شخصيات السنة: بوتين شخصية 2015 وبيل غيتس ومارك زوغبرغ “فايسبوك” دخلا تاريخ البشرية

مارك زوغبرغ مخترع الفايسبوك

نشرت المجلة الأمريكية «فوربس» الأسبوع الماضي لائحة 73 شخصية الأكثر تأثيرا في العالم. وهي اللائحة التي قد نتفق أو نختلف مع معاييرها السياسية أساسا. وإذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد احتل المركز الأول، فربما ستكون مكانته هامشية شأنه شأن زعماء آخرين في اللائحة نفسها، على ضوء التاريخ، أمام أسماء أخرى احتلت مراكز متأخرة في هذه المجلة، ولكنها بصمت تاريخ البشرية إلى الأبد مثل صاحب ميكروسوفت بيل غيتس.
واختيار الشخصية الأكثر تأثيرا في العالم، تقليد بدأته المجلة الأمريكية «تايم» إبان العشرينيات من القرن الماضي، وطورته وسائل إعلام أخرى في معظمها غربية وبدون مشاركة للعربية. واعتادت وسائل إعلام غربية ومنها «فوربس» اختيار الشخصيات العربية الأكثر تأثيرا في العالم العربي، التي تحمل في بعض الوقت مفاجأت للقارئ العربي بسبب حضور بعض الأسماء التي تكون نكرة.
واختارت «فوربس» هذه السنة، وفق عدد الأسبوع الماضي، فلاديمير بوتين الشخصية الأكثر تأثيرا في العالم. وهو اختيار لا يثير الجدل بحكم تأثير الرجل في صنع القرارات الدولية، بل وتوجيه السياسة العالمية. وأبان هذا السياسي عن عزيمة سياسية فولاذية، فقد ضم جزيرة القرم في رمشة عين، وفاجأ الغرب بتدخل عسكري قوي في سوريا، ونجح في التقليص من أسطورة قوة الولايات المتحدة، وجعل كثيرا من دول العالم، ومنها العربية، تراهن على موسكو بعدما كانت ولزمن طويل واشنطن.
واحتلت المستشارة الألمانية ميركل المركز الثاني، تستهل هذا الترتيب، فالعرب يحتفظون لها باستقبال اللاجئين السوريين. ولا يستهل الرئيس الأمريكي باراك أوباما المركز الثالث بحكم ضعف قراراته في الساحة الدولية، ولكن قوة حضور بلاده، يبرر له هذا المركز. اللائحة مليئة بالشخصيات السياسية، ومنها ثلاث عربية: ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز في المركز 14 وأمير الإمارات العربية وحاكم مصر عبد الفتاح السيسي في المركز 49.
واعتمدت «فوربس» كأبرز معيار قياس حجم التأثير في اللحظة التاريخية الحالية، التي تمتد على سنة كاملة. وهذه المعيار اللحظي قد لا يصمد أمام معيار التأثير المستمر في التاريخ، أو على الأقل معيار التأثير لمدة سنوات أو عقود طويلة.
واللائحة حملت في المركز السادس بيل غيتس صاحب ميكروسوفت، ومارك زوغبرغ في المركز التاسع عشر. وهما لا يشاركان في صنع القرارات السياسية الكبرى مثل الحرب والسلم، الأمر الذي يجعل تأثيرهما غير جلي بالنسبة للكثيرين في العالم، لاسيما أنهما لا يتصدران واجهات الصحف الورقية والرقمية أو نشرات الأخبار التلفزيونية. تأثير غيتس وزوغبرغ قوي في اللحظة الحالية، وإن كان غير ملموس من طرف الكثيرين، لكنه تأثير يمتد إلى ما هو أبدي في تاريخ البشرية. فالأول نجح في إبداع نظام ويندوز الذي تعمل به مختلف حواسيب العالم، وغير من وجه البشرية. ولنتأمل قليلا كيف كان سيكون وجه العالم بدون ويندوز، بدون شك مختلف نوعا ما.
