خلال الأسبوع الماضي، وضعت مواطنة مغربية شريط فيديو في موقع يوتوب تستغيث فيه من وضعيتها الشبيهة بالمعتقلة في سجن في منزل تشتغل فيه بالعربية السعودية، وكان رد المغاربة قويا وعنيفا في آن واحد، قويا فيما يتعلق بالتضامن وعنيفا في ردود الفعل في وصف العربية السعودية. وهذه الحالة هي مظهر من مظاهر عتاب المغاربيين تجاه الخليج العربي، تتبلور وتتخذ أبعادا خطيرة نحو إقامة جدار نفسي بين الطرفين بل الى مستوى أن الخليجي بدأ يشكل الآخر لدى المغاربيين.
مباشرة بعد نشر هذا الشريط، أقدم مغاربة آخرون يعيشون أوضاعا شبيه في السعودية والخليج العربي على نشر أشرطة، والنتيجة تعابير السب تجاه الخليج العربي.
في منطقة المغرب وخاصة المغرب وتونس ونسبيا في موريتانيا، حيث عمالة أو يد عاملة هامة توجهت الى العمل في الدول الملكية الخليجية، هناك انتقادات وعتاب حول ما يتعرض له أبناء المغرب العربي على يد الخليجيين، وتحولت الى نقد شديد وعنيف وعنوانه العريض: لماذا تعامل أوروبا المسيحية مهاجرينا أحسن بكثير من الخليج العربي المسلم؟
المقارنة بين الطرفين مستفزة، ولكنها تبقى واقعا حقيقيا مرا يتعاظم مع مرور الزمن خاصة بعد الربيع العربي. ويحاول بعض الكتاب والاعلاميين تبرير تصرفات بعض دول الخليج مع اليد العاملة بسبب غياب تقاليد للتعاطي مع العمالة الوافدة، فهذه الدول ما زالت في طور البحث عن نماذج اجتماعية تنقلها من البداوة الى الحداثة الاجتماعية والسياسية. قول صائب الى حد ما، فالخليج تقدم على مستويات مظاهر العيش من عمران وتطبيب ولكنه متخلف جدا على مستوى الشكل السياسي وأشكال التعامل الإنساني مع الآخر، الوافد للعمل، باستثناء إذا كان أشقرا وقادما من الغرب فحظه أحسن بكثير من حظ القادم من العالم الإسلامي والعربي. وبالتالي لماذا احترام الغربي وإذلال العربي.
ولم يعد العتاب والانتقادات تقتصر على مجال الهجرة وما تتعرض له من خروقات، بل ينتقل الى ما هو سياسي بامتياز. في أعقاب اندلاع الربيع العربي وانتفاضة الشعوب من أجل الديمقراطية، تعجب المغاربة من هرولة الأنظمة الملكية الخليجية الى تقديم مساعدات مالية واقتراح ضم المغرب الى مجلس التعاون الخليجي لدعم المؤسسة الملكية المغربية من خلال ما يفترض دعم “الاستقرار الاجتماعي” بميزانيات مالية مكملة.
وهذا التعجب مرده الى وجود في الوقت الراهن شبه إجماع حول الملكية في المغرب، فمع وجود نسبة من الجمهوريين الذين لا تأثير قوي لهم في الساحة السياسية،فمعظم الشعارات تذهب نحو “ملكية تسود ولا تحكم”. وعليه، فالدعم الخليجي لا يجب استهداف تقوية الملكية التي لا تحتاجه بقدر ما يجب الاستفادة وتقليد تجربة صندوق التماسك الأوروبي، حيث تعمل الدول الأوروبية الغنية مثل المانيا وهولندا والسويد وفلندا على تنمية شعوب دول جنوب أوروبا مثل البرتغال واسبانيا واليونان.
وتعتبر التجربة الأوروبية رائدة في هذا المجال، فقد ساعدت الدول الأوروبية الفقيرة على تطوير نفسها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وأصبحت اسبانيا الآن بفضل هذا الدعم، و بفضل عمل شعبها أساسا، تحتل المراكز 15 الأولى في الاقتصاديات العالمية.
والنموذج الأوروبي هو الذي يطالب به المغاربة مثل باقي دول أخرى مثل تونس والأردن من الخليجيين، ويتجلى في دعم حقيقي لقطاعات الإنتاج التي توفر مناصب الشغل وليس الاستثمار في الخوصصة (الخصخصة). في الوقت ذاته، يطالبون بدعم حقيقي لبرامج التعليم الجامعي في دول مثل المغرب الذي يتوفر على رأسمال بشري هام ولكن تنقص الموارد الاقتصادية لتحقيق قفزة نوعية. ويطالبون بالتعامل الإنساني مع المهاجرين ليس فقط المغاربة أو الموريتانيين بل من مختلف الجنسيات أو على الأقل التعامل معهم مثل “المهاجرين القادمين من الغرب”.
كل دراسة للرأي العام المغاربي تجاه الخليج ستكشف مدى تدهور صورة الخليحي وسط هذه المجتمعات، فالخليجي، وفق المخيلة المغاربية وكذلك وسائل الاعلام، أصبح هو المعرقل للديمقراطية، والباحث عن الجنس وهو ما جسده فيلم “الزين لي فيك: لنبيل عيوش، والمحتقر لليد العاملة المغاربية، والراغب في فرض ثقافته واحتقار خصوصية الآخر و…
هذه الصورة لا يمكن تعميمها بشكل كبير ولكنها جزء حقيقي من واقع مر. وتبرز هذه المخيلة بحدة عندما تقع أحداث سياسية ضخمة مثل حرب اليمن. وعاتب الكاتب الخليجي عبد الله مسفر في مقال له موقف المغاربة، تقول الفقرة:
“نستغرب، نحن الشعب في الخليج العربي، هذا الموقف من الأحزاب والنخب السياسية المغربية تجاه مناصرة عاصفة الحزم، ونذكّر إخواننا في المغرب بأن دول مجلس التعاون وقفت إلى جانبهم في مسألة الصحراء، في كل المحافل الدولية، ولم تبخل دولنا الخليجية بتمويل مشاريع التنمية في المغرب، بل طرحت السعودية المملكة المغربية لتكون العضو السابع في دول مجلس التعاون، فلماذا هذا الجفاء تجاهنا من منظمات المجتمع المدني والخبراء الدستوريين وقادة الأحزاب المغربية من طلب المملكة السعودية وحلفائها في مناصرة الحكومة الشرعية اليمنية ومناصرة عاصفة الحزم؟
تاريخيا، كان “الآخر” هو المسيحي والنصراني والغربي عموما وفق ثنائية “الشرق والغرب”، ولكن بدأ يتبلور “آخر” الآن” وسط العالم العربي وللمغاربيين أساسا وهو الخليجي، آخر يتقاسم المذهب نفسه ضمن المعتقد الواحد، واللغة نفسها، وجزء من التاريخ بل وكان كتلة واحدة في مواجهة الآخر التاريخي: الغربي.
لنترك الشعارات البراقة جانبا، الأحداث الاجتماعية والسياسية بدأت تشيد سورا نفسيا بين المغرب العربي والخليج العربي دون إدراك منا، أو بدافع الصمت وغياب الشجاعة الثقافية، وتتخذ بعدا مقلقا تتجاوز السياسي المحدود الى ما هو اجتماعي وثقافي شامل، وهذا مشكل يتطلب المعالجة الآنية.