قررت الدولة المغربية ملاحقة عدد من النشطاء الحقوقيين والاعلاميين “مجموعة المعطي منجب” بالمس بأمن الدولة وفق الفصل 206 من القانون الجنائي. وهذا الاتهام المطبق على نشطاء مدنيين والذي يدخل في ثقافة سنوات الرصاص أو مجال الإرهاب يطرح تساؤلا عريضا: هل الدولة المغربية، العميقة منها والعلنية، عاجزة عن محاكمة الصحراويين وعلى رأسهم أميناتو حيدر؟
وخلال المدة الأخيرة وبعد هدوء الشارع المغربي من الاحتجاج، تؤكد الجمعيات الحقوقية ارتفاع ملاحقة الدولة المغربية للعديد من النشطاء. ويؤكد أعضاء حركة 20 فبراير اعتقالات ومحاكمات تحت مبررات شتى. وسجلت الظاهرة تطورا ملفتا سياسيا وأمنيا بملاحقات غريبة مثل التي تعرض لها علي أنوزلا ولاحقا حميد المهداوي وتوفيق بوعشرين بسبب خبر حول “صندوق التنمية القروية”، والحلقة الحالية مع مجموعة “المعطي منجب” بسبب أنشطة إعلامية وثقافية تحولت الى المس بأمن الدولة. ويرافق هذه المتابعة حملات تشهيرية إعلامية باسم الوطنية الزائفة، لم تكن حتى في سنوات الرصاص، وهو ملف بدأ يكتب بمداد من عار في سجل العهد الجديد.
ويخلف هذا الملف الأخير جدلا سياسيا وحقوقيا وإعلاميا من أبرز عناوينه تضامن وطنيين كبار ساهموا في استقلال هذا البلد من طينة عبد الرحمان اليوسفي وامحمد بوستة وأيت يدر بنسعيد مع المعطي منجب ومطالبين الدولة المغربية بتمتيعه بحقوق الدستورية ووقف هذه الملاحقة القضائية التي يتعرض لها.
وهكذا، فقد تحول إعلاميون ونشطاء حقوقيون ومثقفون أمثال المعطي منجب ومرية مكرم ورشيد طارق وهشام ألميرات وعبد الصمد عياش وهشام منصوري ومحمد الصبر وكريمة نادر الى متهمين بتلقي أموال خارجية و”المس بسلامة أمن الدولة الداخلي”. وتجري هذه الملاحقة بعد سنوات من أنشطة تكوينية عادية في مجال الاعلام ومنها برنامج ستوري مايكر الذي ركز عليه كثيرا محققو الفرقة الوطنية. وهنا يحضر سؤال: لماذا لم تتحرك الدولة المغربية عند بدء هذه الأنشطة التي تعتبرها مسا بالأمن الداخلي للدولة المغربية؟
من حق الدولة المغربية، بل ومنوط بها مثل باقي الدول، ملاحقة من يمس الأمن الداخلي للدولة المغربية. ولكن ما يحدث لمجموعة المعطي منجب، الذي تنتفي فيه حالة المس بأمن الدولة، يجرنا الى تساؤلين عريضين بدون تبرئة أحد أو القيام بمقارنة مجانية بل محاولة معرفة الدوافع التي تحرك الدولة المغربية في ملف دون الآخر، وعليه: ما معنى المس بأمن الدولة، ولماذا تقف الدولة متفرجة على الذين يفترض أنهم يمسون بأمن الدولة بل وبوحدتها الترابية منذ سنوات طويلة؟
شخصيا، تابعت ملف المعطي منجب والنشطاء والاعلاميين الآخرين، ولم أجد كما لم يجد الكثيرون أي تهديد لأمن الدولة، فهذه المجموعة لم تطالب بإسقاط الملكية وإرساء نظام آخر ولم تحمل السلاح، ولم تقدم على أي عمل يمس مغربية الصحراء أو الاعتراف بإسبانية سبتة ومليلية.
لكن في المقابل نجد مغاربة من الصحراء يتحدون الدولة المغربية جهارا وعلانية، نستحضر هنا مقارنة بدون نية التحريض أو إحراج الدولة المغربية. ويتعلق بمجموعة أميناتو حيدر وصحراويين آخرين. وهذه المقارنة نستحضرها بعد استشارة عدد من خبراء القانون المغربي ومنهم محامون أمثال الحبيب حجي.
في هذا الصدد، الوقوف على نشاط أميناتو حيدر في الخارج والداخل يتبين مدى ممارستها “للمس بالأمني والاستقرار المغربي”. ويمكن سرد عشرات الحالات والأمثلة لتأكيد هذا الطرح: فهي والعديد من الصحراويين، يعترفون بما يسىمى الجمهورية الصحراوية التي أعلنتها جبهة البوليساريو، ينسقون علانية مع جبهة البوليساريو التي تحمل السلاح ضد المغرب لطرده من الصحراء، يألبون الهيئات الدولية ضد مصالح المغرب، ويؤكدون في ندواتهم بوقوع، ليس خروقات حقوقية، بل جرائم ضد الإنسانية في المغرب. وأصبح المغرب يجد أمامه في المنتديات الدولية ومنها في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مغاربة صحراويين يفنذون كل أطروحاته وليس فقط أعضاء البوليساريو.
ويتابع الرأي العام المغربي أنشطة أميناتو حيدر ومجموعة من الصحراويين بمن فيهم الذين يلتحقون كل صيف لحضور الجامعات التكوينية للدفاع عن أطروحة تقرير المصير وخطابات اعتبار “المغرب دولة استعمارية”.
وفق القانون الجنائي خاصة الفصول ما بين 183 الى 210 في الشق المتعلق بالسلامة الخارجية للدولة وأمنها الداخلي، ما تقوم به أميناتو حيدر يشكل مسا خطيرا باستقرار المغرب ويشكل ضربة لوحدته الترابية وسيادته. وعليه: وهنا التساؤل العريض: هل تعجز الدولة المغربية عن محاكمة أميناتو حيدر؟
لا ندعو الى محاكمة أي صحراوي، والمقارنة لا ترمي الى استفزاز أي طرف أو التحريض ضد طرف أو تبرئة طرف من جرم ارتكبه، بل نعتقد اعتقادا راسخا في مواجهة أي مشروع انفصالي أو تقرير المصير بالحجة التاريخية، ونشاهد يوميا الجدل السياسي الذي تعيشه اسبانيا في الوقت الراهن حول كتالونيا، بل فقط نساير منطق الدولة المغربية في تكييفها لنوعية الاتهامات التي توجهها الى مجموعة المعطي منجب. ونردد ما كتبه المئات في شبكات التواصل الاجتماعي: هل العمل في إطار الدستور (على علته) ومخالفة آراء الدولة يكلف صاحبه المتابعة القضائية كما يحدث مع مجموعة المعطي منجب وصحفيين أمثال بوعشرين والمهداوي وأنوزلا؟ وهل التحدي الحقيقي والمادي للدولة بإعلان الانفصال أو التشبث بتقرير المصير وعدم الاعتراف بمغربية الصحراء وعدم الاعتراف بمغربية سبتة ومليلية وتأليب الخارج كما تفعل مجموعة أميناتو حيدر ومغاربة من الثغرين يجعل الدولة المغربية، سواء العميقة أو العلنية، تحتاط وتعجز عن فتح أي ملاحقة قضائية؟
هل يمكن للدولة بشقيها، العلنية والعميقة، تقديم توضيحات وتفسيرات للرأي العام في هذا الشأن؟