رفعت روسيا من وجودها العسكري في مياه البحر الأبيض المتوسط وخاصة شرقه بسبب النزاع السوري الى مستويات قياسية في تاريخ البحرية الروسية. وهذا الحضور القوي هو مؤشر على تعزيز الاستراتيجية العسكرية للكرملين في معالجة قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها الملف السوري في الوقت الراهن وقد يمتد الى ليبيا مستقبلا.
وانضمت خلال الأسبوع الجاري السفينة الحربية “سميتليفي” إلى مجموعة القطع البحرية الروسية المتواجدة في شرق المتوسط بشكل دائم. وتفيد وزارة الدفاع في موسكو بأن الأسطول الروسي في المتوسط يضم حاليا 15 قطعة بحرية بين قتالية ومساندة بقيادة الطراد “موسكفا” (“موسكو”).
وينتظر مع بداية الصيف المقبل وصول حاملة الطائرات العملاقة “الأميرال كوزينيتسوف” الى مياه البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق لتكون على رأس الوحدات الحربية الروسية. وتكون القيادة العسكرية في موسكو قد وضعت بعض أهم سفنها الحربية في المتوسط. ويضاف الى هذا وجود غواصات روسية متطورة للغاية في المنطقة.
ولم يسبق لروسيا أن وضعت أسلحة بحرية متطورة من هذا الحجم في شرق المتوسط والشرق الأوسط عموما أو تموقعت أسلحة دول ما بهذا الشكل القوي والبارز باسثتناء الولايات المتحدة إبان حربها ضد العراق سنتي 1991 و2003. وفي تصريحات للفينانشيال تايمز 2 نوفمبر الماضي، قال رئيس العمليات البحرية الأمريكية الأميرال جون ريتشاردسون أن النشاط الروسي في البحر الأبيض المتوسط لم نشهده منذ عقدين.
وعمليا، لا تهدف روسيا الى استعراض قوتها العسكرية من وراء هذا التمركز الحربي أو تأكيد حضورها في البحر المتوسط، رغم ارتفاع أهمية هذا البحر في مخططاتها رفقة الصين حيث أجريا مناورات عسكرية الصيف الماضي بل الأمر يرتبط أساسا بتطورات الحرب في سوريا وكذلك ما قد يجري في ليبيا مستقبلا.
وعلاوة على السلاح الجوي المتمركز في قواعد سورية في هذا البلد العربي، فالقطع البحرية توفر قوة نارية كبيرة سواء من المقاتلات عند وصول حاملة الطائرات “الأميرال كوزينيتسوف” أو تدخل المروحيات والقصف من الغواصات والسفن.
وعمليا، تفيد التحاليل العسكرية أن روسيا ترغب في الرفع من مستوى الطاقة النارية ابتداء من نهاية الربيع عبر تكثيف القصف ضد المعارضة السورية بمختلف توجهاتها من جهات مختلفة من قواعدها في الأراضي السورية ومن مياه البحر وتنسيق عمليات الجيش السوري ومقاتلي إيران وحزب الله مع الكوماندوهات الروسية. وذلك بهدف حسم الملف السوري قبل نهاية الصيف المقبل. وقامت خلال ديسمبر الماضي بتجريب قصف داعش من غواصة “روستوف نا دونو” من البحر المتوسط.
وتراقب الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى التمركز البحري الروسي بقلق حقيقي، وكانت تحاليل عسكرية في أوروبا وروسيا لا تستبعد حدوث تدخل عسكري روسي “انتقائي” في ليبيا ضد مقاتلي ومراكز داعش بتنسيق مع كل من مصر والجزائر، وذلك عبر القصف الجوي والبحري وعمليات كوماندوهات دون تورط بري. وهناك مناورات مصرية-روسية لإنزال المظليين مبرمجة بين البلدين، وهو قد يكون مؤشرا في هذا الاتجاه.
وتتجلى العقيدة العسكرية الروسية في القضاء على بؤر الخطر الإرهابي الذي يتهدد التمركز العسكري الروسي الجديد في العالم، وتحولت ليبيا الى بؤرة خطر على مصالح الكرميلين في البحر الأبيض المتوسط. وكان الرئيس الروسي فلادمير بوتين قد لمّح في خطاب له يوم 6 نوفمبر الماضي الى ضرورة حماية الروس في ليبيا، كما تقدمت موسكو الى مجلس الأمن بتزويد الجيش الليبي بالسلاح، وكانت أصوات ليبية قد طالبت بتدخل الروس بعدما تدخلوا في سوريا.