اعتقال الصحافي الريسوني و«العرض» الجديد/المعطي منجب

سليمان الريسوني رئيس تحرير جريدة أخبار اليوم

اعتقلت قوات الأمن، وكانت تتكون من حوالي خمسة عشر عنصرا باللباس المدني، الصحافي ورئيس تحرير جريدة أخبار اليوم سليمان الريسوني من أمام منزله بالدار البيضاء يوم 22 مايو/أيار في السادسة وعشرين دقيقة، وقد تم تصوير الحدث بكامله ونشر جزء بسيط منه ببعض المواقع المقربة من السلطة.
والملاحظ أن اعتقال الصحافيين المنتقدين للسلطة يتم دائما بطرق متشابهة وبعدد من رجال الأمن يفيض عن المطلوب.

وهكذا فقد شاركت فرقة من ثمانية عشر عنصرا في إلقاء القبض على علي أنوزلا مدير موقع لكم بالرباط عام2013، حيث صعد 12 فردا منهم إلى شقته على الساعة السابعة صباحا وانتظره الباقي أمام باب العمارة. الغريب أن حوالي نصف هذا العدد الهائل كان يرتدي لباسا واقيا من الرصاص. أمر شبيه حدث أثناء اعتقال الصحافية هاجر الريسوني إذ كان ينتظرها بالشارع حوالي إثني عشر عنصرا، أحاطوا بها لما اقتربت منهم وأخذ جزء منهم يصورها بكاميرات.

أما إلقاء القبض على مدير أخبار اليوم توفيق بوعشرين فشارك فيه ما يقرب من أربعين عنصرا دخل نصفهم مقر جريدته وبقي الآخرون قرب المصعد وفي مدخل العمارة. قد يتساءل سائل لماذا يزج النظام بكل هذا العدد الهائل من ضباط وعناصر الأمن عند اعتقال الصحافيين. لا شك أن الهدف هو الضغط على المعتقلين وأسرهم وترهيب مجموع الصحافيين بإنذارهم أن هذا هو مصيركم إن تجاوزتم الخطين الأحمرين وهما حاليا القصر وقيادة الأمن العليا حتى أن القائد الاشتراكي المعتدل محمد الساسي قد صرح في بداية هذه السنة أن أجهزة الأمن أصبحت من المقدسات، وأما في السابق فقد كانت خطوط التماس مع الخطر هي الملكية والإسلام والصحراء.

ولنعد الآن إلى قضية سليمان الريسوني، وهو ثالث صحافي يعتقل وللسنة الثالثة على التوالي ومن نفس الجريدة بتهم جنسية لا يصدقها عاقل. ألا يهتم أصحاب القرار بمصداقية النظام على المستوى الدولي إذا كان الهدف من «جنسنة» قمع الصحافة هو ترويع الرأي العام على المستوى الداخلي وردعه عن المشاركة في حملات التضامن مع معتقلي الرأي، فأغلبية الناس يخجلون ويرفضون تقليديا الخوض في قضايا الجنس حتى ولو عرفوا أنها مفبركة؟
سليمان الريسوني صحافي يساري ينتقد الحكم ويفضح ممارساته السلطوية. إنه يفكك سياساته وردود أفعاله بشكل يجعل السلطة موضعا للسخرية والتنكيت رغم أنه في الغالب يستعمل عبارات صحافية ومفاهيم سياسية محضة ولكن أسلوبه وطريقته في السرد والاستطراد فيها نوع من الإبداع الفني يجعل القارئ مشدودا إلى النهاية ومترقبا للمقال التالي. حمل الريسوني مشعل الجرأة والحق، كما يقول زملاؤه بالجريدة، بعد اعتقال مديرها بوعشرين لتصبح افتتاحياته النارية في الصحيفة الورقية تجوب آفاق الفضاء الافتراضي وتشارك آلاف المرات كل أسبوع.

