وئام , عبد الكبير,سليمة ,فطومة ,أسامة….العديد من الأطفال المغاربة ,هناك من يقدرهم بالعشرات يتعرضون يوميا للاغتصاب والعنف الجسدي , تنتهك حرمتهم و طفولتهم أمام أنظار مجتمع صامت و دولة تأبى التدخل لردع الجاني أو الجناة.
المغرب الذي كان موضوع اغتصاب الأطفال طابوها محرما الحديث فيه, أصبح اليوم يتحدث و علانية عن هذا الموضوع أمام تكراره الشبه اليومي ,حتى أصبح واقعا عاديا في أخبار الجرائد والمجلات وأمام تقاعس الحكومة وأجهزة الدولة وكذا فعاليات المجتمع المدني على العمل من أجل إيقاف هذا التجريح اليومي لطفولتنا , يأتي العفو الملكي على المجرم دانيال غالفان المتهم باغتصاب 11 طفلا مغربيا مع تصويرهم في أوضاع شاذة , والذي تم الحكم عليه من طرف القضاء المغربي ب30سنة سجنا نافذة أمضى منها سنتين فقط وراء القضبان . وأمام هذا العفو المفاجئ والغير متوقع , وقف الشارع المغربي مذهولا ومصدوما وارتفعت وتيرة الاحتجاجات الشعبية و لمطالبة باعتذار القصر الملكي ,مع تراجع فوري عن هذا القرار , وقوبلت مختلف هاته الاحتجاجات السلمية في مختلف المدن المغربية بعنف لا مبرر له, تزامننا مع الصمت الغريب للحكومة ومختلف الفاعلين السياسيين و المدنيين على حد السواء.
وبعد تردد طويل ومخيب للآمال جاء بيان وزارة العدل متذبذبا غير مقنع محاولا إبعاد تهمة العفو عن الوزارة , ليتلوه بلاغ للقصر الملكي ينفي علم الملك بوجود هذا المجرم في اللائحة المقدمة للملك, ويأمر بفتح تحقيق لمعرفة المسؤول عن هذا الخطأ ومعاقبته. عن نفسي أظن أن الملك لم يكن يعرف بعفوه على مغتصب للأطفال,فليس على الأقل من الذكاء أن يضع نفسه في موقف محرج للغاية أمام شعبه, في ظرفية صعبة مثل هاته التي تعيشها البلاد. لكن ما أستغرب له حقا ويشعرني بالغضب , الصمت المطبق للكثير من الفعاليات السياسية والمدنية كذلك على حد السواء, وغياب أي موقف رسمي لحكومتنا الموقرة ووزرائها, بل والدفع بالغضب الشعبي نحو المطالبة باعتذار القصر الملكي وحده وتراجعه عن القرار .
قد تكون مسؤولية الملك تتجلى في وضعه إمضاءه على وثيقة لا يعلم بمحتواها , وضعها أمامه ديوان و مستشارين أثبتوا الآن عدم جدارتهم بثقته وثقة الشعب, وسوء تدبيرهم لهاته الأزمة بعد حدوثها. لكن ماذا عن صمت رئيس الحكومة بنكيران و حكومته , وأين هو موقف وزيرة الأسرة والطفولة ووزير العدل ووزير الخارجية.., وأين هم زعماء الأحزاب الذين عودونا على حروبهم الدونكشوتية فيما بينهم ؟أين هي صحافتنا، باستثناء الرقمية الحرةمنها، ونقابتها وزعمائها مما يقع؟ أين رؤساء الجمعيات والمثقفين والأساتذة الباحثين؟ أين هم القضاة والمحامون؟
نعم,يجب أن نغضب لقرار العفو عن وحشي أدمي , لكن يجب أن يصبح هذا الخطأ المؤلم والمهين دافعا للتساؤل حول سبب تكاثر ظاهرة الاعتداء على الأطفال وارتفاع معدل جرائم الاغتصاب في المجتمع المغربي ,بل التساؤل عن انتشار العنف الجنسي عامة في مجتمع محافظ مثل مجتمعنا. أظن انه يجب مسائلة الجهاز القضائي الذي تابع وحاكم دانيال غالفان ثم عاقبه بناءا على فصول القانون الجنائي المغربي ب30سنة سجنا دون التأكيد على عدم وجود إمكانية للسراح قبل إتمام عقوبته , مع العلم أن 30سنة لا تكفي أمام تدمير حياة ومستقبل 11طفل
