ارتفع اهتمام الصحافة الأمريكية بالمغرب بشكل غير مسبوق، وبدأت هذه الصحافة تنشر بين الحين والآخر مقالات حول الوضع السياسي في البلاد ووضع الحريات أساسا. وإذا كانت نيويورك تيامز قد خصصت الشهر الماضي ربورتاجا حول كتاب الأمير هشام، تعود اليوم في مقال مطول الى الحديث عن تراجع الحريات وتوجه انتقادا قويا للملك محمد السادس. وينضاف مقال اليوم ال افتتاحية سابقة للواشنطن بوست كانت أقسى ما نشر من افتتاحيات في تاريخ الصحافة الأمريكية ضد المغرب.
نص مقال نيويورك تايمز
نيويورك تايمز ـ الرباط ـ أسابيع قليلة عن الذكرى الخامسة عشرة لتوليه حكم المغرب ، شوهد الملك محمد السادس في شوارع تونس وهو يرتدي سروال “دجينز” و”تيشرت” بينما كان في زيارة رسمية، على نمط يليق بـ”ملك الهدوء”، وهو اللقب الذي أطلقته عليه وسائل الإعلام الأجنبية.
ومع ذلك، أثناء عودته إلى المملكة، كانت قد تصاعدت التوترات وازداد القمع في حق الصحفيين والنشطاء المطالبين للديمقراطية، حيث تحاول الحكومة ترويض المعارضة التي تقوى عودها منذ سنة 2011 مع الثورات العربية.
علي أنوزلا صحفي يواجه عقوبة قد تصل إلى 20 عاما سجنا نافذا بتهمة دعم الإرهاب بسبب نشر شريط فيديو يُعتقد أنه من انجاز مجموعة مسلحة من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. الفيديو هاجم المؤسسة الملكية، ودعا إلى الجهاد في المغرب.
مصطفى الحسناوي صحفي آخر، يقضي حكما بالسجن لمدة أربع سنوات بسبب ما قالت الحكومة إنها ارتباطات مع الجهاديين في سوريا. السيد الحسناوي بدأ إضرابا عن الطعام في أواخر ماي للاحتجاج على اعتقاله.
معاذ بلغوات، مغني الراب الذي شكل واجهة حركة 20 فبراير المطالبة بالديمقراطية سنة 2011، متابع أمام المحكمة بسبب ما وصفه بتهم ملفقة ببيع تذاكر كرة القدم بشكل غير قانوني. كما تم الحكم على العديد من النشطاء في صفوف الحركة مؤخرا بالسجن من ستة أشهر إلى سنة واحدة بسبب مشاركتهم في احتجاج جماعي يوم 6 ابريل.
سنة 2011، عندما نزل المغاربة إلى الشوارع، رد الملك بسرعة على المعارضة المتزايدة بوعود بإعادة النظر في كل للممارسات غير الديمقراطية الماضية، والمزيد من الحرية واحترام حقوق الإنسان.
كما سمح بصياغة دستور جديد، وهي الحيلة التي لجأ إليها والده، الملك الحسن الثاني، سبع مرات لمواجهة الأزمات طيلة فترة 38 عاما التي قضاها في الحكم. وقد توفي سنة 1999.
غير أن الكثيرين يرون أن التغييرات التي أجراها محمد السادس تجميلية بحتة. وقد صرحت موفدة الأمم المتحدة المفوضة السامية لحقوق الإنسان، “نافي بيلاي”، بوجود نقص في الإرادة السياسية لتنفيذ الإصلاحات الموعودة، وعلى الخصوص في مجال حقوق الإنسان.
وقالت السيدة “بيلاي” للصحفيين في المغرب في ختام زيارة استمرت ثلاثة ايام في الشهر الماضي وبعد لقاء مع محمد السادس: “إن العديد من المكتسبات في ظل الدستور يجب أن تترجم إلى واقع ملموس بالنسبة للشعب المغربي” . مضيفة أن “هناك توقعات كبيرة بشأن الأثر الإيجابي للإصلاحات، ولكن هذه لا يمكن تحقيقه حتى يتم سن القوانين.”
كما ذكر نشطاء في مجال حقوق الإنسان أنه كانت هناك هالة إعلامية، إلا أن التغييرات ظلت طفيفة
وقال “اريك جولدشتاين”، نائب مدير هيومن رايتس ووتش لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن المغرب “في مجال حقوق الإنسان يشبه ورشة بناء واسعة مع مراسم قص شريط متكررة لتدشين مشاريع الكبرى” قبل أن يستطرد “وفي الوقت نفسه، تواصل السلطات اعتقال وسجن المتظاهرين والمعارضين بتهم ملفقة وتفريق المظاهرات السلمية بعنف، لا سيما في الصحراء الغربية”.