هذا المنحى «الجنسي» لضبط المجتمع الإعلامي يبدو وكأنه تأقْلُمٌ مع الحركة العالمية المسماة «ميتو« المناهضة للتحرش الجنسي والاغتصاب. وقد يدعم هذه المقاربة التفسيرية أي ملائمة «العرض القمعي» المحلي لجعله مقبولا لدى الرأي العام الغربي وعند الفئات المحظوظة و«الليبرالية» المحلية المستفيدة من الوضع هو أن شخصية مقربة من النظام كانت قد بادرت في شهر آذار/مارس 2018 إلى نشر أول مقال بالصحافة الأمريكية عن قضية بوعشرين ومؤداه أن اعتقال هذا الصحافي المتهم بالاتجار بالنساء واستغلالهن جنسيا هو لحظة أو مساهمة المغرب في حركة ميتو التي كانت قد انطلقت خمسة أشهر قبل ذلك. ولقد كان لهذا المقال الاستباقي فاعلية ملحوظة تمظهرت في نوع من شلل المنظمات الحقوقية الغربية اتجاه قضية الصحافي المستهدف لانتقاداته الشديدة للسلطة. استمرت حالة الشلل هذه لما يقرب من السنة ولم تنقض إلا برأي لمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بجنيف اعتبر أن اعتقال مدير أخبار اليوم تعسفيا وطالب بإطلاق سراحه وجبر ضرره وفتح تحقيق ضد من تسبب في اعتقاله.

كان النظام المغربي قد قدم في الماضي «عرضا ضبطيا» آخر يوافق كذلك هوى الرأي العام الغربي ويسوق بطريقة ذكية تراجع الحريات بالمغرب. هذا «العرض»دام ما يربو على العقد وكان قد جاء في أعقاب إعلان أمريكا جورج بوش الإبن ما سمي بالحرب على الإرهاب. هذه الفترة التي امتدت على العموم بين 2002 و2013، اعتقلت السلطات خلالها الكثير من الإرهابيين والكثير من غير الإرهابيين مدمجة الكل في نفس «الباكيدج». كان أشهر «غير الإرهابيين» المعتقلين بدعوى الإرهاب المجموعة التي دعيت «السياسيين الستة» ومنهم زعماء حزب البديل الحضري وحركة الأمة وعضو من اليسار الموحد وعضو من البيجيدي أي باقة من ممثلي الأحزاب الرافضة لدخول بيت الطاعة آنذاك. وكان من ضحايا الفترة أيضا وبنفس تهمة الإرهاب الصحافي علي أنوزلا الذي عوقب على انتقادات لاذعة وجهها للسلطة وعلى التحقيق الذي قام به موقعه الإعلامي حول فضيحة دانيال غالفان والتي أخرجت آلاف المغاربة للشارع مهددة بعودة حراك الربيع إلى المغرب.

رغم الحملة التشهيرية العاتية والمنظمة التي استهدفت سليمان الريسوني قبل وبعد اعتقاله، يبدو أن قضيته ستكون أكثر تعقيدا في تدبيرها إعلاميا من لدن النظام من قضية بوعشرين. وذلك لأنها تأتي، كما قلنا أعلاه، بعد قضيتين جنسيتين أخريين كان طاقم الجريدة ضحية لها، كما أن إحدى الشابات النسويات الجريئات وإسمها أمينة التراس قد أخبرت الرأي العام عبر تدوينة تقول إنه تم الاتصال بها مرتين لتضع شكاية على أنها كانت ضحية للمشتكى به لكنها رفضت مؤكدة أنها لا تعرفه وأنه لم يعتد يوما عليها. العجيب أن الإعلام الاستعلاماتي الذي كان يؤكد قبل هذا التصريح أن هناك فتيات ثلاث سيقدمن كذلك شكاية ضد الريسوني قد نسي الموضوع تماما بعد الضربة القاضية التي وجهتها له.

Sign In

Reset Your Password