شنت الولايات المتحدة وبريطانيا هجمات ضد مواقع الحوثيين في اليمن يومي الخميس والسبت من الأسبوع الجاري بسبب سياسة هذه الحركة في منع مرور السفن الإسرائيلية من البحر الأحمر. ويعتبر هذا الإجراء يهدد باتساع رقعة الحرب، ويبقى في العمق هجوما للغرب الأنجلوسكسوني بينما فضل باقي الغرب وخاصة الأوروبي عدم الانخراط في هذه الحرب.
وعمليا، مارست واشنطن ضغوطات كبيرة سياسية وعسكرية لاحتواء الحرب الناتجة عن طوفان الأقصى. فمن جهة، لوحت بالتدخل العسكري ضد حزب الله في حالة ما إذا فتح جبهة الشمال الإسرائيلي، ولهذا قامت بالرفع من مستوى الحضور العسكري من سفنها الحربية من حاملات الطائرات ومدمرات، ولم يغامر حزب الله رغم قوة الاستفزاز الإسرائيلي، وبقيت ردوده العسكرية معتدلة. ومن جهة أخرى، ضغطت على الدول العربية المعتدلة مثل مصر والعربية السعودية لتفادي التصعيد السياسي والبقاء في دائرة التنديد والشجب فقط.
ويعتبر انخراط الحوثيين في الحرب ضد جيش الاحتلال بعد 7 أكتوبر من المفاجآت الكبرى التي تقدم صورة عن النزاعات المستقبلية في العالم وخاصة في الشرق الأوسط، حيث تنمو الحركات المسلحة على حساب الجيوش النظامية بل تحولت إلى ما يشبه الجيوش النظامية كما يقع في حالة حزب الله في لبنان والحركات المسلحة في العراق. وجاء انخراط الحوثيين على مرحلتين وبطريقتين مختلفتين وهما:
في المقام الأول، توجيه ضربات الى جيش الاحتلال في منطقة إيلات عبر صواريخ باليستية ومسيرات، وهو مستجد لم يكن نهائيا حاضرا في أجندة التصورات الإسرائيلية والأمريكية. إذا لا توجد ورقة عسكرية تتحدث عن الحرب في الشرق الأوسط أو الهجمات ضد الكيان تتحدث عن ضرب حركات بعيدة جغرافيا لإسرائيل، بل تركز فقط على المواجهة مع حركة حماس وحزب الله والحرب ضد سوريا.
في المقام الثاني، انتقال الحوثيين من استهداف أراضي الكيان إلى استهداف السفن المحملة بالبضائع سواء التي تغادر الموانئ الإسرائيلية أو التي تقصدها، الأمر الذي يتسبب في تأثير كبير على نشاط الملاحة الدولية. وارتباطا هذا، بدأت شركات الشحن الدولي تغير من مسار السفن نحو جنوب إفريقيا وتراجعت حركة نشاط سفن الشحن ب 30% في البحر الأحمر مع ارتفاع الرسوم. وكان الرئيس الأمريكي جو بايدن قد صرح منذ أيام أن 50 دولة تضررت جراء عمليات الحوثيين ضد الشحن البحري الدولي.
من جانب آخر، تقدم الولايات المتحدة نفسها أنها حامية البحار والساهرة على قانون البحار وضمان حرية الملاحة بفضل أساطيلها العسكرية المتعددة. إذ يحمل كل أسطول اسما، ومنها الأسطول السادس في البحر الأبيض المتوسط والخامس في الخليج العربي وبحر العرب والبحر الأحمر والقرن الإفريقي. ولهذا، قررت الولايات المتحدة رفقة بريطانيا التدخل العسكري لضرب الحوثيين بهدف ضمان حرية الملاحة. ونفذت ضربتين، الأولى ليلة الخميس والثانية ليلة السبت.
