على الرغم من الاهتمام بمكافحة “داعش” في الشرق الأوسط وأساسا في العراق وسوريا، إلا أن أجندة بعض الدول الغربية تختلف انطلاقا من نوعية الجاليات المسلمة التي تتواجد في أراضيها وكذلك الموقع الجغرافي. وتتخوف دول مثل إيطاليا واسبانيا من جنوب البحر المتوسط وما يجري في ليبيا ومنطقة الساحل أكثر من سوريا، ولهذا تطالب الاتحاد الأوروبي بالحذر واليقظة من الحدود الجنوبية، وتعمل على تطوير علاقات بشأن مكافحة الإرهاب مع دول مثل المغرب والجزائر وتونس.
وشكل مؤتمر باريس لدول “التحالف ضد داعش” الذي جرى الأيام الماضية مناسبة لظهور اختلافات في التعاطي مع هذه الحركة الإرهابية وإن كان القاسم المشترك هو محاربتها لاحتواء خطرها الحالي والمستقبلي. ورغم المساعي الدولية المشتركة لعدد من الدول، إلا أن هناك عوامل تتغلب في نهج دولة معين استراتيجية خاصة بها.
وخلال مؤتمر باريس، تبين استحضار كل من اسبانيا وإيطاليا للمخاطر المستقبلية “لداعش المتوسطية”، أي خطر هذا التنظيم الذي ينتعش في شمال إفريقيا انطلاقا من ليبيا، وإن كان بشكل غير واضح حتى الآن. وهذا يرتبط بالعوامل التي تحدد أجندة كل دولة في محاربة الإرهاب.
ونشر معهد ريال إلكانو للدراسات الاستراتيجية، ومقره مدريد، أنه رغم الأجندة الدولية بشأن مكافحة الإرهاب إلا أن كل دولة تسطر لنفسها أجندة خاصة بها انطلاقا من عوامل سياسية وجغرافية واجتماعية بل وحتى تاريخية. وعلاقة بهذه النقطة، ترصد القدس العربي من خلال استقراء مختلف التقارير وتصريحات مسؤولين أوروبيين، وجود ثلاثة عوامل رئيسية تحدد بشكل كبير نوعية الأجندة الأمنية والاستخباراتية لمكافحة الإرهاب.
في المقام الأول، القرب الجغرافي، حيث تعتبر اسبانيا وإيطاليا منطقة الشرق الأوسط بعيدة عنها نسبيا، ولا تنفيان التأثيرات الخطيرة القادمة من هناك، ولكن روما ومدريد تعربان عن تخوف أكبر مما يجري في الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. ويعتبر البلدان ما يقع في ليبيا، وانطلاقا مما حدث من ذبح استعراضي للأقباط خلال فبراير الماضي، مؤشراقلق حقيقي. فداعش تعلن حضورها كل مرة في ليبيا عبر عمليات إرهابية، والبلد سائر في التفتت بشكل مستمر، والسيناريو مرعب مستقبلا لأن الإرهاب يوجد هذه المرة على أبواب الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي. وتدرك اسبانيا وإيطاليا أنهما الأكثر تأثيرا بما يجري في الضفة الجنوبية للمتوسط، ومعاناة الدولتين مع الهجرة غير النظامية دون باقي الدول الأوروبية خاصة في شمال القارة الأوروبية، يجعلها أكثر حساسية من مخاطر الإرهاب في ليبيا مستقبلا. وقال وزير الدفاع الإسباني بيدرو مورينيس لجريدة الباييس يوم الجمعة 6 يونيو الجاري “من كنا نحاربهم في أفغانستان الآن هم يوجدون على أبوابها في ليبيا، وإذا اقتضى الأمر يجب التدخل في ليبيا إذا انتعشت داعش”. وحضر موضوع مكافحة الإرهاب بقوة في أجندة القمة المغربية-الإسبانية في مدريد، كما حضر في القمة الجزائرية-الإيطالية في الجزائر.
في المقام الثاني، نوعية المصالح الدولية، في هذا الصدد لا تعتبر اسبانيا وإيطاليات ذات مصالح كبرى في العالم ومنها الشرق الأوسط، وهذا يجعلها أقل عرضة للإرهاب العابر للقارات مقارنة مع دول أخرى مثل فرنسا وبريطانيا ذات المصالح الكبرى. وهذا يدفع روما ومدريد الى تركيز أكثر على ما يعرف ب “مونغروفية الإرهاب” بمعنى تحديد مصدر الخطر الإرهابي بدقة ، وفي هذه الحالة القرب الجغرافي الذي هو ليبيا في حالة إيطاليا.
في المقام الثالث، تعتبر نوعية الجاليات الإسلامية محددا رئيسيا في تسطير أجندة الدول الغربية. وتعيش جاليات المغرب العربي في دول إيطاليا واسبانيا، وهذا يساعد المتطرفين وسط هذه الجاليات من نسج علاقات قوية مع الحركات الإرهابية في شمال إفريقيا ومنها داعش في ليبيا. وتبرز مختلف التقارير قوة المغاربيين في التنظيم الإرهابي داعش خاصة التونسيين والمغاربة، وهو ما يقلق أكثر روما ومدريد بل وكذلك باريس بحكم تصدر المغاربيين الجاليات المسلمة في هذه الدول الأوروبية. وتحدث وزير الداخلية الإيطالي أنجيلو ألفانو في أكثر مناسبة حول هذا العامل.
وتجد اسبانيا وإيطاليا في الممثلة العليا للسياسة الخارجية فدريكا موغيريني خير مدافع عن استراتيجيتهما، حيث أكدت هذه المسؤولة في أكثر من مناسبة على ضرورة إيلاء اهتمام أكبر بمكافحة الإرهاب بين الاتحاد الأوروبي ودول جنوب المتوسط، معتبرة الضفة الجنوبية حاضنة للإرهاب المستقبلي.
ويؤكد مصدر سياسي أوروبي للقدس العربي “قمم مثل باريس تكون بروتوكولية وتوجيهية فقط، لكن العمل الحقيقي يكون بين الاستخبارات ووزارات الداخلية، لهذا، فروما ومدريد وباريس تعقد قمم أمنية واستخباراتية تقريبا كل شهر مع دول المغربي العربي، ولا يعلن عنها خاصة الاستخباراتية التي تهدف الى تجديد وتطوير مخططات مكافحة الإرهاب”.