في هذا الجزء الثاني من المذكرة التي تقدم بها حميد المهداوي مدير موقع “بديل” المتوقف عن الصدور، يكشف عن الأسباب التي جعلته لم يبلغ السلطات عما أخبره به المدعو “البوعزاتي”، حينما أخبره بأنه يعتزم “إدخال الدبابات إلى المغرب”، وأن هناك” حقائب من المال تجمع لتصل اإلى الزفزافي ورفاقه”، معتبرا أن كل ذلك كان كذبا، وغير واقعي ولا يمكن تصديقه.
ورد المهداوي في مذكرته الترافعية التي توصل “الأول” بنسخة منها، على محاضر التحقيق التفصيلي الذي أجراه قاضي التحقيق، والتي جاء فيها أن المهداوي “ليست لديه الأهلية لمعرفة ما إذا كان الأمر يتعلق بتهديد جدي لسلامة أمن الدولة الداخلي أولا”، حيث يقول المهداوي إنه يمتلك الأهلية الكاملة لذالك، مستندا على أربع جوانب، “دستوية، وقانونية، وواقعية، وأخلاقية”، تجعله يقيم المعلومات التي أخبره بها البوعزاتي في المكالمات التي جمعت بينهما.
بالإضافة إلى أن المهداوي يشير في هذا الجزء من مرافعته إلى أنه صحفي يتلقى العديد من المعلومات لكنه لا ينشرها جميعا، بل ينشر الأخبار التي يتأكد من صحتها، متسائلا: كيف أبلغ عن أخبار لم أنشرها؟.
وجاء في هذا الجزء من مرافعة المهداوي المكونة من 26 صفحة: “السيد الرئيس المحترم السيدان المستشاران المحترمين” :
يقول السيد قاضي التحقيق بأنه لا أهلية لي لمعرفة ما إذا كان الأمر يتعلق بتهديد جدي لسلامة أمن الدولة الداخلي أم لا، والحال أنه لي الأهلية الكاملة من جوانب أربعة أحدها دستوري والثاني قانوني والثالث واقعي والرابع أخلاقي.
من الناحية الدستورية يفيد الفصل الثالث من الدستور أن الإسلام هو دين الدولة وقوامه القران الكريم الذي يحثنا جميعا مواطنين ومسؤلين فبالأحرى صحفيين على تقييم مدى صحة أوكذب المزاعم أو الإدعاءات قبل نشرها أو التبليغ عنها إستنادا إلى قوله تعالى:
صدق الله العظيم.
وطبعا ليس هناك فاسق في العالم أبشع من هذا الفاسق الشبح الذي أكدت التطورات اللاحقة وأطوار المحاكمات صحة هواجسي منه في إبانه حين رأيته مجرد كذاب لا أساس لمزاعمه وترهاته.
ثم هناك الجانب الأخلاقي يدعونا جميعا إلى عدم إزعاج المؤسسات بالتفاهات وتضييع وقت مسؤوليها ووقتنا بما تبث لدينا عدم صحته بأكثر من دليل قاطع.
أما الجانب الواقعي فله وجهان:الأول مرتبط بكوني صحفي تلقيت ألاف الأخبار الزائفة خلال مشواري المهني، بل كنت أحيانا ضحية لمثل هذه الأخبار الزائفة بعد نشرها من قبيل إنفجار سيارة في مكناس سنة 2015 قبل إدانتي إبتدائيا، كما أدنت في إبتدائية الدار البيضاء بعد إتهامي بالتبليغ عن جريمة خيالية يعلم بعدم حدوثها وكما يقول المغاربة في مأثورهم الشعبي” لي عضو لحنش تيخاف من الشريط”.
