في واحدة من الدعاوى التي أثارت جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية، طالب مسؤول مغربي بمنع صحفي من مزاولة المهنة 10 سنوات.
المسؤول الكبير في وزارة الاقتصاد المغربية، والذي يشغل منصب مدير الميزانية، ورئيس الجامعة الملكية لكرة القدم، فوزي لقجع، رفع دعوى قضائية ضد توفيق بوعشرين، مدير يومية “أخبار اليوم” (خاصة)، يطالب فيها بـ “منعه من ممارسة المهنة 10 سنوات”، وبغرامة مالية كبيرة تبلغ مليون درهم مغربي (حوالي 105 آلاف دولار)، على خلفية نشر بوعشرين افتتاحية، بعنوان “قوالب (تدليسات) الوزراء”، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يقول فيها إن وزير الفلاحة، عزيز أخنوش، ووزير الاقتصاد والمالية، محمد بوسعيد، ومدير الميزانية، فوزي لقجع، “نصبوا فخا مدروسا لرئيس الحكومة”، وأن هذا الأخير سقط ضحية “مقلب سياسي ومالي”.
الفخ المقصود في افتتاحية بوعشرين هو أن الثلاثي المذكور، “لم يخبروا رئيس الحكومة بوجود تغيير في المادة 30 من مشروع قانون المالية لسنة 2016، والذي بموجبها تم سحب التوقيع من رئيس الحكومة على ميزانية صندوق تنمية العالم القروي، التي تبلغ 55 مليار درهم مغربي (حوالي 6 مليارات دولار)، وإعطائه لوزير الفلاحة، دون إذن ولا حتى إخبار لبنكيران (رئيس الحكومة)”، حسب كاتب الافتتاحية، الذي اعتبر أن هذا الأمر يعني أن وزير الفلاحة سيصبح “رئيسا لحكومة مصغرة” تصرف مليارات الدراهم الآتية من ميزانيات وزارات عدة، على رأسها التجهيز والنقل والداخلية والصحة والتعليم والماء والكهرباء.
وتساءل بوعشرين “لماذا لم تتم مصارحة رئيس الحكومة بهذا التغيير الجذري في مشروع قانون المالية؟ ولماذا سكت وزير المالية ومدير الميزانية في وزارة المالية ووزير الفلاحة عن هذا الأمر، الذي “دُس” بعناية بين الأوراق الكثيرة للقانون المالي، حتى يمر بسلام من تحت الطاولة في المجلس الحكومي”، خالصا إلى أن هذه “النازلة”، انتفى فيها مبدأ حسن النية والثقة المفروضة بين رئيس الحكومة ووزرائه، وبين الحكومة والإدارة الموضوعة دستوريا تحت تصرف رئيس الحكومة.
تساؤلات اعتبرها فوزي لقجع، الذي يعتبر من المقربين من دوائر صنع القرار المالي والرياضي في المغرب، اتهامات “تمس سمعته وشرفه المهني”، يتطلب التكفير عنها الحكم بمنع كاتبها من الصحافة عشر سنوات، وغرامة مالية تقدر بمليون درهم مغربي.
حادثة مطالبة المسؤول المغربي بمنع صحفي من مزاولة الصحافة لعشر سنوات، ليست الحادثة الغريبة الوحيدة في حكايات المسؤولين المغاربة مع الصحافة، بل إن رئيس بلدية قلعة السراغنة (وسط)، نور الدين أيت الحاج، طالب في شكوى لرئيس محكمة قلعة السراغنة، باتخاذ تدابير “وقائية”، تمثلت في “التجريد من الحقوق الوطنية، والإيداع القضائي داخل مؤسسة لعلاج الأمراض العقلية، والوضع القضائي في مؤسسة فلاحية”، بحق مدير نشر جريدة “المساء” (الأكثر مبيعا في المغرب) عبد الله الدامون، والصحافي عزيز العطاتري مدير مكتب الجريدة بمراكش (وسط)، إضافة إلى منع الجريدة من الإصدار، ومنع صحافييها من مزاولة مهنة الصحافة لمدة 10 سنوات.
والأغرب أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل زاد المشتكي إليها “إسقاط الحق في الولاية الشرعية على الأبناء، وعدم الأهلية لمزاولة جميع الوظائف أو الخدمات العمومية، والحرمان النهائي أو المؤقت من الحق في المعاشات”، في حق هؤلاء الصحفيين.
