يبدو أن فيروس كورونا المستجد “سارس كوف 2″ المسبب لمرض كوفيد-19 سيستمر في مفاجأتنا، فخلال الـ24 ساعة الماضية انفجرت معطيات جديدة حول الفيروس، ترتبط بمنشئه المحتمل، وطريقة تعامل منظمة الصحة العالمية مع البيانات العلمية المتعلقة به.
وزعم رئيس سابق لجهاز الاستخبارات البريطاني أن فيروس كورونا تسرب من مختبر صيني، بينما كشف تحقيق لصحيفة الغارديان أن منظمة الصحة العالمية غيرت سياساتها وعلاجات مرض كوفيد-19 على أساس بيانات معيبة من شركة تحليلات مشكوك في مصداقيتها، ومن بين كادرها عارضة لمحتوى البالغين.
في البداية، دعونا نؤكد أن عرض هذه المعطيات لا يعني تبنيها، أو تبني أي نظرية مؤامرة. كما لا يعني ما سنعرضه عدم الاستماع إلى إرشادات منظمة الصحة العالمية، أو التقليل من خطر فيروس كورونا الذي قارب عدد إصاباته عالميا 6.6 ملايين، وعدد الوفيات به 390 ألفا، وفقا لموقع “وورلد ميتر“.
ومن المهم جدا أن نتبع إرشادات التباعد الاجتماعي والنظافة والتعليمات من وزارات الصحة في بلداننا، وذلك لنحمي أنفسنا ونحمي المجتمع من تفشي الفيروس. وأي تغيير في هذ الإرشادات يجب أن يكون بناء على توجيهات الوزارة في البلد التي تعيش فيها.
حادث
نبدأ مع تصريح للرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني (MI6) السير ريتشارد ديرلوف، قال فيه إنه يعتقد أن جائحة فيروس كورونا المستجد “بدأت كحادث” عندما تسرب الفيروس من مختبر في الصين.
وفي مقابلة مع صحيفة التلغراف، أضاف ديرلوف أنه اطلع على تقرير علمي جديد يشير إلى أن الفيروس لم يظهر بشكل طبيعي، ولكن من صنع العلماء الصينيين.
وتابع أن هذا الاكتشاف الواضح سيزيد من احتمال دفع الصين تعويضات عن الموت والكارثة الاقتصادية التي ألحقها الفيروس بالعالم.
وتوصل العلماء إلى شبه إجماع على أن الفيروس ظهر في الحيوانات –على الأرجح الخفافيش أو حيوان البنغولين– قبل القفز إلى البشر.
لكن السير ريتشارد (75 عاما) أشار إلى ورقة علمية نشرها قبل أيام فريق أبحاث بريطاني نرويجي يزعم أنه اكتشف أدلة في التسلسل الجيني للفيروس، تشير إلى أنه تم إدخال عناصر فيه وربما لم تتطور بشكل طبيعي.
وكتب الورقة باحثون منهم البروفيسور أنجوس دالغليش من مستشفى سانت جورج في جامعة لندن، وعالم الفيروسات النرويجي بيرغر سورنسن.
في المقابل، هناك شكوك حول مدى مصداقية هذا البحث، فمثلا طلب أحد المؤلفين المذكورين –وهو كبير المستشارين العلميين للجيش النرويجي جون فريدريك موكسنيس– سحب اسمه من البحث.
ونفى علماء من معهد فرانسيس كريك وإمبريال كوليج لندن استنتاجات هذا البحث. كما أفاد العلماء الذين حللوا فيروس كورونا المستجد بعدم وجود علامات على أن التسلسل الجيني تم التلاعب به أو تشويهه بأي شكل من الأشكال.
بيانات معيبة
وننتقل إلى تحقيق لصحيفة الغارديان البريطانية، قال إن منظمة الصحة العالمية وعددا من الحكومات غيرت سياساتها وعلاجات مرض كوفيد-19 على أساس بيانات معيبة من شركة تحليلات رعاية صحية أميركية غير معروفة اسمها “سرجيسفير” (Surgisphere).
