اهتمت عدد من وسائل الاعلام الدولية بفيلم “الزين لي فيك” وسيزيد منعه من العرض في القاعات السينمائية بالاهتمام به. وقد كتب الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي مقالا يتحدث فيه عن الفيلم ويصفه بالتجاري الفج، ولكنه أكثر انتقادا للانتقادات المجانية التي تعرض لها.
بمجرد عرض الفيلم المغربى «حب مفرط» فى قسم «أسبوعى المخرجين» واسمه على «التتر» كما هو مدون على الشاشة «الزين اللى فيك»، وهو مطلع لأغنية بها مذاق الفولكلور، من بعدها تحول «النت» إلى ثورة عارمة تحمل اتهاما أخلاقيا للمخرج نبيل عيوش فى أعز ما يملك الإنسان وهو الانتماء الوطنى. عريضة الاتهام فى سطرها الأول تتهمه بالتشهير بالبلد من أجل حفنة «يوروهات»، وهناك أيضًا من يذهب بعيدًا ويحيل دفة الاتهام إلى النقاد والصحفيين العرب، الذين وجدوا فى «كان» لأنهم تقاعسوا عن الدفاع عن سمعة المغرب.
لا يمكن بالطبع أن نشجع أو نسهم ولو بالصمت، أو بغض الطرف عن إهانة توجه ضد شعب، ولكنْ هناك فرق بين أن يتناول عمل فنى قضية مثل الدعارة فى رؤية قد تتفق أو تختلف معها، وأن تتهم شعبًا عريقًا كريمًا بالدعارة.
عندما تطاولت قبل نهاية العام الماضى مذيعة مصرية ضد الشعب المغربى، متصورة بقصر نظر سياسى أن هذا الموقف يصب لصالح السلطة السياسية المصرية، تفجرت الثورة العارمة عبر وسائط التواصل الاجتماعى، ولا أتصوره بالمناسبة غضبًا مغربيًّا فقط، بل كان العديد من المصريين قد شجبوا هذا الفعل الشائن.
تم الاعتذار بعدها بساعات، وظلت المذيعة تؤكد حبها لكل ما هو مغربى، وأن ما حدث مجرد زلة لسان. مالك القناة فى النهاية تخلص منها ولم تعد تظهر على شاشته، بعد أن تجاوزت بغشومية الخط الأحمر، فلم يكن الاعتذار يكفى، إذ هى لا تنتقد عملا فنيا ولا موقفا سياسيا، ولكن شعبًا له كل المحبة والتقدير والاعتزاز فى قلوب كل شعوب العالم. والمصريون جميعًا، سواء من كان منهم قد زار المملكة مثل كاتب هذه السطور، أو يحتفظ فى ذاكرته الجماعية بمحبة خاصة لهذا الشعب الذى يفيض بالعراقة والحضارة والرقى، فلم يتخل يومًا المغرب ملكًا وشعبًا عن مواقفه الإيجابية تجاه القضايا العربية ولا تنازل يومًا عن حقوق الشعب الفلسطينى.
لا يمكن أن تختلط الأمور بين نقد يوجه لشعب فى برنامج، وعرض شريط سينمائى لمخرج مغربى حتى ولو عاش سنواته الأخيرة فى باريس، فلقد أصبح اسمه يشكل قيمة إبداعية وفكرية فى العالم العربى كله، وبين الحين والآخر نتابع أفلامه وآخرها «يا خيل الله» الذى عرض فى مهرجان «كان» قبل عامين، وتناول الإرهاب الدينى الذى يتدثر بالإسلام، أتذكر له فى التسعينيات فيلمه «على زاوا» الذى تناول أطفال الشوارع، هذا الفيلم شاهدته لأول مرة فى مهرجان «قرطاج» قبل نحو 17 عاما، ولم يحصل على جائزة، ولكن الجمهور فى القاعة التى شهدت حفل الختام دافع وقتها عن المخرج نبيل عيوش، ليؤكد أحقيته بـ«تانيت» قرطاج، وهو الجائزة الكبرى بالمهرجان التونسى، كانت الحجة الجاهزة ضد الفيلم، أنه وكالعادة يهين المغرب بتسليط الضوء على هؤلاء المشردين فى الأرض، وكان المخرج قد أسند الأدوار الرئيسية فى الفيلم إلى هؤلاء الأطفال، المخرج عينه على ما يجرى فى الشارع المغربى، وهذا هو دور الفن، ولكن دائمًا هناك حساسية فى تقبل أى نقد، خصوصًا عندما يتم عرض العمل الفنى خارج الحدود، وتحديدًا عند تناول قضية مثل الدعارة. سبق مثلا لنبيل عيوش أن عرض فيلم «ليلى» فى مهرجان «دبى» ضمن عروض «ليالى عربية» قبل ست سنوات، وكان نجمنا محمود يس ضيفًا فى المهرجان، واعتبر الفيلم مسيئًا إلى مصر، وعلا صوته بالغضب فى الصالة فى أثناء العرض، لأنه يتناول راقصة مصرية معتزلة يرشق بعض الغاضبين المتشددين دينيا بيتها بالحجارة، ولم أجد فى الفيلم ما يستحق الثورة، باستثناء أنه كان ضعيفًا فنيًّا، ولم يستند إلى دراسة واقعية عن توجهات الشارع المصرى، ورغم ذلك فإن مهرجان الإسكندرية السينمائى بعد أن قرر عرضه فى الافتتاح عاد بعد تدخل محمود يس ومنع العرض، لأن الفيلم يسىء من وجهة نظرهم إلى سمعة مصر، ولم يكن الأمر برمته يستحق شيئًا من كل تلك التداعيات الثائرة. تصفح موقعنا، مع مجموعة متنوعة من الخيارات لتناسب كل الأذواق والميزانيات، والمتاحة للشراء عبر الإنترنت.
