مع الإصرار على الوصول إلى الضفة الأخرى في مشروع هجرة للخلاص من واقع يضيق بهم، تكبر القدرة لدى الأفراد على اختراع السبل التي تفضي إلى تحقيق هذا الحلم، وتجاوز كل ترسانة الحراسة التقنية والبشرية المستنفرة على الحدود لمنع وصول من يصفهم القانون الاوروبي الرسمي ب” المهاجرين السريين”. ولعل صورة مواطن جزائري و هو يغامر بنفسه وحياته من اجل الوصول إلى التراب الإسباني حيث اختبأ بحيز المحرك الايمن للباخرة “فري” كانت تنقل المسافرين من طنجة إلى طريفة، وهو المحرك الذي به مروحة نفاثة كبيرة قد تحوله في ادنى تماس مع أطرافها إلى فتات، لعل تلك الصورة تعطي الانطباع عن حجم التحدي لدى البشر في تجاوز الحدود التي تفرض عليه وتحرمه من حق التنقل بحرية.
وتبقى طريقة التسلل التي حاولها المهاجر الجزائري ذو 48 سنة بغرض الوصول إلى طريفة، عبر الاختباء في مكان المحرك الخلفي للباخرة، واحدة من أخطر طرق الاختباء المخيفة، تقتضي قدرة كبيرة على تحمل الصوت المرتفع للمحركين ضخمين المتقاربين ويتطاير منهما الماء بقوة، وقدرة عالية أيضا لحفظ التوزان خلال تحرك الباخرة ما يحول دون تماسه مع رؤس المحرك النفاثة، إضافة إلى انها تغوص في المياه لحظات أثناء العبور.
ويكشف لنا تاريخ” الهجرة السرية” طرقا متعددة للاختباء المثيرة بغرض التسلل ، منها التخفي أسفل شاحنة، أو في مكان بالقرب محرك سيارة أو في داخل احد كراسيها و غيرها. وتبقى من اخطرها هاته التي أقبل عليها المواطن الجزائري الذي بائت محاولته بالفشل بعد أن جرى رصده من قبل عناصر الأمن الإسباني بطريفة ساعة رسو الباخرة.
و يعكس هذا الاسلوب في الهجرة حالة اليأس لدى هوءلا الافراد للخروج من واقعهم، فمن يقبل على سبيل مثل هذا فلأنه ما عاد يحتمل واقعه. ومعها ايضا تترسخ حقيقة ان حاجة الإنسان للتنقل الحر ستدفعه دائما إلى تجاوز كل الحدود والحواجز و قوانين الرصد المتطورة التي تجتهد في تثبيتها الدول ” الغنية” على حدودها مع الدول الفقيرة.