وينقل الموقع العسكري الأمريكي “ديفانس نيوز” أن البنتاغون بالضربة الأولى كانت كافية إضعاف الحوثيين من خلال ضرب رادارات ترصد السفن ومواقع الصواريخ الباليستية وأماكن انطلاق المسيرات. وشاركت في الضربة الأولى سفن حربية منها حاملة الطائرات ايزنهاور وغواصة فلوريدا وفرقاطة بريطانية، حيث جرى استعمال صواريخ توماهوك علاوة على مقاتلات إف 18 الأمريكية واليوروفايتر البريطانية. وجاء الرد اليمني بصواريخ باليستية يوم الجمعة من الأسبوع الجاري ليؤكد الحوثيون أن لا شيء سيوقف هجماتهم، وعاد الرد الأمريكي يوم ليلة الجمعة فجر السبت، حيث أكد الجنرال أليكس غرينكويش استهداف ستين هدفا في 16 موقعا يمينا بمائة قنبلة وصاروخ دقيق من طائرات وغواصات وسفن حربية.
وهكذا، الهجوم الأمريكي-البريطاني يكشف عن خلل كبير في العمليات العسكرية التي تنفذها الولايات المتحدة في الخارج باسم الغرب.
أولا، فشلت واشنطن في إقناع الدول الأوروبية المنتمية الى الحلف الأطلسي بالمشاركة في قوة “حارس الازدهار” ، ويفضل الاتحاد الأوروبي تطوير القوة البحرية “أتلانتا” التي تتواجد في القرن الإفريقي ضد القرصنة بدل العمل تحت القيادة الأمريكية، علما أن إسبانيا ترفض الانخراط في العملية العسكرية. ولهذا، تعتبر هذه العملية هي حرب أنجلوسكسونية ضد الحوثيين وليس الغرب برمته.
ثانيا،. فشل البنتاغون في إقناع عواصم عربية مثل الرياض والقاهرة في المشاركة في العمليات العسكرية، لاسيما مصر التي ترى كيف تتراجع عائداتها المالية من قناة السويس بسبب اضطراب الملاحة الدولية. وتجدر الإشارة الى أن الدول العربية مثل مصر والسعودية والإمارات كانت تنخرط في المشاريع السياسية والعسكرية الأمريكية في الماضي مثل الحرب ضد العراق وضد أفغانستان، ولكن الآن تأخذ مسافة نظرا للتغيرات الجيوسياسية الحاصلة لاسيما بعد انضمام البلدين الى منظمة البريكس. السعودية طلبت ضبط النفس وتفادي التصعيد ولم تشجب الحوثيين. وأعربت مصر عن قلقها من اتساع الحرب نتيجة الحرب في قطاع غزة، ورفضت شجب الحوثيين. وتعتبر البحرين، التي تعد ن أصغر الدول العربية، الوحيدة التي وقفت الى جانب واشنطن. وفشل البيت الأبيض أكثر في الاتفاق مع القوى الكبرى مثل روسيا، فقد أقدمت الأخيرة على طرح الهجوم الأمريكي-البريطاني في مجلس الأمن، كما ترفض الصين التنسيق مع الولايات المتحدة رغم أنها القوة التجارية الأولى التي تحتاج بحارا آمنة.
ويبقى التساؤل الجوهري بعد العملية العسكرية: هل ستنجح الولايات المتحدة في وقف اعتراض الحوثيين للسفن الإسرائيلية وتهديد الملاحة الدولية؟
في البدء، تبرز البيانات الصادرة عن حركة أنصار الله “الحوثيون” استمرارها في اعتراض السفن الإسرائيلية أو التي تتعامل مع إسرائيل حتى وقف العدوان على قطاع غزة. وعمليا، كل ما سيحققه الهجوم الأمريكي-البريطاني هو تقليص وإضعاف القدرات العسكرية لحركة أنصار الله، لكن بشكل نسبي. إذ رغم استهداف أكثر من 60 موقعا عسكريا للحوثيين، إلا أن هذه الحركة التي تسيطر على معظم اليمن، تتبنى منهجية حرب العصابات، فهي لا تقوم بتجميع كل قواها العسكرية في أماكن معينة. في الوقت ذاته، نوعية الحرب التي تقوم بها تجعل مهام البنتاغون صعبة. إذ يتعلق الأمر بهجمات بالمسيرات والصواريخ، ويعمل الحوثيون على نقلها ونشرها في مناطق جغرافية بسرعة كبيرة، خاصة وأن جغرافية اليمن تساعد على نوعية الحرب هذه.
وتشير كل المعطيات العسكرية إلى صعوبة وقف عمليات الحوثيين. وبهذا تكون واشنطن قد فاقمت الوضع وعملت على اتخاذ أول خطوة تصعيدية نحو اتساع رقعة الحرب بعد طوفان الأقصى.