وقدمت الشركة بيانات لدراسات متعددة حول فيروس كورونا شارك في تأليفها الرئيس التنفيذي للشركة سابان ديساي، ولكنها فشلت حتى الآن في شرح بياناتها أو منهجيتها بشكل كاف.
وشكلت البيانات التي تدعي الشركة أنها حصلت عليها بشكل شرعي من أكثر من ألف مستشفى في جميع أنحاء العالم، أساسا للمقالات العلمية التي أدت إلى تغييرات في سياسات علاج كوفيد-19 بدول أميركا اللاتينية. كما كانت السبب وراء قرار منظمة الصحة العالمية ومعاهد البحث حول العالم بوقف التجارب على عقار “هيدروكسي كلوروكين“.
ونشرت “ذي لانسيت” و“نيو إنغلاند” –وهما من المجلات الطبية الرائدة في العالم– دراسات تستند إلى بيانات “سرجيسفير“، وشارك في تأليفها ديساي نفسه.
وفي وقت متأخر من يوم الثلاثاء، وبعدما اتصلت بها صحيفة الغارديان، أصدرت مجلة “ذي لانسيت” الطبية “تعبيرا عن القلق” بشأن دراستها المنشورة. كما أصدرت مجلة “نيو إنغلاند” إشعارا مشابها.
شكوك
وتوصل تحقيق الغارديان إلى أن العديد من موظفي شركة “سرجيسفير” –ومقرها الولايات المتحدة– لا توجد بيانات عن خلفيتهم، أو أن لديهم خلفية علمية ضعيفة أو معدومة. ويبدو أن أحد الموظفين المدرجين كمحرر علوم هو مؤلف خيال علمي، وموظفة أخرى مدرجة كمديرة تنفيذية للتسويق هي عارضة محتوى للبالغين ومضيفة للمناسبات.
وتحتوي صفحة الشركة على موقع “لينكدإن” على أقل من 100 متابع، وأدرجت الأسبوع الماضي ستة موظفين فقط، وتم تغيير هذا إلى ثلاثة موظفين اعتبارا من يوم الأربعاء، في حين تدعي “سرجيسفير” أنها تدير واحدة من أكبر قواعد بيانات المستشفيات وأسرعها في العالم، إلا أنه ليس لها وجود على الإنترنت تقريبا.
وحتى يوم الاثنين الماضي، فإن رابط الاتصال على موقع “سرجيسفير” يعيد توجيه الزائر إلى قالب “وورد برس” لموقع عملة مشفرة، مما يثير تساؤلات حول كيف يمكن للمستشفيات الاتصال بسهولة بالشركة للانضمام إلى قاعدة البيانات الخاصة بها.
وكانت الأسئلة المحيطة بهذه الشركة تزداد في المجتمع الطبي خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وكانت مجلة “ذي لانسيت” نشرت يوم 22 مايو/أيار الماضي دراسة مراجعة وجدت أن العقار المضاد للملاريا “هيدروكسي كلوروكين“، ارتبط بارتفاع معدل الوفيات في مرضى كوفيد-19 وزيادة مشاكل القلب.
وادعت الدراسة التي أدرجت سابان ديساي كواحد من المؤلفين المشاركين، أنها حللت بيانات شركة “سرجيسفير” التي تم جمعها من قرابة 96 ألف مريض مصاب بكوفيد-19، وتم أخذها في 671 مستشفى –من قاعدة بياناتها التي تضم 1200 مستشفى حول العالم– ومن الذين تلقوا عقار “هيدروكسي كلوروكين” بمفرده أو بالاشتراك مع المضادات الحيوية.
واحتلت النتائج السلبية الأخبار العالمية ودفعت منظمة الصحة العالمية إلى وقف “هيدروكسي كلوروكين” في تجاربها العالمية.
