الجيش يحسم هزيمة ترامب بدون تزوير الانتخابات الرئاسية المقبلة

صورة مركبة لترامب عن ذي أـلانتيك

أصبحت هزيمة دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي ستجري خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، واردة للغاية بعد الشرخ الذي تعيشه البلاد جراء تصرف الرئيس في ملف جورج فلويد، وتوجد مؤشرات كثيرة حول هذا التوجه. ويمكن قراءة عدد من المعطيات الهيكلية التي حكمت مسبقا على دونالد ترامب بالهزيمة، وصعوبة تجاوزه إياها. ولا يتعلق الأمر بتزوير للانتخابات الرئاسية، بل الفيتو على هذا المرشح، من طرف مؤسسات تعتبر العمود الفقري للبلاد، وهي المؤسسة العسكرية والاستخباراتية علاوة على الدبلوماسية.
ولم يسبق في تاريخ الولايات المتحدة اعتراض المؤسسات الرئيسية على رئيس للبلاد، كما يحدث في الوقت الراهن مع الجمهوري دونالد ترامب. ولعل الاعتراض البارز هو من طرف المؤسسة العسكرية، حيث كانت هناك مواقف لم تقدم عليها المؤسسة العسكرية سوى في حالتين، الأولى وكانت إبان الحرب الأهلية، عندما انشقت هذه المؤسسة إبان الحرب، والحالة الثانية خلال أزمة كوبا أو صواريخ الاتحاد السوفييتي وانتهت باغتيال الرئيس جون كينيدي، الذي ما زال يثير الكثير من التساؤلات. وكان هناك اختلاف بين المؤسسة المدنية الرئاسية والجيش في حرب فيتنام، لكنه لم يصل إلى مستويات الشرخ، مثل الحالتين السابقتين.
ويعتبر ملف جورج فلويد، المواطن الأمريكي الذي مات مقتولا، بسبب تصرف الشرطة في مينابوليس منذ ثلاثة أسابيع المنعطف. فقد عمل الرئيس ترامب على تقسيم البلاد، ومحاولة توظيف الجيش في القضاء على أكبر احتجاجات تشهدها الولايات المتحدة، منذ اغتيال مارتن لوثر كنغ في ستينيات القرن الماضي. وهذا أدى إلى ما يسمى بتمرد الجنرالات. ويمكن اختصار أبرز المواقف في موقفين: وهما مقال لوزير الدفاع السابق مع ترامب نفسه الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس، بأن ترامب يعمل ضد الدستور، ويعمل على تفرقة الشعب الأمريكي، وهي تقنية مستوحاة من الأيديولوجية النازية، مبرزا أنه خلال الحرب العالمية الثانية كان شعار القوات الأمريكية هو، الوحدة للانتصار ضد النازية، التي حملت شعار «فرق تسد». ومقارنة ماتيس تصرف ترامب بالنازية، يعتبر أقسى ما صدر عن عسكري ضد رئيسه منذ الحرب العالمية الثانية.

