يعيش الحوار بين الدولة المغربية والسلفيين حالة من المد والجزر خلال الآونة الأخيرة، ففي الوقت الذي تظهر بوادر انفراج في ملف العديد من السلفيين القابعين بسجون البلاد، إلا ويأتي حدث يعيد الملف إلى درجة الصفر، سواء تعلق الأمر بالأحداث الداخلية أو الخارجية.
و جاءت تفجيرات باريس لتعيد النقاش القديم الجديد حول جدوى الحوار مع السلفيين، في ظل بقاء نحو 888 سجينا بسبب قضايا الإرهاب بالبلاد حتى آب/اغسطس من العام الحالي ، بحسب إدارة السجون وإعادة الإدماج بالمغرب(حكومي يعنى بتدبير السجون بالمغرب)، بالإضافة إلى آخر إحصاءات وزارة الداخلية المغربية التي تفيد ان ” نحو 1505 مغربيًا، يقاتلون في صفوف الجماعات الإرهابية، بينهم 719 في صفوف تنظيم داعش الإرهابي”.
وكان 37 من المحكومين بقضايا “الإرهاب”، أفرج عنهم، في الـ 6 من الشهر الحالي، بموجب عفو استثنائي من طرف العاهل المغربي محمد السادس (بمناسبة الذكرى 40 لـ “المسيرة الخضراء”، التي تؤرخ لـ”استرجاع” المغرب للصحراء من الاحتلال الإسباني) ،
ويرى مراقبون ان الحوار بين السلفيين والدولة أمر صعب، في ظل ضعف المبادرات، وغياب حوار بين التيار السلفي وباقي التيارات الاخرى بالمجتمع.
وبحسب باحثين مغربيين فإن إدماج السلفيين يساعد التيارات الراديكالية على الاعتدال والتكيف مع البيئة السياسية، وغيابه يدخل الحوار في حلقة مفرغة.
ودعا ادريس القصوري، الأستاذ الجامعي والباحث المغربي في الجماعات الإسلامية والحركات الجهادية، إلى فتح حوار بين جميع أطراف المجتمع بما فيهم السلفيون.
وفي تصريح للاناضول ، حذر القصوري من غياب المثقفين والعلماء والنخبة عن العديد من النقاشات العمومية، بما فيها الحوار بين السلفيين وباقي أطراف المجتمع.
واعتبر أن المغرب في حاجة لطي صفحة الماضي المتعلقة بالمعتقلين السلفيين بالسجون، خصوصًا أن السجن ليس انتقامًا، بل تطبيق القانون حيال المشتبه بقيامهم بأعمال غير قانونية وغير مشروعة.
ولفت إلى ضرورة أن تكون هناك إرادة للسلفيين القابعين بالسجون في تغيير أفكارهم والتعاطي مع المجتمع بإيجابياته وسلبياته بطريقة سلمية .
وأبرز ضرورة التأكد من أن هناك قناعة لدى السلفيين القابعين بالسجون لتغيير أفكارهم، حتى تنجح مساعي المصالحة الحقيقية والإفراج عنهم، لا سيما أن بلاده تعتمد على خطة في محاربة الإرهاب، تضم عددًا من المحاور من بينها الإصلاح الديني والإفراج عن بعض السلفيين.
وأوضح أن الخطوة الثانية تتعلق بإدماجهم وضمان فرص عمل لهم، لأن غياب الإدماج سيدخل الحوار في حلقة مفرغة، معتبرا ذلك خطوة أساسية ، ستساعد على تغيير الكثير من أفكارهم.
وتبين مؤشرات ان بعض المفرج عليهم، يتوجهون الى مناطق الصراع، خصوصا في حالة عدم اندماجهم داخل المجتمع.
وبخصوص أسباب توجه العديد من الشباب إلى بؤر التوتر انطلاقا من المغرب وبعض الدول المنطقة، قال: هناك أسباب خارجية وأخرى داخلية، مرتبطة باستقطاب الشباب المنطقة.
وأوضح أن “العوامل الخارجية التي تدفع بتبني التطرف والعنف تتعلق بما أسماه “الظلم المسلط من طرف الغرب تجاه الدول الإسلامية ، والاعتداء على حرمات المسلمين وعلى فلسطين، والظلم المسلط على العراق وبعض الدول العربية الاخرى، وبالتالي تتولد رغبة لدى بعض الشباب في الذهاب إلى بؤر التوتر”.
وأضاف ” في الوقت الذي يقيم الغرب الدنيا ولا يقعدها إذا أصيب شخص إسرائيلي، لا ينتبه أحد إذا أصيب عشرات الأطفال الفلسطينيين”.
وأشار أن “العوامل الداخلية تتعلق بالإقصاء والبطالة وعدم الاعتراف بالآخر وغياب الحوار بين السلفيين وباقي مكونات المجتمع، وعم تكافؤ الفرص، وعدم السماح بوصول صوت المظلوم إلى الجهات المعنية”.