مع التذكير بان الكثير إن لم نقل اغلب مرتكبي جرائم الاغتصاب يعاقبون بعقوبات هزيلة ومهينة للضحية ,هذا إن لم يفلتوا من العقاب نهائيا مقابل الزواج من ضحاياهم , وكلنا نتذكر حالة أمينة الفيلالي التي انتحرت في العرائش بعد تزويجها من مغتصبها الغضب الشعبي سينتهي ربما غدا اوبعده أو على ابعد تقدير بعد أسبوع , لنعود إلى نفس واقعنا ويستمر هذا النزيف البيدوفيلي في المغرب . لذا آن لنا أن ننتفض ونطالب بإصلاح وتغيير فصول القانون الجنائي الغير عادلة بثاثا , وكذا مساطر الحبس والعفو. الاغتصاب يجب أن يصنف جريمة إرهاب لمستقبل مجتمعنا وأمن طفولتنا ونساءنا على حد السواء , تتطلب قانونا زاجرا خاصا ومسطرة تنفيذ صارمة . كما نطالب بوضع مدونة خاصة للطفولة وان يتم إلغاء مسطرة العفو كليا , لأنها طعن في استقلالية القضاء ونزاهته , وضرب عرض الحائط لمبدأ سواسية الجميع أمام القانون . كما آن لمجتمعنا المدني التحرك بكثافة لتوعية طفولتنا وأوليائها وكافة أفراد المجتمع بخطورة هذا الفعل الإجرامي وتكثيف حملات التوعية داخل المدارس ومختلف المؤسسات التعليمية والمهتمة بالطفولة كما نطالب أطباءنا وباحثينا الاجتماعيين والنفسيين بالتطوع لمتابعة الضحايا ,خصوصا أن أغلبهم إن لم يكن كلهم ينتمون إلى أوساط فقيرة , فماذا لوتطوع أطبائنا لمتابعة حالتهم النفسية والجسدية على المدى الطويل؟ , نحن نعرف أن أثار الاغتصاب تصاحب الضحية طوال حياته , ولها تأثير مدمر على نفسيته مستقبلا . وماذا لوقام أساتذتنا وباحثينا بإعداد البحوث والدراسات في سبب انتشار هذا المرض في مجتمعنا؟ والعمل على توعية الناس بضرورة فضح المجرم والحديث العلني عن هذا الطابو ,الكثير من العائلات تميل إلى كتمان واقعة الاعتداء بل وتحميل الضحية نوعا من المسؤولية في وقوع ذلك ,درءا”للفضيحة”. ونريد من صحافتنا وإعلامنا الذي عودنا على نشر التفاهات , أن يتحمل كامل مسؤوليته في توعية وإعلام المجتمع بما يقع السكوت عنه من اعتداءات على طفولتنا كما إننا نسأل ملكنا أن يعيد النظر في حاشيته ومقربيه ومستشاريه ومسئولي ديوانه , لأنهم لايستحقون الثقة الموضوعة فيهم , وليسوا على مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقهم ,كما أبانوا عن ضعف شديد في مواجهة مثل هاته الأزمات وإدارتها.
وأخيرا نطالب بمجتمع متكافل موحد حريص على أطفاله , وعلى وحدة و استقرار هذا الوطن فللأسف الشديد لا يوجد دانيال واحد في المغرب بل هم مثل الفطر منتشرون ومتواجدون بكثرة بيننا. نريد مواصلة الاحتجاجات السلمية واليومية حتى يتم إصلاح أصل الداء وهو القانون ولا شيء غيره , حتى لا تصبح المتاجرة والمزايدة على طفولة وأمن وشرف هاته البلاد ورقة في أيدي من ليست لهم غيرة على هذا الوطن , وحتى لاتذهب معاناة وألم ومهانة ضحايا دانيال غالفان سدى.
فدوى حسين، حقوقية