هل يعيش المغرب زمن الرواية؟

صحوة روائية لافتة في المغرب

 

بسبب جرأتها على القول والبوح.. ولما تحمله من قضايا وتحوّلات تهم المجتمع المغربي على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والفكرية، صارت الرواية في المغرب العربي لسان حال الإبداع،

وتحظى باهتمام كبير من قبل النقاد والقراء داخل المغرب وخارجه.

وبسبب ما تنهض عليه من مقومات فنية ودلالية…

وما تستقطبه من نجاح وإقبال في المحافل العربية… أصبحت فناً مفضلاً من المبدعين وغيرهم على حد سواء.. وباتت تقرأ على نحو واسع… لكنها ظلت تثير أسئلة لابد من طرحها على بساط الجدل

هناك جيل جديد من الروائيين المغاربة فاجأ المشهد الأدبي وكسر سلطة الأسماء المكرسة

بسبب جرأتها على القول والبوح.. ولما تحمله من قضايا وتحوّلات تهم المجتمع المغربي على كل المستويات الاجتماعية والسياسية والفكرية، صارت الرواية في المغرب العربي لسان حال الإبداع، وتحظى باهتمام كبير من قبل النقاد والقراء داخل المغرب وخارجه.

وبسبب ما تنهض عليه من مقومات فنية ودلالية… وما تستقطبه من نجاح وإقبال في المحافل العربية… أصبحت فناً مفضلاً من المبدعين وغيرهم على حد سواء.. وباتت تقرأ على

هل أصبحت الرواية المغربية أكثر الأنواع الأدبية المُهيمنة في الساحة الثقافية، بعد انحسار وظيفة الشعر و قلّة انتشاره بين القراء؟ وهل حققت الرواية المغربية تراكما، يسمح لهذا الجنس الأدبي أن يحقق حضوره في المشرق العربي؟ أو بعبارة أخرى ما المقومات التي أهلت الرواية المغربية للتميّز في العالم العربي؟ هل يقوم النقد المغربي بدوره التاريخي في متابعة ما تطرحه دور النشر المغربية من روايات؟ وهل استفادت السينما المغربية من النص الروائي المغربي؟ ومن هي الأسماء المؤسسة للرواية المغربية؟ وما هي العوائق التي تحول دون وصول النص الروائي المغربي إلى المشرق العربي؟

أسباب للاحتفاء

يقول الدكتور عبداللطيف محفوظ: “لا يُخفى على المُتتبع لمسار الرواية المغربية أنها أثبتت اليوم جدارتها بالتفوق في التعبير عن الواقع المغربي تخييليا، وبفضل ذلك استقطبت مختلف أجيال المبدعين واختياراتهم الفطرية للكتابة في جنس معين. فالرواية لا تكتب اليوم من قبل الروائيين وحسب، بل من قبل القصاصين والشعراء والحقوقيين والمفكرين وغيرهم، ويعتبر هذا التنوع في تخصصات الكتاب وميولهم عنصر إخصاب فريدا أثرى الرواية وجعلها متنوعة من حيث الموضوعات المقتطعة من الموسوعة الشاملة المكتنزة لمختلف الأحداث والوقائع والأفكار بخصوص الذوات والعوالم الفعلية أو الممكنة عبر التاريخ، ومن حيث العوالم التخييلية المؤثثة للحبكات والعلائق بين الشخوص، ومن حيث الصوغ السردي المجسد في النهاية، لكل تلك التوليفات المضمرة في سيرورات الإنتاج. كل ذلك أدى إلى انتباه الناشر العربي إليها، الشيء الذي جعلها مقروءة من قبل الناقد والقارئ العربيين. بيد أن الاحتفاء العربي بها، قد لا يكون عائدا بالدرجة الأولى إلى البعد الجمالي الذي لا يبدو، في كل التجارب، متفوقا أو حتى مناظرا للرواية المشرقية، بل يعود أكثر إلى الاختلاف الذي يسم عوالمها الممكنة المنضدة، في الغالب، على الواقعين التاريخي والاجتماعي، باعتبار ذلك الارتباط، إذ يتيح التميز بالنسبة للنص، يخلق، بالنسبة للقارئ، متعة التعرف على تشخيصات لعوالم مختلفة.

