مدير المخابرات الإسبانية: محمد السادس اتخذ قرار الدخول الى جزيرة ثورة والآن هناك تعاون رغم استمرار ملفات شائكة

جزء من خلال الكتاب والصورة لمدير المخابرات ديسكايار

“استحق العناء، حياة بين الدبلوماسيين والجواسيس” كتاب صدر هذه الأيام في اسبانيا وهو من توقيع خورخي ديسكايار، مدير المخابرات الأسبق الذي عمل سفيرا في المغرب. ويكشف بعض المعطيات حول العلاقات بين الرباط ومدريد ومنها ما يعتبره قيام الملك محمد السادس باتخاذ قرار الدخول الى جزيرة ثورة دون إخبار الجيش والمخابرات المغربية.

والكتاب الصادر عن دار النشر بلانيتا نزل الى المكتبات نهاية الأسبوع الماضي، ويستحضر فيه مؤلفه مسيرته في عالم الدبلوماسية وعالم المخابرات، ورغم أنه لم يعمل سوى أربعة سنوات مديرا لجهاز المخابرات المعروف بحروفه اللاتينية CNI إلا أنه يركز كثيرا على هذه المرحلة ويحيل عليها بسبب جاذبية هذا المجال والأسرار التي اطلع عليها.

وعمليا، لا يكشف من الأسرار الى القليل جدا تفاديا للملاحقة، وجعل من كتابه فضاء للتأمل في العلاقات الخارجية للدولة الإسبانية. في هذا الصدد، يخصص للمغرب فصلا كاملا بعنوان “تأملات حول المغرب”، حيث يقدم تصوره للعلاقات المغربية-الإسبانية، وهو تصور لا يختلف كثيرا عن رؤية الأكاديمي والمؤرخ.

 

الفرق بين غونثالث وأثنار في فهم المغاربة

وعلاقة بهذه النقطة، يستعرض رؤية المغاربة لجيرانهم الإسبان التي تقوم على إحساس بعدم تفهم الجار الشمالي لانشغالات جاره الجنوبي اقتصاديا واجتماعيا وما له علاقة بالوحدة الترابية، سبتة ومليلية والصحراء. كما يستعرض في المقابل رؤية الرأي العام الإسباني للمغرب القائمة على نظرة يطبعها ثقل التاريخ ومعطيات سياسية وسوسيواقتصادية بين البلدين. ويحمّل البلدان مسؤولية استمرار الأحكام المسبقة التي تعيش التطور في العلاقات.

وقبل توليه منصب مدير المخابرات سنة 2000، كان ديسكايار سفيرا في الرباط ما بين سنتي 1997 الى 2000، ويقول أن أهم سفارة خارجية لإسبانيا هي واشنطن ثم فرنسا وسفارة اسبانيا في المغرب كذلك لأنها تتميز بحساسية خاصة. ويعترف بأن  تقارير السفراء الإسبان في باقي السفارات الأوروبية ومعظم الدول لا تلقى عناية في وزارة الخارجية باستثناء تقارير سفارة اسبانيا في الرباط التي تتم قراءتها بتمعن.

ويعالج العقلية البدلوماسية للمغرب وكيف يتعامل معها الإسبان. ومن باب المقارنة، يكشف أن رئيس الحكومة الاشتراكية فيلبي غونثالث كان ذكيا ومرنا، يسمع المغاربة ماي رغبون فيه ثم ينفذ ما يراه مناسبا. ويقول بعدم تمتع خلفه في المنصب خوسي ماريا أثنار بهذه الميزة مما جعل المشاكل تطفو.

