تعيش دول الاتحاد الأوروبي تغييرا في خريطتها السياسية وهي من نتائج الأزمة الاقتصادية التي أفرزت أحزابا سياسية جديدة مقابل تراجع الطبقة السياسية الكلاسيكية. وتعتبر اسبانيا من الدول التي تسجل تغييرات قد تكاد جذرية بسبب بروز يمين جديد المتمثل في حزب “سيودادانس” ويسار جديد ممثلا في بوديموس. وهذا المستجد السياسي يحمل انعكاسات غير معروفة على العلاقات المغربية-الإسبانية.
وتشهد أوروبا منذ سنوات تغييرات هامة في خريطتها السياسية ومن عناوينها البارزة تصدر الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا استطلاعات الرأي منذ أكثر من سنة. وشكلت انتخابات البرلمان الأوروبي خلال مايو الماضي المنعطف الذي يؤشر على هذه التغييرات، وقامت انتخابات اليونان بتأكيد التغيير بعد وصول حزب سيريزا اليساري الراديكالي الى الحكم.
وتشهد اسبانيا مؤشرات تغيير حقيقية ومتسارعة خلال الشهور الأخيرة، بظهور يمين جديد ويسار جديد مختلفين عن الطبقة السياسية الكلاسيكية المتمثلة في الحزب الشعبي المحافظ الحاكم حاليا وفي الحزب الاشتراكي المعارض حاليا.
وبدأ التغيير الحقيقي في اسبانيا مع الانتخابات الخاصة بالبرلمان الأوروبي التي سجلت ظهور حزب بوديموس بزعامة بابلو إغلسياس، وهو الحزب الذي يتصدر المشهد السياسي حاليا في هذا البلد الأوروبي، وفق استطلاعات رأي متعددة آخرها الذي نشرته جريدة الباييس الأحد الماضي.
ويتجلى اليمين الجديد في حزب اسيودادانس الذي حصل على أكثر من 18% من الأصوات في استطلاع للرأي نشرته الباييس الأحد الماضي، وهو بهذا يحقق نفس المرتبة مع الحزب الشعبي الحاكم، علما أن الأمر يتعلق بحزب كتالاني انتقل الى الساحة الوطنية منذ شهور قليلة فقط. ويؤكد المراقبون أن الانتخابات التشريعية المقبلة ستبقى مفتوحة وقد يفون فيها قوة سياسية جديدة، وإن لكم يكن هذه المرة فمستقبلا، والأساسي
ولا يقتصر تأثير الحزبين على اسبانيا بل يتعداه الى خارج الحدود ومنها دول الجوار، وستكون التأثيرات على العلاقات المغربية-الإسبانية لأسباب متعددة، أبرزها:
-أولا، غياب علاقات بين الطبقة السياسية المغربية والحزبين الجديدين، فلا يوجد أي مخاطب للحزبين الجديدين في المغرب باستثناء بعض نشطاء الهجرة المغربية في اسبانيا.
-ثانيا، اعتاد مقربون من الدولة المغربية بل ومحيط الملك نسج علاقات مع مسؤولي الأحزاب السياسية الإسبانية، ويوجد للقصر الكثير من المخاطبين سواء في الحزب الشعبي وأساسا الحزب الاشتراكي ومن ضمن أبرز الأسماء رئيس الحكومة الاشتراكية الأسبق فيلبي غونثالث الذي يعتبر مقربا من الملك محمد السادس وقدم خدمات للمغرب في ملفات تتعلق بأمريكا اللاتينية.
-ثالثا، التصورات التي يحملها الحزبان الجديدان للعلاقات الدولية هي مختلفة في قضايا متعددة. وإذا كان حزب مثل بوديموس يرغب في تغيير سياسة اسبانيا الخارجية ومنها الانسحاب من الحلف الأطلسي فكيف سيتعامل في ملفات مثل الصادرات الزراعية الى الاتحاد الأوروبي المغربية وملف الصحراء والهجرة غير النظامية وسبتة ومليلية وملفات أخرى.
ومهما كان مستوى البرغماتية، فالتغيير قد يحصل. ومن ضمن الأمثلة الدالة حول هذا التغيير الذي تشهده أوروبا، تلويح الحكومة اليونانية الجديدة بزعامة سيريزا مصادرة أملاك للدولة الألمانية في اليونان بسبب مآسي الحرب العالمية الثانية. ويحدث هذا وسط العائلة الأوروبية.
ومن ضمن الأمثلة حول التغييرات التي تفاجأ بها المغرب مؤخرا، برودة العلاقات مع البيت الأبيض التي أدت بالولايات المتحدة الى تقديم مقترح قرار في مجلس الأمن يدعو لمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء خلال أبريل من سنة 2013. وفي الوقت ذاته، الأزمة التي نشبت مع فرنسا بوصول الاشتراكيين الى الحكم.
تجري هذه التطورات التي تفاجئ المغرب، وتكون المفاجأة أكبر بسبب غياب دراسات استراتيجية وفي ظل دبلوماسية تعتقد في صداقات دائمة بدل مصالح مستمرة.