وأضاف السيد “غولدشتاين” أن “التهم الموجهة للسيد أنوزلا المتعلقة بالإرهاب كان واضحا أن المقصود من ورائها هو تخويف الآخرين الذين يتحدون علنا “الخطوط الحمراء” للدولة.
لكن المعارضة تنامت بشكل ملحوظ منذ ظهور حركة 20 فبراير، مما يعكس تزايد الرغبة لدى المغاربة في تحدي الحكومة.
وصرح مروان مرابط ، 28 سنة، وهو ناشط سياسي من مدينة الدار البيضاء، ومن أكبر المؤيدين لحركة 20 فبراير، أن “جزءًا كبيراً من الطبقة السياسية كانوا يرفضون مناقشة القضايا الحقيقية التي تخص مآسي مجتمعنا في الفضاء العمومي، وبالتحديد دور المؤسسة الملكية، واحترام حقوق الإنسان، وتوزيع الثروة، والفصل بين السلطات”. وأكد السيد مرابط أن “الوضع مختلف الآن”، بالرغم من أن جرأة الكلام كانت لها عواقب قاتلة لصديقه كريم لشقر، الذي توفي في ظروف غامضة في مخفر الشرطة في 27 مايو في مدينة الحسيمة شمال البلاد.
وقال إن “كريم كان زعيما، وان الرواية التي قدمتها الشرطة فيها خلط وتناقض وعدم احترام لعائلة الضحية.”
وقالت مونا الشرايبي بناني، وهي استاذة الدراسات الدولية في معهد الدراسات السياسية والدولية في جامعة “لوزان” في سويسرا، وكانت انجزت بحثا حول الحركات الديمقراطية المغربية “يسعى النظام إلى التخلص من رموز المعارضة بواسطة جرائم الحق العام، أو الإرهاب في حالة أنوزلا، والإساءة إلى مكانتهم كمعارضين سياسيين ومنعهم من أن يصبحوا أبطالا “.
وذكرت أن “المغرب هو واحد من تلك الأنظمة الموجودة في منطقة رمادية ـ لا هو نظام سلطوي بالكامل ولا هو ديمقراطي بالكامل ـ حيث يتم القمع بشكل انتقائي ومحدد”. وأضافت السيدة الشرايبي بناني “عندما كانت الحركة قوية كان النظام مرتبكا، لهذا كانت قوات الامن تمشي علىقشر البيض لأنها كانت تعلم أن القمع الجماعي هو الذي يشعل النار، وسيزيد من قوة الحركة.”
ومع ذلك، فإن السلطات لا تخشى من استهداف الأشخاص مثل السيد أنوزلا، والنظام القضائي في المغرب لن يكون في صالحهم، كما يقول الخبراء.
وأشار رضا أولامين، وهو محام في مدينة الدار البيضاء ورئيس جمعية الحق والعدالة، مجموعة مهتمة بإرساء سيادة القانون في المغرب، أن “الدولة تعتقل أي ناشط إذا كانت تريد ذلك. لا قيمة للقانون هنا”.
وأكد السيد أولامين أنه “ليس هناك استقلالية القضاء رغم الدستور الجديد، والذي تم إحداثه لتهدئة الشارع”. مضيفا أن هناك “بعض التقدم منذ تشكيل نادي القضاة الشجعان”، الذي أسسه مئات القضاة سنة 2011 للمطالبة بمزيد من استقلال للقضاء.
وفي عدة مناسبات نفى وزير العدل، مصطفى الرميد، مزاعم بأن الحكومة قامت بتعذيب المعتقلين وتوجيه اتهامات ملفقة للمعارضين. ويقول إن الدولة ليست مسؤولة عن التجاوزات الفردية في استعمال السلطة.
ويتحدث المشرعون عن معالجة أوجه القصور في النظام القضائي، ويتوقعون أن تسنّ قوانين بخصوص حماية حقوق الإنسان في الأسابيع القليلة المقبلة.
وقال اعتماد زاهدي، وهو عضو في البرلمان إن “هناك إرادة لإصلاح القوانين، وهناك نقاش من أكثر من سنة و هذه الأمور لا تحدث بين عشية وضحاها”. مضيفا أن “هناك أمور كثيرة تم انجازها، على سبيل المثال حماية المهاجرين غير الشرعيين من خلال الحملة الأخيرة لتسوية وضعيتهم.”
ويقول خبراء إن المملكة قد قللت بذكاء من مصداقية المصادر الرئيسية للمعارضة السياسية، وامتصت بفعالية غضب معظم المغاربة واحباطهم. ولكن هذه الاستراتيجية محدودة، يعتقد كثيرون.
وختم الناشط مرابط “إن المملكة نزعت المصداقية عن اليسار، وعن النقابات، وعن المجتمع المدني، والآن عن الإسلاميين. وسوف تدخل قريبا في مواجهة مباشرة مع الشعب، وإذاك لن يبقى لديها أي صمامات أمان”.