كل ذلك جاء على خلفية نشر الصحفي عزيز العطاتري خبرا يتعلق بملف قضائي يتابع فيه رئيس بلدية قلعة السراغنة، من قبل النائب العام، إلى جانب مسؤولين بالمدينة، بتهمتي “تبديد أموال عمومية وتزوير وثائق رسمية”، المعروض على قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال، والذي من المنتظر أن ينهي تحقيقاته بخصوصه خلال الأيام المقبلة.
وفي تصريحات للأناضول، استغرب محمد العوني، رئيس منظمة حريات الإعلام والتعبير بالمغرب (غير حكومية)، أن يطلب مسؤول مغربي بمنع صحفي من الكتابة ومزاولة مهنته، معتبرا أن هذا الأمر “يذكر بالعهود البائدة”.
وأضاف العوني أن مطالبة مسؤولين مغاربة بالمنع من مزاولة المهنة “ضرب لمبادئ وقواعد ومعايير حرية التعبير عموما، وحرية الإعلام بصفة خاصة، ومس مباشر بالعمل الإعلامي”، وأنه “لا يمكن بأي حال تبرير هذا الأمر بجبر الضرر، الذي قد يكون لحق هذا المسؤول”.
وقال العوني، إن المسؤولين المغاربة، بهذا السلوك، يثبتون أنهم لم يستوعبوا بعد أدوار ووظائف الإعلام والصحافة القائمة على البحث عن الحقيقة وتقديمها للمواطنين والمواطنات، مشددا على أن “الإعلام حلقة مركزية في العملية الديمقراطية، ليس فقط باعتباره وسيطا بين المواطنين وصانعي القرار، ولكن باعتباره سلطة موازية لجميع السلطات الأخرى”.
واستذكر العوني سابقة الحكم على الصحفي المغربي، علي المرابط، سنة 2005 بالمنع من مزاولة مهنة الصحافة، ليقول إن “المسؤولين المغاربة لم يستوعبوا درس علي المرابط، الذي جعل المغرب يقدم ضمن الاستثناءات البارزة على المستوى العالمي في انتهاك حرية الصحافة”، خاتما بالقول إن سلوكا من هذا النوع “يشوه صورة المغرب، ويضر بكل الرصيد الحقوقي الذي راكمه”.
من جهته قال علي كريمي، أستاذ قانون الإعلام والحريات العامة، للأناضول، إنه بغض النظر عن الحادثة في حد ذاتها، فإن المنع من مزاولة المهنة، من الناحية المبدئية، موجود في القانون الجنائي، وليس في قانون الصحافة، وإن المطلب التاريخي للحقوقيين المغاربة والمشتغلين في الإعلام، هو إلغاء كل ما يتعلق بالمنع من مزاولة الصحافة في القانون الجنائي، وكذا عدم محاكمة الصحفيين في قضايا متعلقة بالنشر، وفق القانون الجنائي بل وفق قانون الصحافة”.
حادثة المطالبة بالحكم بالمنع من مزاولة الصحافة بالمغرب، ليست جديدة، ففي سابقة حكم القضاء المغربي في نيسان/ أبريل 2005 بمنع الصحفي، علي المرابط، من العمل في الصحافة بالمغرب لمدة 10 سنوات، استمرت إلى نيسان/ أبريل من العام الحالي، إضافة إلى إغلاق الجريدتين اللتين كان يرأس تحريرهما “دومان” الناطقة بالعربية و”Demain Magazine” بالفرنسية.
كما أن المرابط أدين سنة 2003 بتهمة “الإساءة إلى الذات الملكية” وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات، لكنه خرج بعفو ملكي مطلع 2004.
وينص القانون الجنائي المغربي الحالي، على الحكم بحرمان الصحفي من ممارسة المهنة، من سنة واحدة إلى عشر سنوات، إذا نشر إهانة للدين الإسلامي والنظام الملكي أو التحريض على الوحدة الترابية، على إحدى وسائل الاعلام. ومن المنتظر أن تدخل تعديلات جوهرية على القانون الجنائي المغرب، بعدما أعدت وزارة العدل والحريات، مسودة جديدة للقانون، وينتظر أن تتداول فيه الحكومة، بعدما طرحتها للنقاش العمومي.
المنع من مزاولة المهنة والغرامات الكبرى.. سلاح مسؤولين مغاربة ضد الصحفيين
مدير تحرير يومية أخبار اليوم، توفيق بوعشرين