صارت مواقف الإمارات في الآونة الأخيرة قوية للغاية خاصة ما يتعلق بدعمها للمعارضة في سوريا وترحيبها الكبير بإقصاء الإخوان المسلمين. ممّا قد يثير جدلاً حول طموحات هذه الدولة صاحبة الرفاه الاقتصادي في معترك السياسة الدولية.
رغم اعتذار نائب الرئيس الأمريكي، جون بادين، عن تصريحات اتهم فيها سابقاً دولاً منها الإمارات بدعم التنظيمات الإرهابية في سوريا، إلّا أن الثقل الإماراتي في المنطقة العربية تعاظم كثيراً في الآونة الأخيرة، فبين اعترافها بدعمها المعارضة السورية، ومحاربتها للمد الإخواني بعد ترحيبها بعزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، ودعمها لأطراف ليبية معينة، تظهر الإمارات بوجه جديد مختلف عن دورها الاقتصادي المعروف مسبقاً.
فكثيراً ما تتجه الأنظار في منطقة الشرق الأوسط إلى أطراف تقليدية هي: السعودية وإسرائيل وتركيا وإيران ومصر وحتى قطر، إلّا أن تجاهل الإمارات لم يعد ممكناً، وهو ما يثير الكثير من الأسئلة حول الدور الذي تريد أن تلعبه هذه الدولة: فهل تحاول التفرّد بقراراتها بأن تقتفي الخطوات القطرية وتخرج من الدائرة السعودية؟ أم أن مواقفها الأخيرة لا تعدو أن تكون انعكاساً للموقف السعودي؟
طبيعة التدخل الإماراتي في الشأن السوري
كانت الإمارات من الدول السباقة إلى تأكيد وقوفها مع المعارضة السورية منذ بداية ما يُعرف بالثورة السورية على نظام بشار الأسد. لكن هذا الدعم، كما يقول مصطفى العاني الخبير بقضايا الأمن والإرهاب في دبي، لم يصل حدّ مساعدة التنظيمات الجهادية، بل توقف عند حدود تنظيمات معيّنة منها الجيش الحر وفصائل علمانية وأخرى إسلامية معتدلة. ويضيف العاني في هذا الصدد أن الدعم الإماراتي لم يكن في السلاح ولم يغيّر موازين القوى بشكل كبير.
ويفرّق العاني في تصريحاته لـ DW عربية في سياق دعم الفصائل السورية بين محور سعودي-إماراتي، ومحور تركي-قطري. فإن كان الأول حذراً واتجه، بحسب قوله، إلى دعم فصائل غير متطرفة ترى في مصلحة الوطن أكبر اعتبار، فإن الثاني تلاحقه اتهامات بمساندة تنظيمات جهادية. مبرزاً أن الإمارات ملتزمة بمبادئها ضد تمكين الجماعات المتطرفة من نفوذ في المنطقة، وأن اتهامات المسؤول الأمريكي لا إثبات لها، خاصة بعد اعتذاره عنها.
غير أن حسين مجذوبي، صحافي بجريدة القدس العربي، يعتبر أن اتهامات نائب الرئيس الأمريكي كانت واضحة والاعتذار لم يكن سوى بروتوكول، حيث يقول في هذا الصدد:” الإمارات المعروفة بالجانب المالي فاجأت العالم بتورطها في تسليح جماعات أصبحت إرهابية في سوريا وبتوّرطها في شؤون أخرى بعيدة عنها”.
ويضيف مجدوبي أن تصريح جون بادين لم يأتِ بجديد، بل أكد ما نشرته الصحافة بتفصيل عن دور الإمارات في الأزمة السورية، مبرزاً أن ما قاله نائب رئيس دول كبرى مثل الولايات المتحدة جاء ليعطي مصداقية أكثر لاتهامات وسائل الإعلام، وفي الوقت ذاته، يعتبر تحذيراً لهذه الدول من أجل الكف عن تزويد المعارضة الإرهابية بالأسلحة.