وحول النقد في المغرب وأثره على المنجز الروائي أضاف قائلاً: “من الصعب تشخيص الدور الذي يقوم به النقد بالنسبة لتطور الرواية، أولاً لأن النقد جنس أدبي مستقل عن غيره يفكر أساسا في ذاته، وليس بالضرورة تابعا لجنس إبداعي معين يرصد كل ما يصدر في مجاله.. إن النقد متنوع، منه ما يميل إلى الدراسة الأدبية ومنه ما يميل إلى تمثل النظريات ومحاولة تبيئتها، وهذان النمطان لا يمكن الحسم في أهميتهما المباشرة، بالنسبة لتطور الرواية المغربية بشكل خاص والعربية بشكل عام، لأن هدفهما الأساس غالباً ما يكون تشكيل معرفة مجردة وعامة تستجيب، في المقام الأول، لأشكال تحقق البنى التصورية والجمالية بشكل مجاوز للتحققات الموضوعية للنصوص الفعلية؛ ومنه ما يميل إلى النقد الصحافي والمناسباتي الذي يتولى الإخبار بصدور روايات أو التقديم لها في محافل أضحت متعددة، وهو نقد مجامل وسطحي في غالبيته، لكنه يقوم بوظائف جمة بالنسبة للتعريف بالأعمال والإغراء بجودتها الفعلية أو المزعومة. وثانيا لأن أغلب كتاب الرواية – رجالا ونساء – لا يلتفتون إلى النقد عموما، ولا يهتم كل واحد منهم إلا بما هو مديح لأعماله.. ولما كانت العلاقة بين الروائيين وبين النقد الحقيقي وفق الشكل الموصوف سابقا، فلا مجال للحديث عن تأثير النقد المباشر في الرواية وشكل إنتاجها”.

ويرى الدكتور عبداللطيف محفوظ أن “مهمة النقد كامنة في بناء صورة مجردة ومتعالية توصف المتشارك بين الأعمال، وذلك وفق رؤية مؤسسة على خلفيات نظرية جمالية ومعرفية، تتغيا في النهاية، استخلاص الجوهري في الذهنية المغربية، وليس متابعة ما ينشر نصا نصا. وبذلك الصنيع يمكن فقط للنقد أن يفيد من يريد أن يكتب الرواية”.

فن ديموقراطي

أما الناقد الأدبي الدكتور عبد المالك أشهبون فيقول: “ثمة جيل جديد من الروائيين المغاربة فاجأ المشهد الأدبي وكسر سلطة الأسماء المحتكرة والمكرسة للفن الروائي، وخير مثال على ذلك رواية “كرة الثلج” لعبد الرحيم جيران، الصادرة عن دار الآداب هذه السنة، والتي لقيت إقبالا مدهشا في المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء خلال حفل توقيعها حيث نفدت طبعتها الأولى تماما في وقت وجيز، كما صرحت بذلك رنا ادريس مديرة الدار الناشرة، ورواية “الهدية الأخيرة” لمحمود عبد الغني التي نالت جائزة المغرب للكتاب لهذه السنة، والتي قيل في حقها الكثير من الكلام، إضافة إلى رواية “الحق في الرحيل” لفاتحة مرشيد التي خطت لنفسها مسارا متميزا في الكتابة الروائية، وأخيراً رواية “مطبخ الحب” لعبدالعزيز الراشدي الذي أضفى مذاقا مغربيا أصيلا على فن الكتابة السردية بالمغرب.

واعتبر اشهبون أن السرد كان دوما محط جذب للمتلقي العربي. فقد كان لمقولة “الشعر ديوان العرب” الأثر السلبي على المكتبة السردية العربية التي كان يزخر بها الأدب العربي منذ القديم، ولا أدل على ذلك أن الأدب العربي لم يرتق مرتبة العالمية إلا من خلال كتاب “ألف ليلة وليلة” وروايات نجيب محفوظ. وقد بلغت هذه العالمية أوجها بتتويج هذا الأخير بجائزة نوبل للآداب.

أما عن سبب انتشار الرواية؛ فلأنها فن ديموقراطي، يتيح حرية التعبير لكل من يرتاده. فهو ليس فنا تحتكره النخبة فقط، كما هو شأن بعض الفنون الأخرى (الشعر/التشكيل/المسرح….)؛ والدليل على ذلك ما شهدته السنوات الأخيرة من موسم هجرة متزايدة نحو فن الرواية، من لدن شعراء ومفكرين ومؤرخين ورجال سياسة سابقين.

