي بحكم الطابع السياسي الذي يعتقد السواد الأعظم من المراقبين والسياسيين أنه يغلب عليه بدل “فرضية” التحريض على الإرهاب التي لا وجود لها في هذا الشأن. وما يجري لا يمكن فصله نهائيا عن قلق الدولة المغربية من القوة التي تكتسبها الصحافة الرقمية وخاصة بعد فضيحة العفو الملكي في ملف مغتصب الأطفال دنييل غالفان.

وانطلق هذا الملف من قيام موقع لكم باللغة العربية نقل مقال ورابط عن موقع لكم بالفرنسية الذي يديره الزميل أبو بكر الجامعي، ويتحدث عن إصدار تنظيم القاعدة الإرهابي شريطا يتحدث عن الفساد في المغرب ويدعو الشباب الى الجهاد.

ورغم أن الشريط تم نشره يوم 13 سبتمبر الجاري، تحركت النيابة العامة يوم 17 سبتمبر، أربعة أيام بعد عملية النشر. والفارق الزمني بين النشر والاعتقال يدعو للكثير من الاستغراب، بحكم أن الدولة المغربية تراقب الصحافة وخاصة الرقمية منها بشكل مستمر عبر لجن في المخابرات والداخلية والدرك تتابع ما ينشر وتقييمه. والتساؤل، لماذا تأخرت الدولة أربعة أيام؟

في الوقت ذاته، النسخة الفرنسية لجريدة لكم الرقمية هي التي نشرت المقال الأول والرابط نقلا عن جريدة الباييس. واعترف الزميل أبو بكر الجامعي في تصريحات لوكالة فرانس برس بمسؤوليته عن عملية النشر. فهل القانون انتقائي في التطبيق، وهذا يجر الى تساؤل آخر، هل تفتقد النيابة العامة المغربية للشجاعة لكي لا تستدعي أبو بكر الجامعي للتحقيق معه؟

الارتباك نفسه بدا أيضا مع التعاطي مع جريدة الباييس التي نشرت شريط الفيديو، فالدولة المغربية لم تكن تعتزم مقاضاة الباييس في البدء.  وكان  عليها منطقيا أن تصدر بيان مقاضاة الباييس في اللحظة التي أعلنت يها اعتقال علي أنوزلا، لكن الإعلان عن المقاضاة حدث لاحقا بعدما وقعت في حرج حقيقي.

ويبقى الإشكال الكبير ماثلا فيما إذا كان  المقال المنشور في جريدة لكم يشكل تحريضا على الإرهاب كما جاء في بيان النيابة العامة لمحكمة الاستئناف في الرباط؟

من خلال تحليل مقال جريدة لكم بل وعرضه على خبراء في الإعلام بعد ترجمة المقال الى لغات متعددة، لم يتم رصد أي جملة أو كلمة توحي بوجود تحريض على الإرهاب. في الوقت ذاته، هناك إجماع على أن نشر مقال عن تنظيم إرهابي ونشر الشريط أو الرابط يدخل ضمن الممارسة الإعلامية المحضة. وهذا الموضوع جرت معالجته خلال العقود الماضية عندما جرى إشكالية بث القنوات التلفزيونية في الغرب أشرطة منظمات إرهابية مثل إيتا الإسبانية والإيرا الإيرلندية. وجرى الاتفاق على أن بث أي شريط لا يعني أبدا تبني مضمون الشريط.

وعمليا، كل مواقع الجرائد الكبرى مثل نيويورك تايمز ولوموند والباييس ودي شبيغل تعرض أشرطة لمنظمات إرهابية بما فيها القاعدة أو روابط لهذه الأشرطة. ومن ضمن الأمثلة،  عرضت مواقع وسائل الاعلام الفرنسية هذه الأيام أشرطة لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي حول رهائن فرنسيين يحتجزهم، ولم يعتبر القضاء ذلك بالجرم والتحريض على الإرهاب. المغرب الذي يدعي انتماءه الى المنتظم الدولي عليه أن ينمي الى هذه الأعراف والتقاليد. لن يجد المغرب حالة واحدة في الغرب لمحكمة حاكمت صحفيا لنشره رابط أو شريط تنظيم إرهابي.

