ينوي المغرب إحياء الربط القاري بين المغرب واسبانيا لربط القارة الأوروبية بنظيرتها الإفريقية، لكن كل المؤشرات تدل على أن هذه الرغبة ستبقى مجرد متمنيات في الوقت الراهن لأسباب متعددة أهمها اقتصادية وجيولوجية.
وجاء التذكير بمشروع الربط القاري على لسان الوزير المنتذب في النقل نجيب بوليف في لقاء في العاصمة بروكسيل الخميس الماضي، حيث شدد على أهمية المشروع ومعتبرا إياه مشروع القرن الواحد والعشرين. واستشهد في هذا الصدد بتثمين الأمم المتحدة على المشروع.
ومشروع الربط القاري هو مشروع قديم وإن كان قد بدأ يخضع لدراسات جيدة منذ العشرينات من القرن العشرين ثم لاحقا في الثمانينات من القرن نفسه من خلال توقيع اسبانيا والمغرب عدد من الاتفاقيات في هذا المجال.
ورغم التصريحات السياسية وكثرة الاتفاقيات الموقعة، هذا المشروع يسستمر خلال العقود المقبلة مجرد رغبة مشتركة بين اسبانيا والمغرب وأساسا بالنسبة للرباط.
وميدانيا، تبرز مختلف الدراسات صعوبة حفر نفق تحت مضيق جبل طارق بسبب الطبقات الأرضية التي لا تسمح بحفر النفق لأنها لا تستند على أرضية صلبة، وبالتالي لس هناك حتى الآن حلول هندسية لنفق طويل وهائل مثل النفق المنشود.
واقتصاديا، لا يشكل النفق قفزة نوعية هائلة في التجارة الدولية، فالتبادل التجاري بين الدول الأوروبية وشمال إفريقيا ليس بالكثافة التي تستوجب الاستثمار في نفق سيكلف عشرات الملايير من اليورو، إذ يكفي في الوقت الراهن النقل البحري والبري. ومن ضمن الأمثلة، فشاحنة محملة بالمواد تنطلق من تونس نحو إيطاليا ستفضل الربط البحري بدل المرور بنفق لربح الوقت، والأمر نفسه بالنسبة للجزائر أو مصر أو دول إفريقية أخرى.
وشهد العالم حفر نفقين، الأول وهو نفق سيكان في اليابان بين جزيرتي هونشو وهوكايدو على امتداد 53 كلم ولكن 23 فقط تحت سطح البحر ويوجد على عمق مائة متر من قاع البحر و250 من سطح البحر، وقد تم تدشينه سنة 1988. والنفق الثاني أو النفق الأوروبي بين بريطانيا وفرنسا على طول 50 كلم منها 39 تحت قاع البحر. وفي الحالتين، فالنفق الياباني يربط جزيرتي لبلد له كثافة سكانية مرتفعة وله اقتصاد ضمن الخمس الأوائل في العالم، كما أن النفق الأوروبي ربط المملكة المتحدة بمجموع أوروبا. وتفيد الدراسات أن كلفة الربط القاري لن تقل عن 40 مليار يورو في الوقت الراهن، وهو ما سيجعله أغلى مشروع في التاريخ حتى الآن، وهذا المبلغ لا توجد جهات مستعدة لتحمله في الوقت الراهن.
ونظرا للكلفة الكبيرة، والتطور الهائل في وسائل النقل البحري والأثمان البخسة، سيبقى نفق جبل طارق ضمن الأماني خلال العقود المقبلة، إلا إذا تطورت التكنولوجيا الإنسانية بشكل سريع وتراجع دور النقل البحري.