ويرى الدكتور أشهبون أن الرواية المغربية تتميز بنفسها الشاعري، ويقول: “ينهض الملمح الشاعري بالأساس على اللغة الشاعرية، ذلك أن لكل من الشعر والنثر أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره. فلغة التواصل المألوفة تنتمي إلى مستوى اللغة المعيارية، بينما تنْزاح اللغة الشاعرية عن هذا المعيار وتتجاوزه. إنها تهدم اللغة العادية، وتروم تشكيل استراتيجية لغة أخرى، وفقاً لتصور أسمى، إذ اللغة الشعرية تنْزاح عن لغة النثر الجافة، كما أنها تقف أحياناً على النقيض منها، لتؤسس لنفسها منطلقات منطقية وتركيبية وجمالية خاصة، وما تمثله الصيرورة الإيحائية في هذا المجال، نستطيع التوقف عند بعض النماذج التمثيلية للروايات التي تستثمر اللغة الشاعرية بمواصفاتها المألوفة (الانزياح/الصورة الشعرية/ الموسيقى)، وهي كما يلي: “رحيل البحر” لمحمد عز الدين التازي، و”جنوب الروح” لمحمد الأشعري، و”العشاء السفلي” لمحمد الشركي. ومن الملاحظ أن العديد من الشعراء المغاربة يمموا وجهتهم الإبداعية مؤخرا إلى عالم الرواية ومثال ذلك: محمد الأشعري وحسن نجمي وفتيحة مرشيد.

ويعتبر أن أشهبون أن الرواية المغربية كانت متأخرة زمنيا عن الرواية في المشرق العربي إذ لم يظهر نصها الأول إلا خلال أربعينات القرن العشرين، و هو نص “الزاوية” للتهامي الوزاني، فإنها تحاول أن تجد لها موطئ قدم في الساحة الأدبية العربية، و لعل أهم مقوم يؤهلها لذلك هو تقديمها لبيئة محلية خاصة اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا لا يمكن لأي رواية أخرى أن تنوب عليها في تقديمها، فالرواية المغربية تحاول تصوير الإنسان المغربي وهمومه الوجودية والنفسية والاجتماعية والثقافية، وهذا ما يبرر وجودها ويشكل إضافة نوعية للرواية العربية عموما.

ويؤكد أن “الرواية المغربية تخطو خطوات راسخة نحو تكريس نفسها كإحدى لبنات التخييل الروائي العربي، و قد برهنت التجربة الروائية الحديثة عن ذلك بالملموس من خلال نصوص فازت بجوائز مرموقة كرواية “العلامة” لـ بنسالم حميش التي فازت بجائزة نجيب محفوظ للرواية ورواية “القوس والفراشة” لمحمد الأشعري الفائزة بالبوكر العربية، وهناك روايات حصلت على درجات مشرفة في جائزة الطيب صالح للرواية، منهم الروائيون الجدد كإبراهيم الحجري وهشام بن الشاوي وروائيون قدامي كمحمد عز الدين التازي. أما عن الأسماء التي تحرك المشهد الروائي الآن فهناك تركيبة غير مُنسجمة تتكون من روائيين من أجيال مختلفة، لكن يبقى أن الجيل الجديد حاضر بقوة ومن بينهم الزهرة رميج وشعيب حليفي ونور الدين محقق وعبد العزيز الراشدي وأحمد الكبيري وصدوق نورالدين وغيرهم.

