باستثناء تناول نشرات الأخبار في القنوات الرسمية للفيضانات الخطيرة التي تضرب جنوب البلاد، أحجمت عن تخصيص متابعة رزينة لهذه المأساةبل استمرت في برامج الترفيه مثل الموسيقى وعلى رأسها دوزيم. وهذا التصرف الإعلامي الذي أثار استهجان الرأي العام المغربي يكشف غياب تقاليد إعلامية للتعاطي مع الكوارث الطبيعية في البلاد علاوة على أسباب سياسية محضة.
وبفضل تطور تكنولوجيا الاعلام، يتابع المغاربة قنوات تلفزيونية دولية، وهذه المتابعة تجعلهم يقفون على نوعية التغطية الإعلامية التي يخصصها الاعلام العمومي في حالة الكوارث الطبيعية أو كوارث من نوع آخر تسم البلاد.
وتذهب التغطية في بعض الأحيان في وسائل الاعلام العمومية الى متابعة دقيقة للتطورات، ويتم الاتصال المباشر مع مكان الكارثة الطبيعية وإجراء استجوابات مع المسؤولين وباقي أفراد الطبقة السياسية والمجتمع المدني, ومن ضمن ما يتم تناوله هل توجد مسؤولية سياسية. ومن ضمن الأمثلة، تعيش فرنسا هذه الأيام فيضانات، وكيف يعالجها الاعلام العمومي والخصوصي الفرنسي، حيث يركز على التضانم، يحسس الشعب الفرنسي بمآسي مواطنين، ويركز على المسؤولية السياسية.
ويرافق هذه التغطية برمجة خاصة في بعض الأحيان إذا كانت الكارثة كبيرة مثل التخلي عن برامج الترفيه وتغييرها ببرامج حوارية أو على الأقل فيلم هادف، وهذا يدخل في إطار نوع من التضامن الإعلامي.
وفي الكارثة الطبيعية التي يعيشها الجنوب المغربي وتشذ انتباه الرأي العام، يغيب الاعلام الرسمي باستثناء تناول الكارثة في نشرات الأخبار بشكل محدود مع محاولة إبراز ما تقوم به الدولة وخاصة الملك محمد السادس من أوامر للتدخل. ولا يوجد أي تضامن إعلامي من قبل تخصيص تغطية خاصة وإحداث تغيير ولو نسبي في البرمجة.
ومن خلال متابعة ألف بوست نوعية ردود الفعل الشعبية، انتفض الرأي العام المغربي في شبكات التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك من خلال توجيه النقد الشديد لإعلام الرسمي وخاصة قناة التلفزيون الرسمي دوزيم التي حافظت على برامج الترفيه.
وقام المواطنون بممارسة صحافة المواطنة من خلال نشر مئات من أشرطة الفيديو في يوتوب ونشر بيانات وأرقام بل ومقالات في الفايسبوك عن مدنهم وأحيائهم أو قراهم، في تلك التي لم يغيب عنها الإنترنت.
وأمام التقصير الإعلامي الرسمي، عوضت الصحافة الرقمية سواء ذات الطابع الوطني مثل هسبريس وبديل وأخبركم واليوم 24 وكود أو الجهوية مثل إيفني24 ifni24 أو تزنيت24 tiznit وكلميم 24 guelmim24.com قصور الاعلام الرسمي، حيث تقدم أخبار متعاقبة تضع الرأي العام المغربي أمام واقع الفيضانات في الجنوب. وانفردت الصحف المحلية في الجنوةب بنشر مقالات بأقلام مواطنين قوية المضمون تعبر عن شعور خيبة الأمل العميق وسط ساكنة الجنوب.
وتعاطي الاعلام الرسمي المغربي، الذي يمكن اعتباره موقفا، في هذه الفيضانات مثل حوادث أخرى شهدها المغرب يمكن تفسيره بالأسباب التالية:
-غياب ثقافة وتقاليد إعلامية في المغرب تجعل المسؤولين عن الاعلام الرسمي ينهجون استراتيجيات إعلامية تطابق حجم الحدث خاصة حالات الكوارث مثل ما يشهده جنوب البلاد من فيضانات.
-تعمد تهميش إعلامي للحجم الحقيقي للكوارث لأنه يدفع الرأي العام الوطني الى التساؤل عن خطابات التنمية والمشاريع ومسؤولية الدولة.
-استمرار الاعلام في خانة الرسمي، ترويج الخطابات الرسمية دون ارتقاءه الى الاعلام العمومي الذي يعني أساسا إعلام الدولة والشعب بكل قواه السياسية والمجتمع المدني رغم الاختلافات الإديولوجية.