أما الوجه الثاني الجانب الواقعي فهو متعلق بخصوماتي المتعددة مع العديد من الأطراف الحزبية والأمنية والحقوقية والبرلمانية والحكومية والجمعوية، بحكم مهنتي وخطي التحريري المستقل والمزعج لأكثر من جهة، الأمر الذي يجعلني في حالة إستنفار دائمة تجاه أي فخ أومصيدة للإيقاع بي مما يجعلني مجبرا على التريث والتمحيص والتدقيق في أي مزاعم قد تصلني قبل نشرها، إذ لوكانت هذه المزاعم صالحة للتبليغ عنها فهي أولى بالنشر قبل ذلك، إذ كيف أبلغ عن مزاعم وأنا لم أنشرها أليست مهنتي هي نشر الأخبار؟
أما أهليتي القانونية وهي الجانب الرابع فهي ساطعة سطوع الشمس من خلال منطوق الفصل 445 من القانون الجنائي الخاص بالوشاية الكاذبة و منطوق الفصل 264 من القانون الجنائي الذي يحذر جميع المغاربة من مغبة إهانة السلطات القضائية والإدارية عبر التبليغ عن وقوع جريمة خيالية أوتقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية، حيث ينص الفصل 264 على مايلي:” يعتبر إهانة ويعاقب بهذه الصفة قيام أحد الأشخاص بالتبليغ عنوقوع جريمة خيالية أو تقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية”.
فكيف أعرفها أدلة زائفة إذا لم أخضعها لمنطق عقلي الخاص؟ ثم كيف جاء الحديث عن الجريمة في هذا النص هل حدد المشرع طبيعتها عما إذا كانت جريمة ضد أمن خاص أم عام؟ ثم هل جاءت الإشارة هنا للجريمة مقتصرة على الأمن الخاص أم جاءت بصيغة العموم، أي كل جريمة بصرف النظر عن طبيعتها ومرتكبيها وأهدافهم وضحاياهم؟ ثم هل كان المشرع غافلا أن يضيف عبارة صغيرة في مستهل هذا النص لتعفينا من هذا اللغط المجاني بإضافة مثلا عبارة”بإستثناء جرائم أمن الدولة” وبالتالي سيرد الفصل 264 على الشكل التالي،” بإستثناء جرائم أمن الدولة يعتبر إهانة ويعاقب بهذه الصفة قيام أحد الأشخاص بالتبليغ عنوقوع جريمة خيالية أوتقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية”.
ثم أين يتموقع الفصل 264 في القانون الجنائي، ألم يأتي لا حقا عن الفصل 209 فما الذي يمنع المشرع من إضافة العبارة المفترضة أعلاه؟ ثم ألا تدخل جريمة التبليغ عن جريمة خيالية أو تقديم أدلة زائفة في باب الجرائم المرتكبة ضد النظام العام؟ ثم هل كان المشرع جاهلا أم غافلا ليضيف عبارة:” حتى لو بدت هذه الخطط والأفعال زائفة لمن علم بها “، وذلك في الفصل 209 من القانون الجنائي الذي منطوقه الحالي كما هو مضمن بالقانون الجنائي:” يأخد بجريمة عدم التبليغ عن المس بسلامة الدولة ويعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات كل شخص كان على علم بخطط وأفعال تهدف إلى إرتكاب أعمال معاقب عليها بعقوبة جناية ورغم ذلك لم يبلغ عنها فورا السلطات القضائية أو الإدارية أو العسكرية لمجرد علمه بها”، حيث سيصبح النص المفترض والمقترح على الشكل التالي:”يآخد بجريمة عدم التبليغ عن المس بسلامة الدولة ويعاقب بالحبس منسنتين إلى خمس سنوات كل شخص كان على علم بخطط وأفعال تهدف إلى إرتكاب أعمال معاقب عليه بعقوبة جناية ورغم ذلك لم يبلغ عنها فورا السلطات القضائية أو الإدارية أو العسكرية لمجرد علمه بها، حتى ولو بدت هذه الخطط والأفعال زائفة لمن علم بها”.