والموقف الآخر أكثر رمزية، ومن النادر العثور عليه خلال العقود الأخيرة، وهو موقف قائد القوات العسكرية صاحب أعلى مرتبة في الجيش الجنرال مارك ميلي، الذي أعطى أوامره إلى القيادات العسكرية في مختلف الولايات برفض الأوامر التي تطلب منها التدخل ضد التظاهرات، وفي الوقت نفسه عاد منذ أيام إلى التصريح أمام فوج من الضباط، الذين تخرجوا مؤخرا، بأن حضوره إلى جانب الرئيس ترامب، عندما زار الأخير الكنيسة وهو يحمل الإنجيل في ذروة الاحتجاجات، كان عملا خاطئا. وانضم قادة سابقون للقوات العسكرية، خلال العقود الثلاثة الأخيرة، إلى التنديد بترامب منهم، الجنرال كولن باول ومايك مولن وريتشارد مييرس ومارتن ديمبسي. لكن موقف ماتيس وميلي يحمل دلالة كبيرة، بحكم أن الأول كان وزير الدفاع مع ترامب، وهو مطوق بمبدأ شرف الصمت، والثاني مازال في الخدمة، ولا يمكنه إعطاء تصريحات ذات طابع سياسي تمس قرار الرئيس تفسر على أنها تمرد.. كما انضم قادة وعملاء كبار للمخابرات الأمريكية، مثل المدنية «سي أي أي»، والعسكرية «دي أي أي» ووكالة الأمن القومي «إن سي آي» إلى التحذير من خطورة ترامب على الأمن القومي للبلاد. ومن أبرز تلك التعليقات، تلك التي صدرت عن أكثر من مسؤول استخباراتي سابق تقول، بأن ما يشاهدونه من تصرف البيت الأبيض ضد الاحتجاجات يذكرهم بتصرفات ديكتاتوريي وطغاة الشرق الأوسط. ويضاف إلى كل هذا موقف الدبلوماسية الأمريكية، حيث لم يعد الكثير من السفارات، يدافع عن مواقف ترامب، بل تصدر من بعض الموظفين انتقادات قوية، وهم يجمعون على إساءة الرئيس لصورة الولايات المتحدة لدى الرأي العام العالمي.
وفي تطور آخر، فقد نشرت جريدة «الباييس» الإسبانية الأسبوع الماضي، كيف يرفض قادة الاتحاد الأوروبي التنسيق مع ترامب في القضايا الثنائية والدولية، وينتظرون رحيله عن البيت الأبيض. وهو موقف يزيد من قلق المؤسسات الأمريكية التي ترى في الشريك الأبرز، وهو الاتحاد الأوروبي نفورا من واشنطن. وعليه، بدأت المؤسسة العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية الأمريكية ترى في ترامب الرئيس غير المؤهل لقيادة العمليات العسكرية للبلاد، إذ أن الرئيس يعتبر القائد الأعلى للقوات العسكرية. وهذا يعني صعوبة تنسيق المؤسسة العسكرية مع الرئيس في المخططات العسكرية في الخارج حاليا، إلا في الحالات الاستثنائية التي يتطلبها الأمن القومي للوطن. وعندما يفقد الرئيس ثقة الجيش والاستخبارات، يصبح من الصعوبة بمكان استمراره في السلطة، نظرا للمكانة التي تشكلها هذه المؤسسات ومنها، العسكرية أساسا في الداخل، كمؤسسة محترمة أكثر من جميع باقي المؤسسات، أو في الخارج نظرا لحضور الجيش في العلاقات الدولية، ويكفي أنه يتوفر على أكثر من مئة قاعدة عسكرية في الخارج، لمعرفة ثقله. ويجري الحديث عن مقاطعة للاستخبارات للرئيس، إذ لم تعد تزوده بالتقارير الكافية حول الأحداث العالمية. وهذا يحيل إلى ما تعرض له الرئيس جورج بوش الابن سنة 2006 عندما أراد غزو إيران، وزودته 13 مؤسسة استخباراتية بتقارير شبه مغلوطة لمنع الحرب. وصرح وقتها جون بولتون، الذي كان سفيرا للولايات المتحدة في مجلس الأمن، بأن ما يحصل هو مؤامرة وانقلاب ضد الرئيس. ويعترف خبراء الجيش والدبلوماسية بصعوبة مواجهة الصين وروسيا في المنتظم الدولي برئيس غير ناضج.
ولن يتم تزوير الانتخابات الرئاسية المقبلة، لهزيمة ترامب، بل بسبب ثقل المؤسسات المذكورة وتأثيرها في الرأي العام، فمن جهة، هناك السياسي الأمريكي الذي سوف لن يبدي حماسا لدعم ترامب، بمن في ذلك سياسيو الحزب الجمهوري، ومن جهة أخرى الناخب الأمريكي، خاصة كتلة قدماء الجيش وعائلاتهم وموظفي الخارجية والاستخبارات ومؤسسات أخرى، الذين يشكلون ثقلا قويا في حسم الانتخابات بما يفوق 15 مليون صوت. في الوقت ذاته، يبتعد الناخب الإنجيلي الذي صوت بكثافة على ترامب، حيث لا يتعدى الدعم لترامب 50% بدل 90% في صفوف الإنجيليين كما حدث في انتخابات 2016. وأصبح الأمريكي اللاتيني والأمريكي من أصول افريقية ضد ترامب، ولهذا ستكون الهزيمة تاريخية، حيث لن يفيده صوت البيض المتطرفين. ومسبقا يتقدم هذه الأيام المرشح الديمقراطي جو بايدن في استطلاعات الرأي بعشرة نقاط على ترامب.
وكتب ماتيس «علينا رفض وتحميل المسؤولية الى أولئك الذين في المناصب يسخرون من دستورنا… يمكننا تحقيق الوحدة بدون ترامب بعد ثلاث سنوات من القيادة غير الناضجة». لقد حسم الجيش الأمريكي في الانتخابات بهزيمة ترامب مسبقا، ولكن بدون تزوير الانتخابات.

Sign In

Reset Your Password