لكن بعد أيام فقط، كشفت صحيفة الغارديان عن أخطاء فادحة في البيانات الأسترالية المدرجة في الدراسة التي قالت إن الباحثين تمكنوا من الوصول إلى البيانات عبر شركة “سرجيسفير” من خمسة مستشفيات، مسجلين 600 مريض أسترالي بكوفيد-19 و73 حالة وفاة أسترالية حتى يوم 21 أبريل/نيسان الماضي.
لكن البيانات من جامعة جونز هوبكنز تظهر أنه تم تسجيل 67 حالة وفاة فقط بسبب كوفيد-19 في أستراليا بحلول التاريخ نفسه، ولم يرتفع الرقم إلى 73 حتى يوم 23 أبريل. وقال ديساي إن أحد المستشفيات الآسيوية تم إدراجه بطريق الخطأ في البيانات الأسترالية، مما أدى إلى المبالغة في تقدير الحالات هناك.
واتصلت الغارديان بخمسة مستشفيات في ملبورن واثنين في سيدني، وجميع مسؤوليها نفوا أي مشاركة في قاعدة البيانات المزعومة، وقالوا إنهم لم يسمعوا عن شركة “سرجيسفير“، في حين لم يرد ديساي على طلبات للتعليق.
منظمة الصحة العالمية تتراجع
وأعلنت منظمة الصحة العالمية أمس الأربعاء معاودة التجارب السريرية حول عقار “هيدروكسي كلوروكين” بعد تسعة أيام على تعليقها إثر نشر الدراسة في مجلة “ذي لانسيت“. غير أن المجلة نأت بنفسها عن الدراسة مساء الثلاثاء، وأقرت في تنبيه رسمي وجود “تساؤلات كبيرة” في هذا المجال، مما دفع منظمة الصحة إلى نشر استنتاجاتها في موعد أبكر.
وأوضحت كبيرة علماء منظمة الصحة سمية سواميناتان خلال مؤتمر صحفي من مقر المنظمة في جنيف بالقول “إننا واثقون إلى حد كبير الآن بعدم وجود فرق في الوفيات“.
وأكد المدير العام للمنظمة تيدروس أدهانوم أنه بعد تحليل “البيانات المتوافرة حول الوفيات“، رأى أعضاء لجنة السلامة والمتابعة في المنظمة “عدم وجود أي سبب لتعديل بروتوكول” التجارب السريرية.
وأضاف أن المجموعة التنفيذية لتجربة “تضامن” التي تمثل الدول المشاركة “تلقت هذه التوصية وأقرت مواصلة التجارب بكل أبعادها، بما في ذلك الهيدروكسي كلوروكين“.
قلق
وفي رسالة مفتوحة نشرت يوم 28 مايو/أيار الماضي، شدد عشرات العلماء من مختلف أنحاء العالم على أن التحليل الدقيق لدراسة “ذي لانسيت” يثير “قلقا مرتبطا بالمنهجية المعتمدة وصدقية البيانات“.
ووضع هؤلاء قائمة طويلة بالنقاط التي تطرح مشكلات، من التفاوت في الجرعات المعطاة في بعض الدول، إلى مسائل أخلاقية حول جمع البيانات، مرورا برفض الكشف عن البيانات الخام.
وقال الأستاذ الجامعي ستيفن إيفانز من كلية لندن للطب المداري إن “شكوكا تحوم حول صدقية دراسة ذي لانسيت، ويبدو أن الكثير من صناع القرار السياسيين اعتمدوا كثيرا على هذه الدراسة“.
كما تعرضت دراسة “ذي لانسيت” لحملة لاذعة من المدافعين عن الهيدروكسي كلوروكين، وفي مقدمتهم الباحث الفرنسي ديدييه راولت.
وقد غرد هذا الخبيرفي حوار هام مع تلفزيون بي ف إم تيفي الفرنسي الأربعاء من الأسبوع الجاري “القصر الورقي ينهار“، في إشارة إلى التحذير الصادر عن “ذي لانسيت“، في حين سبق له أن وصف الدراسة على أنها “فاشلة“.