بدأ نزاع الصحراء يتحول الى الى عامل مؤثر بشكل ملحوظ في صياغة علاقات المغرب بالاتحاد الأوروبي كتكتل وكدول منفردة، وذلك بعدما قرر البرلمان الهولندي بشقيه إلغاء اتفاقية الضمان الاجتماعي المغربية-الهولندية على خلفية هذا النزاع.
في هذا الصدد، كان مجلس النواب الهولندي قد صوت يوم 19 يناير الماضي بأغلبية مطلقة على إلغاء اتفاقية الضمان الاجتماعي بين المغرب وهولندا والتي كانت جري التفاوض بشأنها منذ أربع سنوات لتعويض اتفاقية تعود الى سنة 1972 أي قبل انفجار نزاع الصحراء.
وبعد مجلس النواب، صوت مجلس الشيوخ الهولندي مساء الثلاثاء من الأسبوع الجاري على إلغاء الاتفاقية بعدما أصر المغرب على إضافة منطقة الصحراء الى الاتفاقية. وكانت أحزاب اليمين واليمن المتطرف الأكثر رفضا لهذه الاتفاقية، إذ تحولت الى الهيئات السياسية التي تستحضر الصحراء بعدما كان الملف يحضر في خطابات اليسار الهولندي فقط في الماضي.
وحاول نواب بعض الأحزاب اليسارية تفهم مطالب المغرب وفصل الطابع السياسي عن الاتفاقية، لكنهم فشلوا أمام إصرار الأغلبية التصويت على القرار.
وجاء إعادة النظر في الاتفاقية بسبب قرار حكومة هولندا جعل التعويضات الاجتماعية للمتقاعدين واليتامى والأرامل تتماشى ومستوى العيش في بلد الإقامة إذا كانوا خارج هولندا. ونظرا لوجود نسبة عالية من المغاربة الذين عملوا في هذا البلد الأوروبي والتحقوا بالمغرب، فقد أصبحوا معنيين بالاتفاقية.
وإلغاء الاتفاقية الذي سيدخل حيز التنفيذ ابتداء من بداية السنة المقبلة، يعني أساسا تحويل مؤسسة الضمان الاجتماعي للمصاريف أو التعويضات الاجتماعية دون الاعتماد على أي اتفاقية وكذلك دون توصل المغاربة المقيمين في الصحراء بهذه التعويضات، أي عليهم فتح حسابات بنكية وعناوين في شمال البلاد وليس في مدن مثل العيون والداخلة واسمارة. وكان وزير الهجرة أنيس بيرو قد قال مؤخرا أن المغرب لن يقبل باتفاقية لا تضم الصحراء التي يعتبرها أراض مغربية.
ويخلف القرار وسط أفراد الجالية المغربية في هولندا استياءا لانعكاساته السلبية على الجالية المغربية في الحاضر ومستقبلا، ويوجهون الانتقادات لفشل الدبلوماسية المغربية في الدفاع عن هذا الملف.
ويعتبر قرار البرلمان الهولندي بإلغاء الاتفاقية نموذجا من النماذج التي تكشف كيف تحول ملف الصحراء الغربية الى عامل محدد في الكثير من الأحيان للعلاقات المغربية مع الاتحاد الأوروبي ومع بعض الدول بل وكذلك مع بعض الهيئات التجارية. ومن ضمن الأمثلة المتعلقة بالنقطة الأخيرة، فقد قررت سلسلة من المتاجر الكبرى في سويسرا “كوب” عدم توزيع اي منتوج قادم من منطقة الصحراء تحت ذريعة أنهم لم يتم الحسم في سيادة المنطقة.
وقبل هذا القرار، كان حكم المحكمة الأوروبية بتجميد اتفاقية التبادل الزراعي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب للأسباب نفسها، أي استمرار النزاع حول السيادة على الصحراء. وتوجد الأمثلة الأخرى التي تكشف مدى أهمية الصحراء في إعادة صياغة العلاقات المغربية-الأوروبية ومنها الأزمة السويدي-المغربية منذ شهور خلت.
وفي محاولة منه لتجاوز هذا الوضع، قام المغرب مؤخرا بتعيين عدد من السفراء الذين ينتمون الى المجتمع المدني والحقوقي في سفارات مهمة مثل الدنمرك والسويد وبروكسيل للتحاور مع الحركات السياسية الأوروبية المؤيدة لجبهة البوليساريو والتي تقف وراء مبادرات من هذا النوع.
ويجمع الكثير من المحليين أن المغرب ارتكب خطئا فادحا عندما لم يدرك التغييرات السياسية والاجتماعية الواقعة في أوروبا منذ أكثر من عقد والتي تتجلى في صول سياسيين شباب قادمين من أحزاب سياسية يسارية والمجتمع المدني تربطهم علاقات قوية بالنشطاء المدافعين عن تقرير المصير في نزاع الصحراء. وكان إدراكه المتأخر غير كافي لمواجهة التحديات الحالية.