يفتقد الاتحاد الأوروبي لسياسة مواجهة ومعالجة مطالب الانفصال وسط أعضاءه. وسبق وأن واجه ثلاث مرات تغيير حدود الدول الأعضاء، وحدث ذلك سنة 1962 باستقلال الجزائر والوحدة الألمانية ثم خروج غرينالديا من الاتحاد الأوروبي. والحالات الثلاث كانت مرتبطة بالإستعمار والحرب العالمية الأولى والثانية. بينما التحدي الآن فهو مختلف لأنه يتعلق بدول مثل اسكوتلندا وأقاليم مثل كتالونيا التي ترغب في الانفصال عن الدول الأم ولكن تصر على البقاء ضمن حظيرة الاتحاد الأوروبي.
وفكرة الاتحاد الأوروبي جاءت لمواجهة مآسي الحرب العالمية الأولى والثانية، وقد بدأ تحت اسم السوق الأوروبية المشتركة ليتم تغيير الاسم الى الاتحاد الأوروبي في التسعينات. ويفيد تقرير صادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية “المعهد الأوروبي للدراسات الاستراتيجية” الأسبوع الماضي غياب أطروحة وآليات واضحة لمعالجة الانفصال الذي يهدد القارة العجوز باضطرابات سياسية مستقبلا.
الجزائر أول حالة انفصال عن أوروبا
وتاريخيا، واجه الاتحاد الأوروبي ثلاث حالات فرضت تغيير حدوده. وكانت الحالة الأولى، وتبدو مثيرة، لأن الأمر يتعلق بدولة الجزائر. فهذا البلد المغاربي لم تكن تعتبره فرنسا مستعمرة بل جزءا من أراضيها. ولهذا عندما جرى تأسيس السوق الأوروبية المشتركة رسميا سنة 1957 كانت الجزائر جزءا من فرنسا. وتتوفر فرنسا على مناطق تسجلها باسمها قانونيا وسط الاتحاد الأوروبي مثل كاليدونيا في الهادي. وبهذا كانت فرنسا أكبر دولة مساحة عند تأسيس الاتحاد الأوروبي.
والمفارقة التاريخية، يقول الباحث الإسباني خوسي أورتيغا الذي أنجز دراسة حول الحدود الداخلية الأوروبية جرى التشطيب على الجزائر ضمن الفضاء الأوروبي حتى سنة 1992 بموجب اتفاقية ماستريخت الشهيرة التي أعادت بناء الفصاء الأوروبي. ووفق ما تنقله جريدة الباييس عن هذا الخبير لو كانت الجزائر قد طلبت الانضمام الى أوروبا وقت استقلالها لكان قد أخذ طلبها عل مأخذ الجد لأنها كانت مسجلة أراض أوروبية.
وإذا كانت الأدبيات السياسية للاتحاد الأوروبي تعتبر الجزائر انفصالا، فهذه الأخيرة تعتبر استقلالا ولم تقرر يوما ما انضمامها للاتحاد بل كانت تحت الاستعمار الفرنسي.
وكانت الحالة الثانية هي انفصال غرولانديا من السوق الأوروبية المشتركة سنة 1985 بموجب استفتاء تقرير المصير ولكنها بقيت مرتبطة بدولة الدنمرك الى يومنا هذا، وهذه الأخيرة عضو في الاتحاد الأوروبي.
والحالة الأخيرة هي المتعلقة بالوحدة بين المانيا الشرقية وألمانيا الغربية سنة 1990 حيث تحولت المانيا الى أكبر دولة أوروبية مساحة وساكنة. وتعتبر الوحدة الألمانية أكر تغيير شهده الاتحاد الأروبي قبل عملية التوسع الكبيرة خلال العقدين الأخيرين.
وكانت حالة الجزائر استثنائية بحكم وقوعها في الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط وثقافتها المختلفة عن أوروبا وتوج قيادتها وقتها نحو الابتعاد عن الغرب والاقتراب من المعسكر الشرقي. ولم يكن لغرولانديا أي تأثير بسبب البعد الجغرافي وساكنتها المحدودة جدا والتي لم يكن لها أي دور في تاريخ أوروبا.
التحدي: الانفصال عن الوطن الأم والبقاء ضمن الاتحاد الأوروبي
ويختلف التحدي الآن، وفق التقرير الاستراتيجي المذكور، فالأمر يتعلق بدول ترغب في الانفصال مثل اسكولتندا عن بريطانيا حيث سيجري استفتاء تقرير المصير يوم 9 سبتمبر المقبل وإقليم كتالونيا عن اسبانيا، وسيجري تقرير المصير يوم 9 نوفمبر المقبل.
ولا تنص قوانين الاتحاد الأوروبي على آليات لمواجهة مثل هذه الحالات أو كيف ستنعكس على العملة الموحدة والحدود السياسية. ويقول الباحث الإسباني مانويل مدينا في كتابه الصادر هذه الأيام “الحق في الانفصال في الاتحاد الأوروبي” أن القوميات تعود بقوة الى القارة الأوروبية وسط فراغ قانوني للتعامل معها.
ويحصي الكثير من محاولات الانفصال التي تشمل أوروبا الشرقية والغربية وتبلغ 15 محاولة انفصال. لكن هذه المرة يجري التركيز على أوروبا الغربية بسبب اسكوتلندا وكتالونيا ويحذّر من برميل بارود في أوروبا الشرقية.
وهكذا تأتي مطالب الانفصال في وقت تعيش فيه أوروبا أزمة قيم واقتصادية، وتتزامن مع الذكرى المائوية الأولى للحرب العالمية الأولى التي كانت أوروبا مسرحا لها. ونشبت الحرب بسبب صراع القوميات، وتطل موضوع القوميات ليهدد أوروبا مجددا.