انتعشت الثقافة الاقتصادية في عدد من دول العالم بسبب الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العالم. وبدأ الرأي العام الدولي يكتسب وعيا بهذا القطاع من مظاهره ارتفاع عدد المنابر الإعلامية المتخصصة في الاقتصاد وارتفاع مبيعات الكتب الاقتصادية وكذلك الاحتجاجات الاجتماعية. لكن هذا الوعي لم يصل الى المغرب رغم المشاكل المالية التي يعاني منها، وذلك بسبب قلة الخبراء وضعف التكوين الصحفي وإحجام الجامعيين المساهمة في النقاش وإغناءه.
ومنذ اندلاع الأزمة الاقتصادية العالمية سنة 2007، تخصص المنابر الإعلامية الغربية والأسيوية وكذلك الخليجية حيزا هاما للأخبار الاقتصادية لتتبع تطورات المشهد الاقتصادي العالمي. وجريدة مثل لوموند بدأت تنشر منذ سنة ملحقا اقتصاديا يوميا علاوة على الصفحات الداخلية المخصصة للإقتصاد، وذلك لمواكبة الأزمة الحالية.
ارتفاع مبيعات الكتب الاقتصادية
ويبقى المنعطف في الثقافة الاقتصادية العالمية هو ارتفاع مبيعات الكتب الاقتصادية التي كانت في الماضي محصورة فقط على الباحثين والصحفيين المتخصصين. ومن ضمن الأمثلة فكتاب “انهوا هذه الأزمة” لبول كروغمان الحاصل على نوبل للاقتصاد سنة 2008 تمت ترجمته الى عشرات اللغات منذ صدوره سنة 2012، وبلغت مبيعاته الملايين من النسخ منافسا الروايات الأكثر شهرة. وباستثناء مقال أو مقالين، من الصعب إيجاد مقالات تحليلية حول هذا الكتاب في الصحافة المغربية.
وفي كل دولة غربية وخاصة تلك التي تعاني من الأزمة، ارتفعت مبيعات الكتب الاقتصادية بشكل مذهل، ففي اسبانيا حقق كتاب “هناك حياة ما بعد الأزمة” لمؤلفه خوسي كارلوس دييث خمس طبعات منذ صدوره في مايو الماضي، الأمر الذي جعل هذا الاقتصادي يقول “لو كان المواطنون يقرأون الكتب الاقتصادية كما يحدث الآن لما وقعت الأزمة”.
وفي اسبانيا بالذات، بادر باحثون جامعيون مرموقون منذ بداية السنة بتأسيس مجلة “بدائل اقتصادية” في برشلونة تقدم شروحات للرأي العام كيف تسيطر الأبناك والمؤسسات الدولية على حياة الناس اقتصاديا. ويؤكد أصحاب هذه المبادرة أن “هناك مجهودات جبارة تبذلها المؤسسات المالية الدولية والأبناك لكي لا يعرف الناس الاقتصاد رغم أنه مرتبط بحياتهم بشكل كبير”.
ومن ضمن المظاهر البارزة لهذه الظاهرة أن الرأي العام اكتسب وعيا نقديا للأضواع الاقتصادية، وتعتبر الاحتجاجات الاجتماعية من نتائج هذا الوعي.
المغرب خارج الاهتمام
ويعيش المغرب خارج دائرة الاهتمام بالثقافة الاقتصادية التي يشهدها العالم، حيث لم يمتلك المواطن أي ثقافة لمعرفة ما يجري في العالم باستثناء بعض العناوين. وعلاوة على هذا، يعيش المغرب على إيقاع احتمال تعديل صندوق المقاصة وتطبيق نظام المقايسة في ظل غياب نقاش حقيقي وسط الصحافة والباحثين. وهذا الغياب يعود الى أسباب متعددة أبرزها:
-هيمنة الفرنسية على الاقتصاد في المغرب، إذ أصبحت كل المنابر الاقتصادية الصادرة بالفرنسية مهادنة للواقع الاقتصادي بما يعرفه من فساد واحتكار سعيا منها للمحافظة على مداخيل الإشهار، وتركز فقط على الجانب المالي من الاقتصاد دون تقديم تفسيرات عميقة لما يحدث في البلاد.
-الدور السلبي لأساتذة الاقتصاد الجامعيين الذين لا يشاركون نهائيا في تنوير الرأي العام مع استثناءات مثل أقصبي والراحل بنعلي الذي ترك فراغا مهولا في هذا المجال.
-غياب تكوين لدى الصحافيين وخاصة العاملين في مجال الصحافة الرقمية منها، إذ أن الكثير من المنابر الرقمية في العالم التي ظهرت مؤخرا تولي اهتماما كبيرا بالاقتصاد لأن ظهورها صادف الأزمة الاقتصادية العالمية. بينما هذا يغيب عن الصحافة الرقمية المغربية هذا التوجه والاهتمام، فبعضها يفضل إبراز تصريح مستفز لداعية إسلامي حول الجنس أو التكفير بدل المساهمة في خلق رأي عام حول القضايا الاقتصادية والسياسية.