يهتم الرأي العام الدولي كثيرا بمؤتمر المنامة، وهو اهتمام يتناقض والأهمية البسيطة للحدث الذي سوف لن يحمل أي تأثير عميق على مسار السلام في الشرق الأوسط بقدر ما هو بمثابة تمرين دبلوماسي للمبتدئين، وعمل شبيه بالحرب الافتراضية لمستشاري الرئيس الأمريكي ضد إيران وفنزويلا.
وتوجد عوامل متعددة تبرز الأهمية الضعيفة لهذا المؤتمر وهي مزيد بين عوامل عربية ودولية وأساسا أمريكية. وأبرز هذه العوامل هي:
أولا، يعتبر مؤتمر المنامة الذي يحمل صفة مبالغ فيها وهي “صفقة القرن” مبادرة لا تحظى بدعم كل المؤسسات الأمريكية بقدر ما هي مبادرة خاصة بجاريد كوشنير صهر الرئيس الأمريكي، إذ لم تنخرط فيه الإدارة الأمريكية بكل مؤسساتها.
ثانيا، ترفض الدولة العميقة في الولايات المتحدة هذه المبادرة ولم تشارك فيها، إذ لم تروج الاستخبارات الأمريكية للصفقة، علما أن هذه الاستخبارات عندما تكون هناك مبادرات استراتيجية تسعى بمختلف الطرق رفقة وزارة الخارجية الى عقد لقاءات مع سياسيين وكتاب رأي وإعلاميين لإقناعهم وكذلك تنظيم ندوات علنية في الجامعات ومراكز التفكير الاستراتيجي. وهذا ما حدث في مؤتمر مدريد سنة 1991، وكما حدث مع مبادرة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون التي كان مصيرها الفشل. واعتادت الدولة العميقة رعاية المبادرات الحقيقية لأنها تتجاوز الرؤساء وتصبح مسؤولية الدولة الأمريكية.
ثالثا، منطقة معقدة وذات امتدادات دولية متنوعة بين روسيا والصين والغرب وبين ديانات وثقافات تحتاج الى مشاركة مختلف الأطراف للبحث عن حل لنزاع تاريخي معقد مثل الفلسطيني-الإسرائيلي، لاسيما في ظل التطورات نحو عالم متعدد الأطراف بدل عالم أحادي تتحكم فيه الولايات المتحدة. وكانت واشنطن في التسعينات حريصة على إشراك الجميع، وكانت وقتها هي الدولة الأقوى، ولكن الآن بعد عودة روسيا وبزوغ الصين وظهور قوى إقليمية في الشرق الأوسط مثل تركيا وإيران يستحيل الانفراد بمبادرة أحادية دون عمق سياسي وتقوم على الشق الاقتصادي فقط.
رابعا، لا يمكن حل نزاع القضية الفلسطينية في معزل عن الصراع العربي-الإسرائيلي، فهناك الجولان المحتل وهناك جزء من الأراض اللبنانية المتنازع عليها، ولن تسمح سوريا وإيران بهدوء في الشرق الأوسط دون حل شامل لاسيما وأن قدراتهما العسكرية أصبحت تلجم إسرائيل.
خامسا، الوصفة الاقتصادية للحل كانت هي مقدمة مؤتمر مدريد عندما جرى وقتها الترويج الى تحول قطاع غزة والضفة الغربية الى ما يشبه التايوان أو سنغافورة، وصدرت تقارير مسهبة في هذا المجال، وكانت النتيجة لاحقا هي ارتفاع صعوبة العيش في فلسطين، ولم يعد الفلسطينيون يصدقون الوعود الاقتصادية لاسيما صفقة القرن التي تحمل “أحلام” وتجبرهم التخلي عن الكثير مما يتعلق بالأرض وحق العدوة.
وأخيرا، المبادرة الأمريكية لم تحظى بدعم طرف مهم في الغرب وهو الاتحاد الأوروبي المساهم الرئيسي في المساعدات ومالية السلطية الفلسطينية، وتعارض دول الاتحاد المخطط الأمريكي لأنه لا يقوم بشكل واضح على حل الدولتين.
إن مؤتمر المنامة الذي يحمل صفقة القرن هو مظهر من مظاهر التسيب والتشتت وسط مستشاري الرئيس الأمريكي وليس وسط الإدارة الأمريكية العميقة، فهو مثل خزعبلات الحرب ضد فنزويلا وإيران التي روج لها مستشار الأمن القومي جون بولتون، والآن جاء دور وزمن أحلام جاريد كوشنير.