أكثر من هذا هل كان المشرع قاصرا أم جاهلا أم غافلا عندما لم يفرض نصا صريحا يكون حجة عليّ وعلى غيري ضمن الباب الخاص بالجرائم المرتكبة ضد أمن الدولة الداخلي والخارجي بأن يصوغ فصلا على الشكل التالي مثلا” بالنظر لحساسية أمن الدولة وقدسيته، يلزم جميع المغاربة بالتبليغ عن أي خطط أو أفعال تمس أمن الدولة قد تبلغ إلى علمهم، وأنه لا حق لأحد في إخضاع ما يصله من خطط وأفعال إلى منطقه الخاص حتى ولو بدت له هذه الخطط والأفعال مجرد أدلة زائفة أوتلقاها في لحظة هزل”.
طبعا المُشرع ليس بغافل ولا هو بجاهل، لأنه مدرك تمام الإدراك أنه إذا فُتح الباب لهذا الأمر ستكون هناك تداعيات خطيرة على صورة المؤسسات ورموزها ولا وجدنا أنفسنا أمام العبث بعينه، إذ يمكن لأي شخص أن يتصل بك ويختار زمن وجود إضطرابات ويخبرك بأن صواريخ ودبابات ستدخل من سبتة ومليلية لقلب النظام، وأن زعيم سياسي تافه أوشاب عادي جدا سيصبح ملكا بدل العاهل المغربي الملك محمد السادس كما حدث مع هذا المشبوه، الذي أخبرني أنه سيجعل الزفزافي ملكا وسيزحف رفقة أخرين بدبابات إلى الحسيمة لإحداثثورة وهو لا يملك”روشارج” هاتف، قبل أن يعينوا الصحفي المهدوي رئيسا على الريف؟؟؟ ثم لنفترض مثلا أن شخصا أختار الضحك معي بالحديث عن طرائف تتضمن مزاعم عن جرائم تمس أمن الدولة وأكد لي المتحدث فقط أنه يمزح معي وقد تبينت مزاحه، فما الذي يمنع القضاء بمنطق السيد قاضي التحقيق من أن يتابعني بتهمة عدم التبليغ بمبرر ” ماشيشغلك نحن من نميز بين الجد والهزل”.
ثم ما هو سند السيد قاضي التحقيق في القانون الجنائي للقول بعدم أهليتي؟ هل هناك سند في القانون يخص صراحة المؤسسات الرسمية لوحدها بسلطة التقييم ؟ثم كيف علم السيد قاضي التحقيق بعدم أهليتي، هل لديه وثيقة طبية تثبت عجزي الفكري أوالنفسي؟ هل بين يديه وثيقة تؤكد التحجير علي أم تؤكد أني طفل قاصر؟ لماذا سيدي الرئيس المحترم سأتحمل مسؤولية فراغ قانوني لست مسؤولا عنه إذا كانت السلطات وحدها المؤهلة لتقييم المزاعم الخاصة بأمن الدولة؟والأطرف سيدي الرئيس إذا لم تكن لي الأهلية فلماذا تسائلونني جنائيا؟
أكثر من هذا هل يوجد نص قانوني يحصر مجال تحرياتي كصحفي حول الأخبار التي أتلقاها ؟ هل هناكنص في القانون الجنائي أو قانون الصحافة حصر مجال التحريات فقط بخصوص الأخبار التي تهم حياة خاصة أو أمن خاص؟ أم أن مسؤوليتي في التحري كصحفي تشمل جميع الأخبار التي أتلقاها قبل نشرها ؟ فإذا كان مجال تحرياتي غير محصور ويشمل حتى ما له علاقة بأمن الدولة وتبين لي بالدليل المادي الملموس بعد التحريات زيف خبر ما يتعلق بأمن الدولة فما جدوى التبليغ عنه وأنا لم أنشره على موقعنا الإخباري؟
مرة أخرى أتساءل معكم السيد الرئيس المحترم هل أنا نجار أم لحام أم خياط للملابس التقليدية؟ أليست مهنتي نشر الأخبار، فكيف أبلغ عن شيئ لم أنشره ؟ وإذا لم أكن قد نشرته فمعنى هذا أني وقفت على زيفه، فكيف أبلغ عن أخبار زائفةوهناك فصل في القانون الجنائي وهو الفصل 264 يحذرني من مغبة تقديم أدلة زائفة متعلقة بجريمة خيالية للسلطات؟.