من جهته، قال بلال التليدي الباحث المغربي في الجماعات الإسلامية ” أعتقد أن أي مسعى لإدماج مكونات الجسم السلفي سيكون مفيدا بغض النظر عن الإطار السياسي الذي سيحتضن هذه المبادرة، بحكم أن الإدماج يساعد التيارات الراديكالية على الاعتدال والتكيف مع البيئة السياسية”.
وتابع ” الرأي العام والإعلام لم يساير المراجعات التي تم الإعلان عنها بخصوص السلفيين الذين تم الإفراج عنهم مؤخرا والتي يتزعمها حسن الخطاب ( شيخ سلفي كان ضمن الذين شملهم العفو مؤخرا).
وأردف “لم نتعرف بالتحديد على الطريقة التي تم بها الحوار مع هذه الفئة، والجهة التي تولته، وأن كل ما نملك اليوم هو مجرد تصريحات ” الخطاب” يعلن فيها مراجعته لبعض التصورات الراديكالية والعنفية سواء في النظرة للدولة أو المجتمع أو وسائل التغيير”.
وقال ” هناك اليوم من ينظر إلى الجهة التي ستمارس فعل الاحتضان، ويتعلق الأمر بحزب غير قوي ، لكن الأهم في هذه الخطوة هو حجم تمثيلية هذه الفئة بعد الخطوة التي أقدمت عليها، وهل تملك شرعية للتأثير في البقية الذين لا يزالون يحتفظون برؤى متطرفة للمجتمع والدولة ويتبنون الوسائل اللاسلمية في التعبير عن آرائهم ومواقفهم وفي أسلوب التغيير”.
ومضى قائلا ” التجربة الأولى للإدماج التي خاضها ما يعرف اليوم بالشيوخ الثلاثة أبو حفص والكتاني والفزازي بغض النظر عن الاختيارات السياسية المختلفة التي تبناها كل شيخ على حدة تبين محدودية التأثير “.
وتم إطلاق سراح 3 شيوخ سلفيين فبراير شباط عام 2012 ، ويتعلق الامر بمحمد رفيقي ، وحسن الكتاني وعمر الحمدوشي ، وسبق ان تم إطلاق سراح الشيخ السلفي محمد الفيزازي ابريل عام 2011.
وانخرط محمد رفيقي المعروف بالشيخ ابو حفص ( معتقل سابق في قضايا الارهاب) بحزب النهضة والفضيلة ذو المرجعية الاسلامية خلال حزيران/يونيو 2013.
وطالب منتدى الكرامة لحقوق الإنسان(غير حكومي)، بإعمال ما أسماه “المقاربة التصالحية” في التعامل مع المعتقلين في قضايا “الإرهاب” بالمغرب، داعياً إلى “نزع فتيل التوتر بين الدولة وأولئك المعتقلين”.
وقال المنتدى، في بيان أصدره، قبل أيام، إنه “تلقى بارتياح كبير قرار العفو الملكي عن 37 معتقلاً، في إطار قانون مكافحة الإرهاب، من الذين تقدموا بطلب العفو، وأعلنوا عن مراجعة أفكارهم السابقة”، مضيفًا أنه “يثمن عاليًا” هذا القرار.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس أصدر، الخميس الماضي، عفوًا استثنائيًا عن 4215 سجيناً، بينهم 37 من المحكومين بقضايا “الإرهاب” و215 من المنحدرين من الصحراء المتنازع عليها مع جبهة “البوليساريو”.
وكانت تفجيرات هزت مدينة الدار البيضاء (كبرى مدن المغرب ) في 16 مايو/آيار 2003، أودت بحياة نحو 45 شخصاً بينهم 12 من منفذي التفجيرات و8 أوروبيين. وعلى إثر هذه التفجيرات اعتقلت السلطات المغربية، المئات من الأشخاص بتهمة الانتماء لتيار “السلفية الجهادية”، وتمت محاكمتهم بموجب قانون “الإرهاب”؛ حيث صدرت ضدهم أحكام وصفها أهالي المعتقلين بالمشددة .
ووفق قانون مكافحة “الإرهاب” الذي أصدرته السلطات المغربية في الـ28 من مايو/أيار 2003، تعتقل وتعرض على المحاكمات المئات من الموقوفين المتهمين بالإنتماء لجماعات تدين بالفكر السلفي الجهادي. وكانت السلطات عقدت في 25 مارس /آذار 2011 اتفاقية مع ممثلين عن المعتقلين تقضي بالإفراج عنهم عبر دفعات. وبموجب هذه الاتفاقية، أُفرج عن أعداد من المعتقلين بينهم رموز للـتيار السلفي، غير أن العدد الأكبر ما يزال قابعاً في السجون
حوار المد والجزر بين الدولة المغربية والسلفيين
من رواد الحركة السلفية الجديدة في المغرب، منهم من دخل غمار السياسة ومنهم من ابتعد عنها