كتابة الغائب

أما الباحث والناقد المغربي الدكتور محمد بو عزة فيرى أن تتويج رواية “القوس والفراشة” للشاعر الروائي محمد الأشعري بجائزة البوكر العربية، جاء ليعيد لصورة المغرب الثقافية توازنها لدى المشرق العربي. لحوالي ثلاثة عقود ظلت صورة المغرب الثقافية في الخريطة الثقافية العربية تختزل في صورة المغرب الناقد، الذي يزدهر فيه الخطاب النقدي على حساب الخطاب الإبداعي، حيث ساهمت عوامل عديدة في تكريس هذه الصورة النمطية، من بينها أن المنجز النقدي المغربي استطاع أن يفرض خطابه كسلطة مرجعية، وهو ما ترتب عنه تغييب البعد الآخر من صورة المغرب الثقافية، أقصد البعد الإبداعي بمختلف أشكاله الشعرية والقصصية والروائية…فعلى الرغم مما عرفه المشهد الإبداعي المغربي من دينامية إبداعية سواء على صعيد التراكم الخطي أو التحولات النوعية في مستوى الشكل والرؤية وموجات التجريب والتجديد، ظلت صورة المغرب الناقد تهيمن على تمثيل المغرب الثقافي في المشرق العربي. وهذا ما يفسر أن أرقى الجوائز العربية المشرقية كانت من نصيب المفكرين والنقاد المغاربة وليس المبدعين (محمد عابد الجابري، محمد مفتاح، عبدالفتاح كيليطو، سعيد يقطين…)، بينما لم تنل أشكال الإبداع هذه الحظوة المعترف بها. ولقد ساهم النقد المغربي في تكريس هذه الصورة الأحادية، حيث أن أغلب الكتب النقدية والأطروحات الجامعية اشتغلت على نصوص روائية مشرقية، وتجاهلت النصوص الروائية المغربية، وهو ما خلق انطباعا وهميا بأن الرواية المغربية لم ترق إلى مستوى الرواية المشرقية، ولذلك لم تجد طريقها إلى المحفل النقدي المغربي، بمثل الكثافة التي حظيت بها الرواية المشرقية، بل وصل الاستيهام بأحد النقاد في إحدى المحافل إلى التشكيك في وجود رواية مغربية عندما تساءل بنبرة استنكار مستفزة: “هل لدينا رواية مغربية؟”، وهذا ما يطرح مسألة النقد كسلطة تعمل في كثير من الأحيان وفق إستراتيجية الاستبعاد، وهذا ما يفرض إعادة النظر في الكثير من افتراضاته النقدية، التي لا تكون دائما مبنية على استقصاءات معرفية، بل على صراعات إيديولوجية مجانبة للحقيقة.

ويرى الدكتور بو عزة أن من أهم الكتب النقدية المؤسسة التي عملت على إزاحة هذه المصادرة الأيديولوجية كتاب الباحث الأكاديمي أحمد اليابوري “دينامية النص الروائي”، الذي عمل على إعادة الاعتبار للرواية المغربية، حيث تمكن من خلال قراءة عالمة بمسارين مزدوجين: ماكرونصي وميكرونصي استكشاف القيمة الكبيرة للنصوص الروائية المغربية، وتميزها في مجال الإبداع الروائي العربي، حيث تجاوزت مسألة التأثر والتأثير . وتمثلت هذه القيمة في خاصية الدينامية، التي تبلورت في إنجاز كتابة روائية وفق نموذج سردي دينامي (التهجين، الأسلبة، الباروديا، النسبية، الانشطار..)، يؤشر على التجاوزات والاختراقات لقواعد السرد التقليدي، وبذلك بلورت الرواية المغربية جمالية كتابة روائية منفتحة على أفق تجاوز الأشكال والصيغ الجاهزة، واستطاعت أن تؤسس لحظة وعي مزدوج، استطيقي وأيديولوجي متقدم. ورغم هذا الانشغال بالرهانات الاستطيقية، ظلت الرواية المغربية منخرطة في أسئلة الراهن ومنشغلة بزمنيته. ففي ظل غياب التشخيص بمعناه الثقافي لكينونة المجتمع، لصالح سيادة “إساءة التشخيص” المميز للخطابات السياسية الإيديولوجية التي استنفدت إمكاناتها وتحولت إلى كليشهات جاهزة وصور نمطية، استطاعت الرواية المغربية أن تعيد تشخيص اللامفكر فيه والمسكوت عنه، وأن تؤسس بفضل لعبة التخييل والمعيش، لذاكرة مضادة في مواجهة التواريخ الرسمية والإيديولوجية، تلتقط “البقايا” والرواسب، غير المؤرخ لها في الأرشيف الرسمي للسلطة.

