في الوقت الذي عرفت فيه تونس ومصر تحولات سياسية واجتماعية جذرية مطلع 2011، شهد المغرب مرحلة من الانتقال السياسي المتحكم فيه. استجاب الملك محمد السادس لاحتجاجات فبراير 2011 بسلسلة من الإصلاحات الدستورية من أجل احتواء المطالب الشعبية بالإصلاح والتقليص من سلطات الملكية. وأشاد زعماء من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية بمشروع الدستور الذي أعلن عنه محمد السادس كما عبروا عن دعمهم له مرة أخرى إبان الانتخابات التشريعية التي جرت في نونبر من نفس السنة، وهو ما زاد من حدة البلاغة القائلة باستقرار المغرب في منطقة تعيش على إيقاع امتعاض شعبي وتوترات طائفية. لكن ماانفكت أن فقدت هذه النغمة المادحة بريقها خلال حملة انتخابية تزامنت مع اعتقال والتحرش بمئات الأشخاص الملتمسين عن طريق عرائض لمقاطعة العملية الانتخابية، معارضين بذلك استمرار القبضة الحديدية للملك على الحكم والإصلاحات المزيفة.
أعادت إصلاحات محمد السادس تجميع حملاته ضد المعارضين السياسيين. فلم يكن الدستور الجديد الذي تم التصويت عليه في يونيو 2011 عن طريق استفتاء، بدليل حقيقي على تحول ديمقراطي، ذلك أن الملك عيّن لجنة تضم مستشاريه للإشراف على إعداد مسودة الدستور وهو ما يدل على استمرار تحكمه عوض اختيار إستراتيجية تمثيلية جديدة. فنموذج الدستور يعكس منح صلاحيات إضافية للمؤسسات وثقافة المشاركة في الحكم في حين أبقى الملك على صلاحياته بلعبه دور الفيصل والحكَم الأسمى.
التقت دفعة الإصلاحات لتقوية “رئيس الحكومة” والنظام القضائي والتشريعي مع صلاحية الملك لحل البرلمان. إن استجابة الملك محمد السادس للضغط الشعبي والتوترات الإقليمية بإصلاحات مزيفة عوض إرادة حقيقة في التغيير لهو دليل على ماهية المشروع الإصلاحي. والنتيجة كانت دستورا جديدا استعمل ذريعة الإصلاح كأداة لتقوية السلطات الملكية.
لا يتضمن دستور 2011 لغة بُشارة حين يتم ترجمتها سياسة حقيقية على أرض الواقع، من شأنها أن تستشرف تقدم المغرب لا سيما على مستوى الإعلام. ففصول الدستور التي تتحدث عن حرية التعبير أخذت مقعدا خلفيا تاركة للنشطاء والصحفيين هامشا مغلقا للتعبير الحر. فبعد شهور قليلة من الاستفتاء تم الحكم على الصحفي الشهير رشيد نيني بسنة سجنا نافذا بتهمة “الإساءة لمسئولين كبار في الدولة” وهذا مؤشر واضح على عدم إصلاح القانون الجنائي وأن تعديل الدستور لن يجدي نفعاً في هذا الصدد.
فقضية الصحفي نيني برهنت على استمرار سياسية تكميم الأفواه في عهد سياسي جديد يُستبشر منه الكثير. وبعد ذلك بينت الأحداث أن قمع حرية التعبير هو النموذج والمعيار في مغرب الإصلاحات المفترضة.
دأبت وزارة الاتصال وفي خرق سافر للفصل 28 من الدستور الجديد القائل بحماية حرية التعبير من “أي شكل من أشكال الرقابة القبلية”، على مصادرة جرائد وطنية وأجنبية تحت ذريعة “الإساءة للدين الإسلامي والنظام الملكي والوحدة الترابية للمغرب أو الاحترام الواجب تقديمه لشخص الملك أو النظام العام” وفقاً لقانون الصحافة لسنة 2002.
وفي نفس السياق، زُج بعبد الصمد هيدور في السجن لمدة ثلاث سنوات بسبب نشره شريط فيديو على يوتيوب يُزعم منه أنه شتم وسب الملك. و كانت قد حثت منظمة هيومن رايتش واتش السلطات المغربية على ضرورة إصلاح المسطرة الجنائية وقانون الصحافة .