 

جزيرة ثورة تترك جرحا في العلاقات

ويعالج الكتاب في الصفحات 112 الى 117 أزمة جزيرة ثورة وما ترتب عنها من انعكاسات ثنائية ودولية. ويعترف بأنها كانت أسوأ أزمة بين البلدين منذ مدة طويلة. ويقول في الصفحة 112 “انطلاقا من هذه الزاوية ذات الحساسية الفائقة، أزمة ثورة، الناتجة عن غزو المغرب للجزيرة الصغيرة والقريبة من سبتة، حملت انعكاسات كارثية على العلاقات الثنائية”. ويتابع في الصفحة 113 أن القرار المغربي لم يفكر في العواقب الى مستوى “يبدو لي في بعض الأحيان نوع من الكذب القول بأن جيراننا يعرفوننا قليلا فقط”. Dezcallar2

وفي الصفحة نفسها، يتطرق الى الجهة التي اتخذت في المغرب قرار التدخل في جزيرة ثورة، ويقول “يبدو أن الملك محمد السادس رفقة مجموعة من معاونيه اتخذ قرار غزو الجزيرة في اجتماع في إقامته الصيفية في المضيق القريبة من سبتة في أعقاب زيارة فرقاطة اسبانية صخرة الحسيمة مما اعتبره تحديا يتطلب الرد”.

ويكشف في الكتاب بأن الجيش المغربي والمخابرات المغربية لم يكونا على علم بالقرار الملكي، ولهذا اندهش الإسبان في اتصالاتهم الأولى. وعلاقة بهذه النقطة الأخيرة، كان خوسي ماريا أثنار بدوره قد كشف في مذكراته أنه عندما سأل الوزير الأول المغربي وقتها عبد الحرمان اليوسفي أجابه بأنه لا علم له بدخول قوات مغربية للجزيرة

 وفي الكتاب ، يحاول تبرير اللجوء الى القوة لطرد القوات المغربية من الجزيرة بعد فشل المفاوضات. ويبدي نوعا من التأسف، لكن يعتبر أن خطئ المغاربة كان وراء التطورات وكان لابد من التحرك لتفادي أشياء أخرى في المستقبل. وهنا يلمح الى احتمال دخول المغرب الى جزر أخرى يطالب بها. ويعترف بأن العلاقات تعرضت لهزة حقيقية لاسيما وأحس الملك محمد السادس بألم كبير لاسيما وأنها تزامنت وحفل زفافه.

جزيرة ثورة تدفع أثنار الى حضن بلير وبوش

ويكشف مدير المخابرات تأثيرا هاما لهذه الأزمة على الدبلوماسية الإسبانية. ويبرز في كتابه التوتر الذي حصل بين اسبانيا وفرنسا التي كانت تدافع عن موقف المغرب.  وكان وزير الخارجية الفرنسي دومنيك دي فيلبان يتصل حتى ثمانية مرات لحل النزاع لصالح المغرب، وكيف انتهى بوساطة أمريكية من طرف عميد دبلوماسية واشنطن الجنرال كولن باول.

في هذا الصدد، يؤكد ديسكايار أن رئيس الحكومة البريطانية توني بلير بذكاءه رصد القلق الإسباني وعمل على جر أثنار الى صفه وصف جورج بوش ليصبح حليفا لهما في الحرب ضد العراق، وبهذا تخلت اسبانيا عن محورها مع باريس الذي كان قويا ومثينا.

هدوء في العلاقات ومشاكل في الأفق

يعرب ديسكايار عن ارتياحه لمستوى العلاقات في الوقت الراهن بعدما قرر البلدان وضع المشاكل الثانية في الثلاجة وتغليب مصلخة مكافحة الإرهاب والهجرة السرية والتعاون في ملفات أخرى. ولكنه لا يستبعد، ونظرا لتاريخ العلاقات، عودة التدهور بسبب ملفات حاضرة ومنذ مدة طويلة ولم تغب نهائيا مثل مطالب المغرب في سبتة ومليلية ونزاع الصحراء وإشكالية لافساد في المغرب الذي لا يقدم ضمانات للاستثمار علاوة على مشكل المخدرات بعدما تحول ريف المغرب الى أكبر مصدر لمخدر القنب الهندي الى أوروبا.

ويرى أنه طالما لا يمكن نهائيا تغيير مكان المغرب واسبانيا جغرافيا، فمحكوم عليهما بالتعاون مستقبلا.

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password