في هذا الجهد التأملي التخييلي تعيد رواية “القوس والفراشة” كتابة الأرشيف المنسي للراهن المغربي، حيث تشخص تحولات ثلاثة أجيال من “آل الفرسيوي”: محمد الفرسيوي الذي انتهى به مصيره إلى دليل ضرير للسياح فيما تبقى من أطلال مدينة وليلي الأثرية، بعد إقامة طويلة بألمانيا، ويوسف الفرسيوي الابن العائد من أجل البحث عن الحقيقة، انتحار زوجته، بعدما اعتقد لمدة أن والده وراء مقتلها . وياسين الحفيد الذي انتهى به الضياع إلى أيديولوجية التطرف الديني، والالتحاق بجماعة طالبان ثم تفجير نفسه، ليسدل الستار معه على حكاية آل الفرسيوي. ثلاثة مسارات متداخلة ومتواشجة تنتظمها استعارة الخراب في مغرب تعددي، يبحث وسط الظلام عن بوصلة مستقبله.

تنويع الخطاب

أما الكاتب عبد اللطيف الوراري فيقول: “أُتيح لي، بمناسبة المعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، أن أدير ندوة “روايات جديدة وروائيون جدد”، فكانت سانحةً للتعرُّف على أصوات روائية تنتمي لجيل الروائيين المغاربة الجدد، وهو جيل يراهن، من خلال متنه ومصادره الكتابيّة، على تنويع المقاربة والخطاب السرديين، وعلى إحداث طفرةٍ نوعيّة داخل معمار الرواية المغربية بمتونها وتجاربها وأصواتها المتنوعة والممتدّة لما يزيد عن سبعة عقود من البحث وابتكار طرائق الصّوْغ والنظر إلى العالم. فإلى جانب الرواية التي تستعيد الواقعة التاريخية وتتخذها ذريعةً لتحليل الواقع المعاصر ونقده، والرواية الأطروحة التي تواصل التزامها بهموم المجتمع وتعرض مشكلاته التي تزداد تعقيداً مع ما يدعوها ذلك إلى إبدال جديد في المنظور السردي، نجد الرواية السير ذاتية، والرواية الحوارية، والرواية البوليسية، والرواية السجنية، والرواية التي تنفتح على البعد الصوفي وتستثمره بطرق بديعة، ورواية  العائلة، والرواية التجريبية، إلخ.

وهكذا لاحظنا تعدُّد المساهمين في الإنتاج الروائي، وبأفكار وتراثات شعبية ومخيالات محلّية متنوعة، ومن جغرافيّاتٍ كانت إلى وقت قريب هامشاً، وهو ما يُمثّل، بحقّ، خارطة طريق جديدة، وميلاد جيلٍ سرديٍّ متنوّع ومغاير. فإلى جانب جيل المؤسّـسين من قبيل عبد الكريم غلاب، وعبد الله العروي، ومبارك ربيع، وأحمد المديني، ومحمد عز الدين التازي، ومحمد برادة، والميلودي شغموم، وبنسالم حميش، ويوسف فاضل ومحمد الهرادي وخناثة بنونة، الذي لا يزال يواصل الكتابة ويُصرّ على أن يكون له فيها موطئ قدم دائم. ثمّة أسماء جديدة من أعمار وحساسيات ومراجع كتابية مختلفة، تواصل ما كتبه المؤسسون وتعمل على تطويره والرقي به، ومنها -تمثيلاً لاحصراً- نذكر: عبدالإله بن عرفة، وبهاء الدين الطود، والبشير الدامون، وشعيب حليفي، والحبيب الدايم ربي، وعبد الكريم الجويطي، ومصطفى لغتيري، وأحمد الكبيري، وعبدالرحيم جيران، وجمال بو طيب، وعبد العزيز آيت بنصالح، ونور الدين محقق، وأحمد الويزي وعبد الوهام سمكهان؛ ومن النساء: الزهرة المنصوري، وزهور كرام، وخديجة مروازي، وزهرة الرميج، ووفاء مليح وربيعة ريحان؛ ومن الشعراء: محمد الأشعري، وحسن نجمي، وفاتحة مرشيد ومحمود عبد الغني.

وللنساء صوتهنّ

يقول الناقد والأكاديمي المغربي الدكتور عبد الرحيم جيران”إن الشعر، أيضا، مازال في نظري حاضرا وبقوة في المشهد الثقافي المغربي. وما يقال في صدد هيمنة الرواية ينبغي أن ينظر إليه من زاوية تمكنها من الحضور إلى جانبه، فهي تحظى اليوم بالمغرب باحتلال موقع ممتاز لم يكن لها في الماضي القريب، أو قل بدأت الرواية تحتل المكان اللائق بها. أما ازورار القراء عن الشعر فيجب أن يوضع إلى جانب وفرة الإنتاج فيه، وكثرة الدواوين التي تصدر تباعا. فلعل في الأمر مفارقة ما. ربما كان الإقبال على الشعر دوما محصورا في نخبة محدودة، هذا الأمر لا ينطبق على منطقتنا العربية فحسب، بل أيضا على كل بقاع العالم تقريبا.