وتعد قضية الصحفي ورئيس التحرير علي أنوزلا مثالا حياً حديثاً عن حملات القمع التي تنهجها الدولة المغربية ضد حرية الصحافة. وتبين كذلك هذه القضية استهتار المغرب بالقانون الدولي.
في شتنبر 2013، أبلَغ أنوزلا من خلال موقعه الإليكتروني “لكم” أن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بثت فيديو يهاجم النظام الملكي في المغرب، وتم توقيفه واعتقاله على إثر ذلك بتهمة “الإشادة بالإرهاب”. ورغم متابعته في حالة سراح بعد أن قضى شهرا في السجن مازال أنوزلا يواجه تهما ثقيلة بقانون الإرهاب قد تصل إلى 20 سنة سجناً “تقديم الدعم لتنفيذ جريمة إرهابية والإشادة بأعمال إرهابية”.
وصف عليّ أنوزلا التهم الموجهة إليه أن وراءها “دوافع سياسية” ومرتبطة بالخط التحريري المستقل لموقع “لكم.كوم” وسلسلة المقالات والافتتاحيات والتحقيقات الصحفية التي تفضح الفساد المستشري في المغرب. ورغم الضغوطات الممارسة من قبل منظمة مراسلون بلا حدود وهيومن رايتس واتش ومجموعات مساندة أخرى، مازالت الجريدة الإليكترونية “لكم.كوم” مغلقة. وفي 29 من ماي 2014 أيد القضاء تهما ضد علي أنوزلا في قضية أخرى وأصدر في حقه شهرا سجنا موقوف التنفيذ وغرامة مالية.
ينذر استمرار متابعة الصحفي علي أنوزلا ببقاء العراقيل الكبيرة الممنهجة ضد المشهد الصحفي المتحكم فيه بالمغرب. ويعتبر قرار اعتقال أنوزلا باطلا وعبثيا، حيث سُجن لمجرد تسليطه الضوء على خطر يتهدد أمن المغرب.
إن ما تعتبره السلطات ”بروباغندا” هو في الحقيقة مادة خبرية مفيدة للملكية في صناعتها لسياستها الأمنية ضد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
يتعين على الملكية أن تعترف أن تخفيفها لقبضتها على الصحافة والالتزام بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان سيخدم إلى حد كبير مصلحتها الوطنية.
يجب على زعماء أوروبا والولايات المتحدة وبكل حزم أن يحمّلوا محمد السادس ملك المغرب مسئولية عدم وفاءه بوعوده الدستورية.
وفي ندوة صحفية سنة 2011، وصف محللون في المجلس الاوروبي للعلاقات الخارجية موقف الاتحاد اتجاه المغرب “بالمتجزئ واللامبالي وقصير المدى”، منتقدين بذلك الدول الأعضاء التي منحت للمغرب الوضع المتقدم وعلاقات المصالح الأمنية بناء على إصلاحاته المؤسساتية.
ومادام المغرب وبدون شك حليفا استراتيجيا في التجارة ومحاربة الإرهاب يجب على الغرب أن يستعمل هذه العلاقات كثقل سياسي للدفع بالأجندة الديمقراطية، عوض المدح والإشادة بإصلاحات الملك التافهة.
إذا استثمر الغرب بشكل حقيقي وفعلي في نشر وإشاعة المعايير الدولية لحقوق الانسان فعلى الأمم المؤثرة أن تدافع بشكل مستمر عن التغيير الحقيقي في هذا المجال. فتوسيع المشهد الإعلامي يعد نقطة انطلاق حاسمة لاستشراف تحول نحو الديمقراطية في المغرب. يُقدم دستور 2011 الإطار القانوني الذي بإمكانه استيعاب كل هذه التغيرات، لكن غياب التنزيل والتطبيق على أرض الواقع سيجعل الصحفيين والمدونين يعيشون شبح المتابعة لا لشيء سوى لأدائهم لعملهم.
استمرار قمع حرية الصحافة في المغرب/ كارينا بايزر
تظاهرة تضامنية مع علي أنوزلا