قد يبدو من باب الخيال غياب تغطية إعلامية دولية عن أكبر التجمعات السنوية لصناع القرار في العالم والذين يؤثرون عليه على المدى البعيد. هذا ما يحدث بالفعل في حادث أشبه بالمؤامرة، إنها أشغال اجتماع نادي بلدلبيرغ الذي احتضنته بلدة تيلفس بوشين في جبال الألب النمساوية ما بين الخميس والأحد الماضيين بمشاركة 131 من أسماء من عالم السياسة والفكر والأعمال، لكن كلها غربية. والنادي ممنوع عن باقي الثقافات مثل العربية والصينية والروسية.
ويعود تأسيس هذا النادي الى سنة 1954 من القرن الماضي، عندما اجتمع سياسيون ومفكرون في فندق بيلدلبرغ في ويستبربيك الهولندية بدعوة من الأمير بيرنهار لتدارس أوضاع العالم بعد الحرب العالمية الثانية والعمل على توجيه السياسة الدولية والتقليل من العداء الأمريكي وسط أوروبا. وكان النادي سريا للغاية أشبه بوكالة الأمن القومي التي كانت تعمل منذ الخمسينات ولم تعترف واشنطنب بوجودها حتى التسعينات إبان فترة الرئيس بيل كلينتون.
فمسؤولو هذا النادي كانوا يلتزمون الصمت ومن الصعب العثور على أخبار في الصحافة تتحدث قبل سنة 2000 عن هذه الاجتماعات. لكنه أمام تقدم وسائل الاتصال بفضل الإنترنت وصدور كتب مشككة حول هذا النادي، اضطر مسؤولوه الى الانفتاح نسبيا على الرأي العام الدولي في محاولة لاحتواء اتهامات بالتآمر على العالم. والانفتاح يقتصر على نشر لائحة المدعوين وبعض المواضيع التي يجري نقاشها.
وعمليا، يحضر هذه القمة من الذين تتوفر فيهم الصفات التالية: مدراء شركات متعددة الجنسيات، سياسيون يشغلون مناصب هامة قادرة على التأثير في القرار أو سياسيين قد يتحملون المسؤولية مستقبلا. في الوقت ذاته، يحضر مسؤولون من المؤسسات العسكرية مثل الحلف الأطلسي، وإعلاميون نافذون من الذين يمتلكون مؤسسات إعلامية أو صحفيين لهم تأثير على الرأي العام. علاوة على هذا، يتم استدعاء خبراء في مواضيع تكون تشغل الأجندة الدولية مثل الإرهاب أو الإسلام.
ومن ضمن الأمثلة الأوروبية للحاضرين، فقد جرى استدعاء آلان جوبي، رئيس الحكومة الفرنسية السابق ومن المرشحين البارزين لشغل منصب رئيس فرنسا مستقبلا. كما جرى استدعاء بيدرو شانتيس، الأمين العام للحزب الاشتراكي الإسباني المرشح لشغل منصب رئيس حكومة اسبانيا. ونظرا للاهتمام العالمي بما يجري من تطورات بسبب الحركات الإسلامية المتطرفة، فقد جرى استدعاء الخبير الفرنسي جيل كيبل لهذا الاجتماع السري. ويشارك فيه إعضاء من أبناك مثل جيبي مورغان وشركة تأمينات مثل أكسا وشركات الإنترنت مثل غوغل ومدراء مخابرات. ويبقى التساؤل: ما هي نوعية النقاشات التي سينتجها مؤتمر يشارك فيه خليط من أعضاء ينتمون لمجالات تهم مستقبل البشرية؟
ومن ضمن الأخبار التي تسربت للصحافة مثل باري ماتش و”روسيا اليوم” في نسختها الإسبانية وجريدة لوموند، من المواضيع السياسية التي اهتم بها النادي هذه السنة، موضوع إيران وموضوع روسيا وموضوع تركيا وإشكالية اليونان. وعلاقة بهذا الأخير، فقد جرى استدعاء ستة خبراء أتراك كلهم من الموالين للغرب الذين يدافعون عن تركيا أوروبية.
ووقع استثناء هذه المرة وتم استدعاء روسي واحد، وهو اقتصادي معروف بمعاداه السياسية ضد الرئيس فلادمير بوتين، لكن لم يتم استدعاء أي خبير صيني رغم معالجة نادي بيلدلبرغ قضايا تخص الصين.
النادي لا ينشر توصيات أو يتخذ قرارات، كل النقاشات تبقى سرية، ولا يمكن الكشف عما يطرحه كل عضو مشارك من أفكار. وهذا ما يجعل السرية تتعاظم في حالة هذا النادي الذي تغيب أخباره عن وسائل الاعلام الكبرى. ويصف بعض المعلقين اجتماعات نادي بيلدلبرغ التي تقام مرة كل سنة ب”القمة العالمية الحقيقية” التي تتجاوز أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة وكذلك أشغال منظمات أخرى مثل “السبع الكبار” رغم أنها لا تتخذ قرارات تنفيذية. وكان الصحفي نونثالث ماتا الذي كان أول من كتب كتابا عن النادي سنة 1979 باسم “أساتذة العالم” قد أكد “النادي يقترح أجندات سياسية ويسطر أوطروحات فكرية مدركا أن الآخرين في العالم الغربي سينفذون”.
ويبقى نادي بيلدلبرغ واحد من النوادي السرية التي لم تعد سرية بالكامل، بينما تستمر أخرى تعمل في السرية وقد نعلم بوجودها مستقبلا.