كما يرى الدكتور جيران أن الرواية المغربية حققت في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين طفرة على مستوى الإنتاج، واستقطبت كتابا من أجناس خطابية مختلفة. مضيفاً: “حتى وقت قريب كان المغرب يُعرف بسمعة مميزة على مستوى النقد بالعالم العربي، لكنه اليوم صار يتميز بحضور لافت على مستوى الإبداع ككل. وبالفعل استطاع عدد من الروائيين أن يثبتوا حضورهم بالمشرق من خلال نشر روايتهم بأهم قلاع النشر الروائي بالعالم العربي. وهذا الحضور لم يحدث مصادفة، وإنما لكون الرواية المغربية عرفت تحولات هامة في أسلوب كتابتها جعلتها تلفت النظر إليها، ومن أهم ملامح هذه التحولات: إعادة الاعتبار لأهمية الحكاية، والتنويع على الموضوعات، وظهور وعي حاد بطرق التشخيص الروائي، واستحضار السؤال المعرفي على نحو تجسيمي، وتجاوز التجريب المتطرف الذي لا يبالي بالقارئ، وتحرير الرواية من هاجس النقد، وجعلها تتبع طريقها الخاص في التعبير عن العالم.

وعن الأفق الذي ينتظر الرواية المغربية قال الدكتور جيران: أظن أن أفق الرواية هو تراكمها الحالي، ومعنى ذلك أن الكم لا بد أن يولد كيفا جيدا في المستقبل بناء على جدلية التمثل والتجاوز. المهم أن الرواية المغربية قد وجدت الطريق، وعليها مواصلة البحث في اتجاه بناء عالمها الخاص، ولن يتيسر ذلك إلا بتوافر رؤية جمالية لدى الكتاب.. الكتابة من فراغ لم تعد تقنع أحدا، إذ لا بد للكاتب من أن يكتب وفق تصور ما يستطيع البرهنة عليه، والدفاع عنه بشرحه وتفسيره. أما الأسماء المؤسسة للرواية المغربية فمن الصعب تحديد لائحة في هذا الصدد، لأن التأسيس لا يعني السبق في الكتابة، وإنما وضع لبنات لتصور جمالي يعطي للرواية المغربية ملامحها الأساس، وأفضل بدلا من ذلك الحديث عمن مهدوا للرواية المغربية، وهنا استحضر عبدالكريم غلاب، ومحمد زفزاف، ومحمد عزيز الحبابي، ومبارك ربيع، ومحمد برادة، ومحمد عزالدين التازي، والميلودي شغموم، وأحمد المديني، أتحدث هنا عن الأسماء التي واصلت الكتابة، ولم تتوقف عند نص أو نصين، كما يجب ألا ننسى ريادة خناثة بنونة بوصفها صوتا نسائيا. أما الأسماء التي تحرك الآن الكتابة الروائية بالمغرب، فهم كثر، ونجد من بينهم الأسماء التي مهدت للرواية المغربية، ومن الصعب ذكرها جميعا.

وأكد الدكتور جيران على أن هناك أصوات روائية نسائية تساهم في إنضاج أسئلة الرواية، و تضفي على الرواية المغربية نكهة خاصة تتمثل في محاولة طبع الرواية بميسم أنثوي، بيد أنها تكاد لا تخرج في نمط الكتابة عن الملامح التي سبق أن ذكرتها في صدد التراكم الحالي للرواية المغربية. لكن يبقى لكل روائية أسلوبها الخاص في الكتابة. وموقفها الخاص من الكتابة والعالم، لكن من الظلم أن نعمم على الكتابة النسائية جميعها اتصافها بالتعبير الأنثوي، ففي العديد من النصوص التي تكتبها النساء بالمغرب نجد نزوعا نحو التعبير عن الإنسان في شموليته.

 

مقالات ذات صلة

Sign In

Reset Your Password