الإمارات والإخوان المسلمون
شنت الإمارات حرباً على كل الأفراد المنتمين للإخوان المسلمين على أراضيها، وأعلنت عن موافقتها وضع هذا التنظيم في قائمة الإرهاب. سلوك يبرّره العاني بكون الإمارات ترى في جماعة الإخوان شبيهاً إلى حدٍ ما بالتنظيمات المتطرّفة كـ”داعش” فيما يتعلق برغبتها احتكار السلطة: ” حتى مع انتخابهم بشكل ديمقراطي، إلاّ أن الإخوان في مصر سعوا إلى احتلال السلطة، وإلى تكرار تجربة الخميني في إيران الذي غيّر نظام الدولة وألغى بقية الأطراف السياسية بعد انتخابه بما يمكّن تنظيمه من الاستمرار”، من وجهة نظر العاني.
ويتحدث العاني عن أن “الإمارات تتخوّف من التنظيم الدولي للإخوان الذي يشبه في انتشاره تنظيم القاعدة، فهم يعملون على التدخل في شؤون الدول الأخرى، ولا يهتمون بشؤون مصر فقط”. لذلك رأت الإمارات، يردف المتحدث، أنه من الواجب عدم تمكين “الإخوان” من السلطة.
بيدَ أن حسين مجدوبي يشير إلى وجود “تناقض واضح” في سياسة الإمارات، وذلك بقوله:” من جهة، تدّعي الإمارات مواجهة الإخوان المسلمين لأنهم يستغلون الدين في السياسة ويشكلون خطراً على المجتمعات العربية، ومن جهة أخرى تُسلّح معارضة متطرّفة وهي جبهة النصرة القريبة من القاعدة لمواجهة بشار الأسد”.
ويضيف مجذوبي في تصريحات لـ DW عربية، أن الإمارات دولة تبحث عن مكانة لها في الشرق الأوسط، إلّا أنها تفتقد لما وصفها بالبوصلة الاستراتيجية، حيث صارت تعتقد، بحسب قوله، أن الخطر الرئيسي هو تنظيم الإخوان المسلمين بسبب موقفه الرافض للأنظمة الملكية.
هل تخرج الإمارات من الجلباب السعودي؟
وإذا كانت دولة قطر قد وظفت الاستثمارات والإعلام بقوة في سياستها الدولية لحجز مكانة لها أخرجتها من الدائرة السعودية، رغم تراجعها خلال السنتين الأخيرتين، إلا أن استثمارات الإمارات في العالم العربي محدودة، ولا تمتلك مقومات رسم دولة قوية وسط الخريطة الدولية، بحسب قول مجذوبي. ويضيف المتحدث أن أوّل مبادرة للإمارات بشكل بارز تجلّت في تسليح المعارضة السورية، غير أنها حملت لها انتقادات خطيرة تقترب من اتهامها بشكل غير مباشر بالدولة المموِّلة للإرهاب.
ويخلص مجذوبي إلى القول: ” سواء أبقيت الإمارات مع السعودية أو خرجت من جلبابها، فأفقها محدود للغاية في السياسة الدولية، إذ لا يمكن للدول التي لا تمتلك قوة عسكرية وصناعة عسكرية لعب دور هام في السياسية الدولية. فلو كان المال يصنع القوة، لكانت النرويج صاحبة أعلى دخل في العالم أقوى من الولايات المتحدة”.
ويقرّ العاني أن طموح الإمارات امتد للمجال السياسي، وبأنها صارت لاعباً سياسياً قوياً في السنوات الأخيرة في شؤون متعددة منها: الفلسطيني والسوري والمصري وحتى الليبي. لكن هل ستستمر الإمارات داخل الجلباب السعودي؟ بمعنى استمرار تماهي قراراتهما السياسية؟ يجيب العاني:”التعاون بين الاثنين ينطلق أساساً من كونهما القوتين الأكبر في مجلس التعاون الخليجي، غير أن ذلك لا يعني توّحداً تاماً لقراراتهما، فهناك نقاط اختلاف بينهما في بعض الأمور”.