في ظل الظروف الصعبة التي يمرّ بها الشعب المغربي، مثل باقي شعوب العالم نتيجة الوباء العالمي فيروس كورونا، تفاجئنا الدولة المغربية بقانون يحمل رقم 22. 20 يرمي إلى محاولة التحكم في شبكات التواصل الاجتماعي، وهو ما أدى إلى رد فعل قوي من طرف المجتمع المدني، ولاحقا السياسي، ليتم يوم الأحد الماضي الإعلان عن تأجيله في أفق سحبه نهائيا.
والواقع أن مشروع القانون هذا، جاء في ظروف غامضة، جعلت وزراء من داخل الحكومة يتبرأون منه، وكل الأحزاب تأخذ منه مسافة، بما فيها الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه وزير العدل محمد بن عبد القادر، بل حتى ما يصطلح عليها الأحزاب الإدارية التي صنعتها الدولة. وفجّر وسط المجتمع المدني وبعض القوى السياسية، غضبا وانتفاضة حقيقيين، في شبكات التواصل الاجتماعي رافضة الردة الحقوقية. ويصعب إيجاد إجماع وطني في المغرب خلال العقود الأخيرة، يشمل مختلف الحساسيات الأيديولوجية ضد مشروع قانون، مثلما حدث ضد 20.22، ومن الطبيعي وجود استثناءات محدودة للغاية تطبل وتصفق وتحاول لعب دور شرطي المرور الثقافي والسياسي.
ولم يستسغ المجتمع المغربي هذا القانون لأسباب متعددة، أولا، الظرفية التي جاء فيها، وتتطلب وحدة الوطن في مواجهات الانعكاسات الخطيرة للوباء العالمي، لاسيما تلك التي ستظهر على المستوى الاقتصادي، ومنها مثلا انهيار قطاع السياحة، على الأقل لمدة سنتين. فقد أحس الشعب وكأنه تعرض لضربة على شاكلة «حتى أنت يا بروتس». وعلاقة بشبكات التواصل الاجتماعي، أصبح العالم يعتمد على الإنترنت للعمل والتدريس أساسا، وهناك تأخر في المغرب في هذا المجال، علاوة على فجوة كبيرة بين المدن والقرى، وبين العائلات الغنية والمتوسطة والفقيرة. والوعي التاريخي والوطني، يستوجب تطوير البنية التحتية المتعلقة بالإنترنت والعالم الرقمي، وليس الحد من استعمال البرامج الرقمية للتواصل مثل الفيسبوك.
وفي الوقت ذاته، عدم حاجة المغرب لقوانين جديدة تحد من حرية التعبير والنشر. فهناك تخمة في الترسانة المغربية، تحد من حرية التعبير بشكل صارخ، جعلت المغرب يحتل مرتبة غير مشرفة في التقارير الدولية، مثل تقارير «مراسلون بلا حدود» لا تتناسب وتاريخه ولا دينامية مجتمعه. وما ينتظره المغاربة هو عودة التعقل بالإفراج عن معتقلي الرأي مثل المهداوي وتوفيق بوعشرين وناشطي الحراك الشعبي في الريف وجرادة، ضمن آخرين. ويغلب الهاجس الاستباقي في صياغة هذا القانون، الذي يرغب في تحقيق هدف واحد وهو، الرغبة في التحكم في شبكات التواصل الاجتماعي، بعدما تحولت إلى البرلمان الحقيقي، الذي يناقش فيه الشعب، من خلال صحافيين وناشطي المجتمع المدني والسياسي، القضايا الحقيقية للوطن مثل: مستقبل التعليم ومحاربة الفساد والتوزيع غير العادل للثروة، وكل ما يتجنبه البرلمان الرسمي، أو يعالجه بنوع من الاحتشام الشديد. ولم يعد التلفزيون المغربي أو القنوات الفضائية، تجذب المواطن المغربي، بل البرامج المباشرة «لايف» التي يبثها ناشطون في الفيسبوك ويوتيوب، لأنها تعكس انشغالاته. وهي ظاهرة تتعاظم بشكل لافت للغاية