ودائما في نطاق القضاء، تتوفر اسبانيا على ترسانة قانونية متطورة لمحاربة الإرهاب الذي تعاني منه منذ أكثر من أربعين سنة. ويتضمن القانون الجنائي في بنوده ما بين 571 الى 578 تعريفا دقيقا للإرهاب ومن هو الإرهابي والإشادة والتحريض على الإرهاب. ولم يسبق أن جرت ملاحقة ومحاكمة أي قناة أو موقع رقمي اسباني بث شريطا لمجموعة إرهابية.

في الاتجاه نفسه، أصدرت 50 جمعية دولية ومنها منظمات دولية بارزة مثل فريديم هاوس ومراسلون بلا حدود ومنظمة حماية الصحفيين بيانا تاريخيا يوم الجمعة 20 سبتمبر 2013 تطالب فيه بالإفراج الفوري عن علي أنوزلا، ولم يسبق لجمعيات بهذا الصيت الدولي والعدد أن اجتمعت لتأييد صحفي كما يجري في حالة أنوزلا.

وهذه الجمعيات تفرق بين طبيعة العمل الصحفي حول الإرهاب و بين الإشادة بالإرهاب. ويبقى التساؤل: هل وقوف هذه المنظمات الى جانب علي أنوزلا هو إشادة بالإرهاب؟ بطبيعة الحال لا وألف لا، بل وعيا منها ورفضا منها لتوظيف المغرب لقانون الإرهاب في مواجهة الصحفيين خاصة وأن تاريخ المغرب في التعامل مع الصحفيين غير مشرف نهائيا.

على مستوى الأمم المتحدة، جاء في الندوة التي شهدتها العاصمة اليونانية أثينا يوم 9 ديسمبر 2008 حول حرية التعبير والإرهاب ما يلي: “ينبغي احترام دور الإعلام كأداة رئيسية لتحقيق حرية التعبير وتوعية الجمهور في كافة قوانين مكافحة الإرهاب ومكافحة التطرف. للجمهور حق المعرفة بالأعمال الإرهابية التي ترتكب أو المحاولات الإرهابية ولا ينبغي معاقبة وسائل الإعلام بسبب تقديم تلك المعلومات”.

في غضون ذلك، لا يمكن فصل ملف علي أنوزلا عن بعده السياسي، فالكثير من المقالات التحليلية وطنيا ودوليا ربطت اعتقال علي أنوزلا  بكتاباته المزعجة في ملفات تعتبر ذات حساسية مثل الملكية والصحراء وحقوق الإنسان ومستوى الفساد على مختلف المستويات بما فيها المستويات العليا.

وفي الوقت ذاته، لا يمكن فصل اعتقاله عن القلق الشديد الذي تبديه الدولة العميقة في المغرب بشأن الصحافة الرقمية التي فشلت في السيطرة عليها، ودور هذه الصحافة الرقمية في خلق رأي عام متين يتعاظم مع مرور الوقت ويضغط من أجل الإصلاح والمحاسبة. ولعل المنعطف في هذا الشأن، نجاح الصحافة الرقمية وعلى رأسها لكم في ملف العفو الملكي عن مغتصب الأطفال دنييل غالفان علاوة على ملفات متعددة. وستكون الدولة العميقة واهمة كل الوهم إذا اعتقدت السيطرة على الصحافة الرقمية كما عرقلت تطور الصحافة المستقلة منذ عقد. الصحافة الرقمية لا تحتاج للأشهار، ويكفي فتح جدار في الفايسبوك لنشر المقالات، وعلى الدولة العميقة أن تستوعب  ما تشكله إنترنت من تغيير في مجرى تاريخ البشرية فمابالك من مؤسسة مخزنية نخرها الفساد.

كان على الدولة المغربية معالجة ملف رابط شريط القاعدة في جو من التعقل والحوار عبر تشجيع نقاش وسط الصحفيين حول الاعلام والإرهاب والتجارب الدولية في هذا الشأن، ولكن ليس عبر التسبب في فضيحة تكلف المصالح العليا للشعب المغربي الكثير في الساحة الدولية.

نعم، تكلف مصالح الشعب المغربي الكثير دوليا، الشعب هو الذي يتضرر من استمرار  نزاع الصحراء واستغلال البوليساريو حقوقيا لأخطاء  “مسؤولين ليسوا بمسؤولين” في الدولة العميقة.

د.حسين مجدوبي/دكتور في علوم الإعلام

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password