مازالت الأزمة بين الرباط ومدريد حول المياه الإقليمية في الجزر الجعفرية شمال شرق المغرب في إطار الاحتواء ولم تنفجر، لكن هذا لم يمنع الحزب الشعبي المحافظ المعارض من استغلال الحدث للمطالبة بتوضيحات، كما أقدمت وزارة الدفاع الإسبانية على إرسال سفينة حربية الى المنطقة. في الوقت ذاته، يقول مدير الاستخبارات السابق أن المغرب يريد جلب إسبانيا إلى صفه.
ويوجد اختلاف بين المغرب وإسبانيا حول المزرعة الخاصة بتربية الأسماك التي أقامها هذا البلد المغاربي بالقرب من جزر الجعفرية المحتلة، حيث تعتبر إسبانيا أنها امتدت إلى المياه الإقليمية لهذه الجزر. وقدمت مدريد مذكرة احتجاج شفوية منذ أسبوعين تقريباً إلى السفارة المغربية في مدريد. ولم تقدم دبلوماسية الرباط أي توضيحات حول الحادث حتى الآن، مثل إصدار بيان توضيحي. ويتزامن هذا مع عدم وجود سفير مغربي في مدريد منذ الأزمة التي اندلعت خلال الصيف الماضي على خلفية نزاع الصحراء الغربية والهجرة غير القانونية. ويلاحظ تبني الرباط سياسة الصمت الدبلوماسي تجاه النزاعات مع بعض الدول الأوروبية أو العمل بعيداً عن العلانية.
وكعادته مستغلاً أي نزاع، يقوم الحزب الشعبي المحافظ بتوظيف هذا الحادث، حيث طالب في مجلس الشيوخ منذ يومين بضرورة “الرد الصارم” على محاولات المغرب اقتحام المياه الإقليمية لمدينة مليلية والجزر الجعفرية. وتابع أن “عدم رد الحكومة سيعني أن إسبانيا دولة ضعيفة، وهذا ليس في صالح بلدنا”.
وأوضحت النائبة صوفيا أسيدو، التي تولت طرح هذا الموضوع في مجلس الشيوخ: “لا يمكن لإسبانيا السماح باستفزازات المغرب لبلدنا، وبعد عدد من الحوادث المستفزة، الآن يأتي المغرب ويقيم مزرعة لتربية الأسماك في المياه الإقليمية التي تربط بين ألمرية ومليلية”. وهددت برفع الموضوع إلى البرلمان الأوروبي في حالة صمت الحكومة. وبدوره، استغل حزب فوكس المتطرف هذا الحادث ليتقدم بمجموعة من الأسئلة إلى الحكومة وناعتاً إياها بالموقف المتخاذل بشأن اتخاذ سياسة صارمة في مواجهة المغرب. ويهدد الحزب بتنظيم تظاهرات، ومنها في مدينة مليلية. وكان هذا الحزب أول من قام بطرح موضوع المزرعة السمكية البحرية منذ أسابيع، وكانت حكومة مدريد تنكر وجودها في البدء، وعادت وقدمت بشأنها مذكرة احتجاج. وأوردت وسائل الاعلام الإسبانية أن وزارة الدفاع قد أرسلت سفينة حربية إلى الجزر الجعفرية في استعراض عسكري يتزامن مع الأزمة حول المياه، كما أرسلت سفينتين المضادة للألغام في ميناء مليلية. ونشرت وزارة الدفاع الإسبانية بموقعها في “تويتر” صواري للسفينة الحربية “أنفنتا كريستينا” وفي الأفق الجزر الجعفرية.
ويفسر الإعلام أن أسبانيا ترسل رسالة إلى المغرب بعدم الاقتراب من هذه الجزر. وكانت وزارة الدفاع الإسبانية قد فعلت الأمر نفسه بنشر صور سفينة حربية بالقرب من صخرة الحسيمة عندما اندلعت أزمة سبتة خلال مايو الماضي نتيجة اقتحام أكثر من عشرة آلاف مغربي هذه المدينة التي تستعمرها إسبانيا شمال المغرب.
وعادة ما يقع توتر بين المغرب وإسبانيا حول المياه الفاصلة بين الصحراء وجزر الكناري في الواجهة الغربية، لكن هذه المرة انتقل إلى الواجهة المتوسطية، حيث المغرب لا يعترف نهائياً بوجود مياه إقليمية إسبانية، نظراً لاحتلالها سبتة ومليلية والجزر الجعفرية.
ويستمر المغرب موضوعاً رئيسياً، سواء للموقف السياسية في البرلمان أو كموضوع للنقاش السياسي. وانضم إلى هذا الجدل مدير وكالة الاستخبارات الإسبانية الأسبق خوردي ديسكيار، الذي تولى المنصب ما بين سنتي 2001 و 2004، ويعد من كبار الخبراء في العلاقات المغربية الإسبانية، لأنه كان سفيراً لمدريد في الرباط ما بين سنتي 1997 و2001 وله مؤلفات في قضايا جيوسياسية يتطرق فيها كثيراً إلى المغرب.
واعترف في نشاط ثقافي-سياسي في مدينة خيرونا بإقليم كتالونيا نهاية الأسبوع الماضي، بأن “المغرب يعرف إسبانيا أكثر مما تعرف إسبانيا المغرب”. وتابع بنوع من الانتقاد، أنه رغم أهمية المغرب الاستراتيجية لإسبانيا “لا نعطي لهذا البلد الأهمية التي يستحقها” في إشارة الى تعميق المعرفة. ويعتقد أن إسبانيا فقدت وزنها في الساحة السياسية الدولية على ما كانت عليه مقارنة مع الحقب التي تولى فيها سياسيون مثل فيلبي غونثالث الاشتراكي أو خوسي ماريا أثنار، المحافظ، رئاسة الحكومة.
ولم يتردد في القول أن المغرب يرغب في أن تكون إسبانيا إلى جانبه، لكنه يرتكب خطأً في بعض تصوراته عن إسبانيا”. وكان مدير الاستخبارات يشير بذلك إلى ضغط الرباط على مدريد لكي تساند سيادة المغرب على الصحراء. وكان وزير الخارجية ناصر بوريطة، قد طالب إسبانيا علانية بضرورة دعم الموقف المغربي في نزاع الصحراء. وجاء طلبه إبان الأزمة عندما عارضت مدريد موقف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي اعترف بمغربية الصحراء، ونسقت مع ألمانيا للحيلولة دون اتخاذ الاتحاد الأوروبي موقفاً مشابهاً.
وتستمر العلاقات جامدة بين المغرب وإسبانيا منذ أزمة الصيف الماضي. وكان مرتقباً حدوث لقاء بين وزير الخارجية الإسبانية مانويل ألفاريس، والمغربي بوريطة في برشلونة خلال أعمال قمة الاتحاد من أجل المتوسط بداية هذا الأسبوع الجاري، لكن الوزير المغربي أعلن عدم حضوره وتفضيل حضور قمة منتدى التعاون بين إفريقيا والصين في السنغال.
مدريد تبعث بسفينة حربية إلى الجزر الجعفرية ومدير سابق للاستخبارات يؤكد أن المغرب يرغب في جلب اسبانيا إلى صفه
سفينة حربية اسبانية والجزر الجعفرية في الأفق