خلال الشهور الأخيرة، وبلغت ذروتها مع الحجر الصحي. وأصبح أبناء الحي الواحد يناقشون قضايا الحي في بث مباشر في الفيسبوك، وأبناء المدينة يفعلون الشيء نفسه، وفي القرى وعلى مستوى الوطن. وبالتالي نحن أمام ظاهرة جديدة لتأسيس وعي وطني عميق بالقضايا الراهنة، بدون تحكم أي طرف في وسائل البث والاستقبال. فقد تحول الفيسبوك إلى آلاف التلفزيونات التي تبث في وقت واحد في المغرب. ومن ضمن الأمثلة، احتضن الفيسبوك ليلة الأحد ندوة نقاش بين زعماء ثلاثة أحزاب رئيسية وهي التقدم والاشتراكية، وحزب الاستقلال، وحزب الأصالة والمعاصرة، واحتضن ليلة السبت الماضي ندوة من تنظيم جريدة «بناصا» بمشاركة خبراء حول هذا القانون، أولا من الصعب إيجاد ندوات مشابهة في قنوات التلفزيون الرسمية، تجمع مختلف أطياف الحساسيات الأيديولوجية، وثانيا، كان الجميع يتحدث بحرية تعبير عالية بدون قيود مسبقة.
وفي ظل الجدل القائم حول هذا القانون: يتساءل المواطن المغربي، أي قوانين يحتاجها الوطن؟ والجواب بالإجماع هو الحاجة الملحة إلى قانون محاربة الفساد المالي لوقف تهريب الأموال، ووضع حد لنهب ممتلكات الشعب، ومحاربة الاغتناء السريع. ثم الحاجة إلى قوانين تضمن وصول الكفاءات إلى المناصب وليس عبر الولاءات، وتحرير الاقتصاد من قيود الريع والمحسوبية. ويتساءل بحسرة: لماذا تتأخر الدولة في إصدار هذه القوانين، التي ستعطي للوطن مكانة مشرفة بين الأمم، وتهتم في المقابل بقوانين تجعله محط انتقاد العالم؟ إذ في ظل الحجر الصحي العالمي، شكلت الدولة المغربية الاستثناء مجددا، فقد كان الدولة الوحيدة التي لم تقم بإجلاء مواطنيها العالقين في الخارج، وها هي مجددا الدولة الوحيدة في العالم التي رغبت في إصدار قانون مجحف ضد الحريات. صدور القوانين ونوعيتها يعكس مستوى وعي الدولة كما يعكس هل تساهم في تقدم الأمة أو الوطن أم لا؟ واعتمادا على المقارنة، وهذه المرة من إسبانيا التي يستحضر المغاربة تجربتها الديمقراطية، بحكم التاريخ المشترك والقرب الجغرافي. يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي، في الوقت الذي تسربت فيه وثيقة مشروع القانون الرامي إلى مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف الحد من حرية التعبير في المغرب، في الوقت ذاته، وفي اليوم نفسه، طرح رئيس حكومة إسبانيا بيدرو سانتيش في البرلمان، تعديل الدستور لحماية قطاع الصحة العمومي من أي محاولة خصخصة، حماية للمواطن الإسباني. هذا نموذج لماذا تتقدم أمم وتتأخر أخرى؟ إنه مستوى الوعي الوطني والتاريخي لكل سلطة.
في غضون ذلك، تجميد قانون 20.22 أو قانون «الكمامة» كما يسميه المغاربة هو انتصار للصحافيين الذين ناضلوا من أجل حرية التعبير، ويقبعون في السجن أمثال المهداوي وتوفيق بوعشرين والمدافعين عن قضايا الوطن العادلة كالصحة والتعليم مثل، ناصر الزفزافي. وإذا كان المجتمع برمته انتفض ضد هذا القانون،
فالمجتمع برمته يطالب بالإفراج عن معتقلي حرية الرأي والحراك الاجتماعي، وعليه، إسقاط قانون 20.22 هو انتصار للمهداوي وبوعشرين والزفزافي ورفاقة وكل المعتقلين.