ونجح الثاني في تحقيق أكبر قفزة نوعية في التواصل في تاريخ البشرية. إذ لم يسبق للبشرية في تاريخها تسجيل تواصل بمختلف اللغات والثقافات والأديان والشرائح الاجتماعية والأعمار، مثل الذي يحدثه الفيسبوك في الوقت الراهن، فقد تجاوز مليار متصل في يوم واحد في بداية أكتوبر الماضي. رغم وجود برامج متعددة وتتطور مثل برامج آبل وغوغل، إلا أن تأثيرها يبقى دون الثورة الحقيقية التي أحدثها الويندوز، كنظام تشغيل ويستمر حاليا الأكثر استعمالا في حواسيب العالم وبفارق واسع عن منافسيه. ويجب رؤية البرامج البديلة والمستقبلية للويندوز بمثابة امتداد للثورة المعلوماتية التي فجرها بيل غيتس.
ويحدث الأمر نفسه مع الفيسبوك، إذ شهد العالم برامج متعددة للتواصل خلال العشرين سنة الأخيرة، إلا أن «بيغ بانغ» الحقيقي حدث مع الفيسبوك. البرنامج الذي لم يكمل عقدا على ظهوره، ولكنه لا محيد عنه الآن في التواصل ثقافيا وسياسيا وتجاريا، وفتح أعين العالم أكثر على أهمية الإنترنت، ومنح الذين لا صوت لهم في وسائل الاعلام فرصة إيصال خطاباتهم للعالم، بعدما كانوا متلقين ومستهلكين فقط لخطابات الآخرين. نعم، لقد عمل الفيسبوك على دمقرطة الخطاب بشتى تلاوينه، خاصة السياسي الذي لم يعد محتكرا على كبريات وسائل الاعلام. وخلال السنوات الأخيرة، نكتشف كيف تحول خبر عادي في الفيسبوك وقعه مواطن عادي من هذا العالم إلى خبر عالمي. وإذن فإن الإنترنت فتحت فجرا جديدا في تاريخ البشرية، ومخترعون من طينة بيل غيتس ومارك زوغبرغ من القلائل الذين نجحوا في ربطها بالتطور البشري إلى مستويات قد لا ندركها، إلا إذا تأملنا مدى تأثير الآليات التي ساهمت في تطور البشرية. إذا أردنا العثور على شخصيات مماثلة لهما في التاريخ قد نتحدث عن مخترع الراديو والتلفزيون، لكن المثال البارز هو جوهان غوتبنرغ. وليس من باب المبالغة، اختيار المؤرخين، خاصة مؤرخي الحضارات جوهان غوتنبرغ بمثابة «شخصية الألفية الثانية» (1000- 1999) متفوقا على قادة سياسيين وعلماء بارزين. قد نحتفظ بأسماء كبار مثل صلاح الدين الأيوبي ونابليون بونابرت وجينكز خان وهتلر ومكتشفين مثل كريستوفر كولومبس، وعلماء مثل إسحق نيوتن وإنشتين، لكن غوتنبرغ يبقى الأكثر تأثيرا في تاريخ البشرية. العالم الألماني الذي نجح في تطوير الطباعة ونقل العالم من مرحلة جمود فكري ومعرفي إلى أكبر انفجار معرفي في تاريخ البشرية وسهل حدوث النهضة الأوروبية بعدما كانت هذه القارة والعالم معها يعتمدان الكتابة اليدوية.
وهكذا، فقد اختارت مجلة «فوربس» بوتين شخصية 2015، واختارت بيل غيتس ومارك زوغبرغ في المرتبة السادسة و19 على التوالي، لكن الفارق أنهما دخلا تاريخ الحضارة البشرية إلى الأبد، ولن يحصل بوتين على هذا الشرف، شأنه شأن الكثيرين من سياسيي هذه اللائحة ولوائح سابقة ولاحقة.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password