خلال شهر ديسمبر من سنة 2017، نشرت الآلة الدعائية الإعلامية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان شريطا من الرسوم المتحركة يظهر قيام هذا الأمير بقيادة حرب ضد إيران وغزو هذا البلد واعتقال قياداته الدينية والعسكرية. وبعد مرور أقل من سنتين، تدق الرياض أبواب الغرب طلبا للحماية العسكرية رغم أنها تتوفر على خامس أكبر ميزانية عسكرية في العالم. هذا الوضع المؤسف والحزين هو من نتائج سياسة بن سلمان الذي يحاصر بقراراته السياسية والعسكرية السعودية أكثر من محاصرة دول الجوار لها.
خلال الأيام الماضية، طلبت الرياض رسميا رفقة الإمارات العربية الحماية الأمريكية لبنياتها التحية بعد الضربة الموجعة التي تلقتها في مجمع النفط أرامكو ويفترض وقوف إيران وراءها رغم تأكيد الحوثيين مسؤوليتهم التنفيذية. وهذ الضربة جعلت السعودية تستيقظ من عالم الأوهام ويكتشف الرأي العام الدولي أنها تشكل أكبر التناقضات في التاريخ العسكري.
وبدون شك، تسيطر الدهشة على الرأي العام العربي، إذ تتوفر السعودية على ثالث ميزانية للجيش في العالم في الوقت الراهن بأكثر من 67 مليار دولار متفوقة على روسيا والهند وبريطانيا وفرنسا وألمانيا و30 مرة مقارنة مع ميزانية المغرب وسبع مرات الجزائر وعشر مرات إيران. ورغم هذه الميزانية الضخمة فهي غير قادرة على تحقيق النصر على حركة مسلحة مثل الحوثيين وتستغيث طلبا للنجدة الدولية، وفي هذه الحالة من الولايات المتحدة لمواجهة إيران.
وينشغل الناس منذ سنوات بأكبر الصفقات العسكرية الضخمة التي توقعها السعودية مع الولايات المتحدة، وعندما حانت ساعة الامتحان تبين أنها غير قادرة على استعمال العتاد العسكري الذي تقتنيه فهو يصلح للزينة والاستعراض وأخذ الصور أكثر منها لخوض المعارك لمواجهة الدول التي تهددها. نعم يصلح لقتل الأبرياء في اليمن الجريح.
تراجع العربية السعودية في الوقت الراهن في الساحة الدولية، وبشكل مهين، والظهور بمظهر الدولة الضعيفة أمام جيرانها وخاصة إيران هو نتاج عاملين، الأول هو غياب رؤية استراتيجية للمستقبل وعدم استيعاب التطورات والاعتماد على خبراء غربيين، ثم هيمنة الرؤية الأحادية وغياب أي دور للمؤسسات لاسيما مع حقبة ولي العهد محمد بن سلمان حيث تغلب طموحه الصبياني ليصبح زعيما تاريخيا على مصالح الدولة.
وعلاقة بالنقطة الأولى، لا تستوعب العربية السعودية أنها فقدت الكثير من وزنها على المستوى الدولي وخاصة بالنسبة للولايات المتحدة. وكان الرئيس الأمريكي السابق باراك حسين أوباما واضحا في هذا الشأن في حواره الهام جدا مع مجلة أتلنتيك الأمريكية خلال مارس 2016، حيث قال مخاطبا دول الخليج وعلى رأسها العربية السعودية أنها لم تعد مهمة للأجندة الأمريكية في القرن الواحد والعشرين. وطالبها في المقابل بحل مشاكلها التي تتجلى في الفساد وبطالة الشباب وغياب الديمقراطية. والأبرز في ذلك أن الرئيس الأسبق في الحوار الشهير قام بتبرئة إيران نسبيا من الإرهاب والتسبب في النزاعات بينما اتهم السعودية بنشر التطرف والفوضى وتعهد بعدم خوض أي حرب مستقبلا بالوكالة للدفاع عن دول المنطقة. وجاء الرئيس دونالد ترامب ليؤكد مجددا استحالة خوض الولايات المتحدة حربا للدفاع عن دول الخليج، وهذا لا يعني انهيار قدرة الولايات المتحدة بل لأن الخليج لم يعد أولوية حيوية ورئيسية لدى المؤسسات الأمريكية.
ورغم هذه التأكيدات، استمرت الرياض في وهم الدفاع الأمريكي عنها في حالة نشوب أزمة عسكرية في الخليج، واعتقد آل سعود في هذه الأطروحة بسبب ثقتهم الزائدة في مستشارين أمريكيين باعوا لهم وهم تأييد البيت الأبيض الأبدي للرياض. والآن، تكتشف الرياض الواقع المر، الولايات المتحدة ليست مستعدة للدفاع عنها أمام إيران بل قد يتطور الأمر الى تفاهمات إيرانية-أمريكية مستقبلا على حساب دول الخليج. في الوقت ذاته، أقنع هؤلاء الخبراء آل سعود باقتناء أسلحة أمريكية، وتبين أنها لا تناسب الجيش السعودي. ويعمل هؤلاء الخبراء لصالح شركات التصنيع الحربي الأمريكي التي ترغب في بيع منتوجاتها أكثر بكثير من عملهم لصالح الرياض.
وعلاقة بالنقطة الثانية، تعد السعودية البلد العربي الوحيد الذي يفتقد لمؤسسات الدولة الاستشارية، حيث يغطى رأي الملك أو الأمير. وعليه، يكون هذا الرأي رهين طموحات الجالس في العرش الذي يريد تخليد اسمه في التاريخ مثل ولي العهد الحالي محمد بن سلمان الذي يحلم بإعادة تأسيس سلالة آل سعود وجعل السعودية دولة مركزية في الشرق الأوسط والعالم. ولكن غياب مؤسسات الدولة لتقديم المشورة جعله يساهم في تراجع البلاد وسط المنتظم الدولي لاسيما بعد جريمة اغتيال جمال خاشقجي. وبهذا أصبحت السعودية شبه دولة مارقة، يبتعد عنا الأصدقاء ويسخر منها الأعداء.
اعتاد كتيبة الإعلاميين والمفكرين المرتبطين بآل سعود القول بأن دول المنطقة ومنها إيران وتركيا تريد محاصرة السعودية، وبالتالي منعها من لعب أي دور مركزي في الساحة الدولية، لكن قراءة معطيات الواقع يؤكد أن السعودية محاصرة من طرف تصرفات حكامها وعلى رأسهم محمد بن سلمان بقراراته الصبيانية وليس من طرف جيرانها. وقد حصار السعودية بثلاث قرارات قاتلة وهي: حرب اليمن التي تتكبد السعودية فيها الكثير من الخسائر، اغتيال الصحفي جمال خاشقجي التي جلعت البلاد دولة مارقة في أعين الرأي العام الدولي، ثم محاولة إشعال حرب شيعية-سنية لا يعي نهائيا بنتائجها الوخيمة أساسا على السعودية.