تغيرت معطيات الساحة السياسية الجزائرية مباشرة بعد أن تأكد أن التعديل الدستوري الذي كان سيمدد للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة لم يعد واردا، حتى وإن ظل بعض أنصار الرئيس متمسكين بخيط رفيع من الأمل في رؤية هذا التعديل يتم في الوقت بدل الضائع، علما أن هناك ارتباطا وثيقا بين التعديل وبين ترشح الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، والتخلي عن التعديل الدستوري، والذي كانت ‘القدس العربي’ السباقة للكشف عنه، فسر على أنه تراجع عن ترشح الرئيس بوتفليقة للاستحقاق الرئاسي القادم، خاصة وأنه ظهر، في آخر اجتماع لمجلس الوزراء، متعبا وغير قادر على الوقوف على قدميه، خلافا لما كان أنصاره يروجون له عن تحسن أوضاعه الصحية.
تحول أنصار الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى مطاردين من طرف وسائل الإعلام، وأغلبيتهم اختفوا من الساحة السياسية والإعلامية، وأغلقوا هواتفهم أمام الصحافيين، خاصة بعد أن شعر الكثير منهم أنهم كانوا ضحية ‘خدعة’، وأن الرئيس من المستبعد جدا أن يترشح لولاية رابعة، إلا إذا حدثت معجزة، خاصة بعد التراجع عن التعديل الدستوري، الذي يمثل بالنسبة للكثيرين تراجعا عن ترشح بوتفليقة مجددا، خاصة وأن التعديل كان قد أعلن عنه الرئيس بوتفليقة، وأكده الرئيس الفرنسي فرانسوا اولاند الذي زار الجزائر في كانون الأول/ ديسمبر 2012، وصرح بأن بوتفليقة يستعد للإعلان عن تعديل دستوري عميق، علما أن هذا التعديل كان من المفترض أن يأتي كخاتمة للإصلاحات السياسية، كما أن بوتفليقة كان قد كلف لجنة فنية مشكلة من رجال قانون بإعداد مسودة للدستور الجديد، والذي كان ينتظر أن يتضمن استحداث منصب نائب للرئيس يغطي على غياب الرئيس في حالة المرض أو العجز، ويغلق الباب أمام المادة 88 التي تنص على الإجراءات الواجب اتخاذها في حالة عجز الرئيس صحيا عن أداء مهامه.
التيار المساند للرئيس بوتفليقة يبدو تائها وفي ورطة، على اعتبار أنه لعب ورقة الرئيس دون غيرها، وبالتالي سيكون مجبرا على البحث عن بديل آخر، ورغم أن هذه الأحزاب تتصرف عادة وفق بوصلة السلطة، وهي تراهن دائما على حصان السلطة، لكن استباقها الأحداث سيجعلها معرضة لانقلابات داخلية تبعد القيادات التي راهنت على ترشيح بوتفليقة، دون أن تتأكد من قدرة هذا الأخير على الترشح مجددا للرئاسة، وهو السيناريو الذي يتهدد عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني ( الأغلبية)، والذي وجد نفسه في مأزق بسبب دفعه للحزب في اتجاه تعديل الدستور والولاية الرابعة، قبل أن يكتشف خصومه وحتى من وقفوا إلى جانبه ‘مكرهين’ أنه كان متسللا على كامل الخط.
أما حزب التجمع الوطني الديمقراطي (حزب السلطة الثاني) فقد كان أذكى نوعا ما، عندما تفادى استخدام مصطلح الولاية الرابعة، وكذا القول بأن بوتفليقة هو مرشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة، بل اكتفى بالقول ان التجمع مستعد لمواصلة المسيرة، ولخوض الحملة الانتخابية إلى جانب الرئيس بوتفليقة، وهو موقف لا يخلو من الحذر.
تراجع سيناريو الولاية الرابعة سيعيد بعث السباق الانتخابي، وسيجعل بعض المترددين في دخول السباق الانتخابي يتركون ترددهم جانبا، فإذا كان علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق قد أكد لكل من زاروه خلال الأسابيع القليلة الماضية بأنه سيترشح للرئاسة سواء ترشح بوتفليقة أو امتنع، والذي ينتظر فقط استدعاء الهيئة الناخبة من أجل الإعلان عن ترشحه للرئاسة، فإن شخصيات أخرى فضلت وضع طموحها في الترشح داخل ثلاجة، مثلما هو الأمر بالنسبة لرئيسي الحكومة السابقين أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم، واللذين قد يراجعان حساباتهما في حالة تأكد لهما أن الرئيس بوتفليقة لن يترشح لولاية رابعة.