مثل هذه المواقف تعبر عن قصور وعدم إدراك لطبيعة الفن، وهو مثلا ما تعرض له أيضًا المخرج المغربى نور الدين حمادى قبل بضع سنوات، بفيلمه الذى أطلق عليه «كازانياجرا» العنوان يسخر فيه من مدينة «كازابلانكا» الدار البيضاء، وهكذا أحال المخرج الأبيض إلى أسود على سبيل الحسرة على ما آلت إليه حال المدينة، كاشفًا عن كل الموبقات التى تجرى اجتماعيا، وعلى الجانب الآخر يفضح تستر الشرطة وتواطؤها.
سبق مثلًا للمخرج يوسف شاهين أن واجه كثيرًا من تلك الاتهامات، وجزء من الصحافة المصرية قبل 24 عامًا بعد أن عرض فيلمه «القاهرة منورة بأهلها» فى «كان» وفى نفس القسم «أسبوعى المخرجين» طالب بإسقاط الجنسية المصرية عنه، لأنه يسىء إلى البلد، ويبيعه لصالح الشركة المنتجة الفرنسية شريكته فى تمويل الفيلم، أيضًا تعرضت المخرجة التسجيلية تهانى راشد إلى اتهام مماثل قبل 8 سنوات بعد عرض فيلمها التسجيلى «البنات دول» فى «كان».
إنها المقصلة الحاضرة دومًا لاغتيال أى عمل فنى، ولا يتوقف الأمر عند الرفض، بل هناك إصرار على ضرورة اتخاذ إجراءات عنيفة ضد صانع العمل الفنى.
ربما لا يعلم الكثيرون أن من حق السينمائى فى المغرب أن يصور فيلمه دون الحصول على موافقة مسبقة من الرقابة، عكس مصر على سبيل المثال التى تشترط التصريح أولا.
نحن بصدد فيلم تجارى، الشريط السينمائى يُسهب بإفراط فى مشاهد الجنس، فهو جنس مفرط، وليس حبا مفرطا، كما يقول عنوان الفيلم، أغلب المواقف التى نراها لا تضيف معلومة درامية بقدر ما تبدو محاولة لاستثمار تجارى للممارسات الجنسية. لا يترك المخرج تنويعة من هذا القبيل من شذوذ وسحاق إلا وقدمها ليس مرة واحدة، بل مرات. لماذا بين كل المتعاملين داخل بيت الدعارة يحظى عدد من السعوديين بالقسط الأكبر، رغم أن بيوت الدعارة مفتوحة لكل الجنسيات، يبدو أن هناك تعمدًا لتكرار ذلك، كأن المخرج يضع خطا تحت دولة بعينها، وهو خطأ درامى.
المخرج على المستوى الجمالى للمفردات السينمائية لم يضع لمسات خاصة أو يقدم لمحة فى التعبير، كما أنه لم يتبن رؤية اجتماعية أو سيكولوجية لتحليل شخصيات العاهرات، فلم يكن يعنيه من الأمر برمته سوى الاستثمار التجارى لتلك المشاهد.
من حق المخرج أن يقدم رؤيته على الشاشة، وأنا أختلف تمامًا فى رؤيته الفنية، ولكنى ضد اتهامه بإهانة سمعة المغرب، كل دول العالم بها من يمارسون أقدم مهنة عرفها تاريخ البشرية، سبق للمخرجة المصرية هبة يسرى أن قدمت فيلما تسجيليا عن العاهرات فى مصر باسم «المهنة امرأة».
الفيلم المغربى «الزين اللى فيك» عمل تجارى فج، إلا أن المصادرة والاتهام بالخيانة الوطنية والمطالبة بإسقاط الجنسية أسلحة أكثر فجاجة!